إيطاليا تواجه ماضيها الفاشي مع استعداد اليمينيين لتسلّم السلطة

نشر في 19-08-2022
آخر تحديث 19-08-2022 | 00:00
تشكل جرائم معينة لحظة مفصلية في تاريخ الدول، وقد يدخل مقتل بائع متجول نيجيري بطريقة وحشية بإيطاليا في هذه الخانة.

جاءت مواقف الرأي العام المتعلقة بمقتل أليكا أوغورشوكو، الذي تعرض للضرب حتى الموت أمام المارة في بلدة تشيفيتانوفا ماركي الساحلية، لتسلط الضوء على حجم الانقسامات في المجتمع، فيما يستعد الإيطاليون للتصويت خلال انتخابات مبكرة في الشهر المقبل.

فبرأي البعض، تعتبر هذه الجريمة نتيجة طبيعية للخطابات التي تعادي المهاجرين وتؤجج الكراهية من جانب السياسيين اليمينيين منذ سنوات، إذ لطالما عكست مواقفهم أشكالاً مزعجة من الفاشية.

لكن آخرين يتهمون معسكر اليسار بمحاولة استغلال هذه المأساة لتحقيق مصالحه السياسية.

ويحمل هذا الخلاف المرير أهمية كبرى، إذ يكشف استطلاع رأي جديد أن الأحزاب اليمينية المعادية للهجرة في السياسة الإيطالية تتجه لحصد أكبر تأييد شعبي في الانتخابات، مما يعني أنها ستكلف بتشكيل الحكومة المقبلة. ويبرز في هذا المعسكر اسم زعيمة حزب «إخوة إيطاليا» المتطرف، جيورجيا ميلوني، وهي المرشحة الأوفر حظاً لتسلم رئاسة الحكومة الإيطالية المقبلة بعد انتخابات 25 سبتمبر. وسيعكس هذا الحدث تحولاً جذرياً في السياسة الإيطالية، فهو يطرح مخاطر محتملة على اقتصاد البلد بعد فترة من الاستقرار في عهد رئيس الوزراء المنتهية ولايته، ماريو دراغي. وتبرز أيضاً مخاوف أخرى من احتمال أن يضعف أي ائتلاف يميني الوحدة الأوروبية في هذه المرحلة الحساسة.

يقول منتقدو ميلوني إن العالم يجب أن يدرك مدى تطرف آرائها، وهم يحذرون من العودة إلى أيام الفاشية القاتمة في الثلاثينيات. سرعان ما ترسخت هذه الفكرة بسبب التغطية الإعلامية التي ذكرت أن الحكومة الإيطالية الجديدة يفترض أن تقسم اليمين الدستورية تزامناً مع الذكرى المئوية لمسيرة موسوليني في روما.

برأي السياسية الإيطالية الديموقراطية المرموقة، لورا بولدريني، وهي من أبرز منتقدي حزب إخوة إيطاليا، ومن أكبر خصومه السياسيين، تجسد ميلوني «اليمين المتطرف الذي لم يتصالح مع ماضيه في إيطاليا».

وتقول بولدريني: «تسللت عناصر فاشية معلنة إلى حزب إخوة إيطاليا. ومن الواضح أن الحزب يريد استرجاع مجتمع منغلق ينظر إلى الماضي، مع أن إيطاليا تحتاج إلى التطلع للمستقبل، العصور الوسطى انتهت».

لكن هل يمكن اعتبار ميلوني وفريقها ورثة الفاشيين من عهد موسوليني فعلاً؟ وما الذي سيفعله هذا المعسكر إذا تسلم السلطة في الخريف المقبل؟

دخلت ميلوني (45 عاماً) معترك السياسة في عمر الخامسة عشرة، وكانت حينها ناشطة في جبهة الشباب بـ «الحركة الاجتماعية الإيطالية». وقد تشكلت هذه المجموعة على يد فاشيين سابقين بعد الحرب العالمية الثانية. واعتبرت تلك الحركة الجهة المحترمة من هذا المعسكر، لكنها حافظت على روابط مع المتطرفين.

تركت ميلوني لاحقاً حزب شعب الحرية اليميني الوسطي المعارض بقيادة سيلفيو بيرلسكوني، وانتقلت إلى دعم التكنوقراطي ماريو مونتي في انتخابات عام 2013، ثم أسست حزب إخوة إيطاليا. وقد احتفظ هذا الحزب برمز اللهب في شعاره، وطرح متحدرين من سلالة موسوليني كمرشحين عنه، مع أن هذا المعسكر يزعم أن الفاشية أصبحت بالية.

ويقول الحزب إن معارضته لزعيم غير منتخب بطريقة ديموقراطية تثبت أنه مدافع قوي عن الديموقراطية التي تتعارض مع النزعة الاستبدادية الفاشية. كذلك، يعتبر حزب إخوة إيطاليا الطرف الوحيد الذي رفض دعم حكومات متعاقبة غير منتخبة في الهيئة التشريعية الأخيرة، وقد بلغت مواقفه ذروتها حين عارض ائتلاف دراغي الكبير. وفي هذا السياق، أعلنت ميلوني في مقابلة خلال السنة الماضية أن حزبها «لا يترك مجالاً لمن يحنون إلى الفاشية».

ويقول عضو في البرلمان الأوروبي عن حزب إخوة إيطاليا، رافاييل فيتو، إن زملاءه بقوا في المعارضة خلال عهد دراغي «لأن المبدأ الأساسي بنظرنا هو الديموقراطية وحق الشعب في الاختيار، حين يتهموننا إذاً بالفاشية والتطرف، لا يمكننا إلا أن نضحك، لأن أفعالنا وخياراتنا معاكسة لهذا التوجه».

لكن يكثر الجدل حول هذا الموضوع، ففي السنة الماضية، علق عمل عضو في البرلمان الأوروبي من حزب إخوة إيطاليا، بعدما ظهر في فيلم وثائقي سري وهو يناقش طرق تمويل غير قانونية خلال اجتماعات مع متطرفين يلقون التحية النازية، ويطلقون نكاتاً عنصرية.

على صعيد آخر، عادت مشكلة الهجرة إلى الواجهة في السياسة الإيطالية بعد انحسار جائحة كورونا، علماً بأن هذا الملف يبقى أساس الحركات السياسية اليمينية في جميع أنحاء العالم.

دعت اقتراحات نشرت بعد مؤتمر لحزب إخوة إيطاليا في شهر مايو إلى احتجاز المهاجرين في مناطق محددة إلى حين انتهاء إجراءات اللجوء الخاصة بهم، فضلاً عن فرض حصار بحري وغرامات على سفن الإنقاذ التابعة لمنظمات غير حكومية.

ماتيو سالفيني هو حليف ميلوني وشريكها المحتمل في الائتلاف الحاكم المقبل، وهو زعيم حزب الرابطة المتشدد والمعادي للمهاجرين. كان هذا الأخير وزير الداخلية في حكومة سابقة، لكنه أطلق حملة ضد سفن إنقاذ المهاجرين التابعة للمنظمات غير الحكومية. وسرعان ما حوكم لأنه احتجز المهاجرين في المراكب، وأحبطت المحاكم جزءاً كبيراً من جهوده لمجابهة عمليات المنظمات غير الحكومية.

لكن سبق لسالفيني أن تطرق خلال حملته الانتخابية إلى مسألة المهاجرين غير الشرعيين، الذين يقبعون في مركز استقبال على جزيرة لامبيدوسا، لإقناع الناخبين بموقفه.

مع ذلك، تتعدد الأسباب التي تمنع حزب إخوة إيطاليا من تحقيق خططه الغريبة إذا تولى قيادة الحكومة المقبلة، ومن المتوقع أن تصطدم اقتراحات هذا الحزب في ملف الهجرة بالقوانين الدولية والبحرية وقواعد الاتحاد الأوروبي.

على صعيد آخر، قد تمنعه المؤسسات الديموقراطية الإيطالية وواجبات البلد الدولية من إحداث تحولات جذرية. ويقول فيتو: «الآراء التي تعتبرنا فاشيين من نسج الخيال، وهي تسيء إلى إيطاليا وسمعتها في الخارج».

ويوافقه الرأي بعض الأكاديميين، إذ يقول الأستاذ في التاريخ السياسي بجامعة لويس في روما، جيوفاني أورسينا: «إذا فاز تحالف ميلوني اليميني، ستنشأ أكثر الحكومات اليمينية تشدداً في تاريخ الجمهورية الإيطالية، لكن اعتبار حزب إخوة إيطاليا فاشياً أو داعماً للفاشية الجديدة تشويه للحقيقة، فقد لا نحب ميلوني واقتراحاتها، لكن الفاشية وصف خاطئ».

برأي أورسينا، لا تترك واجبات إيطاليا الدولية مجالاً لانتشار الراديكالية، إنه أحد الأسباب التي تمنع تحول أي حكومة يمينية إلى كارثة فعلية، إذ يتراجع هامش المناورة في هذا المجال.

لكن يظن آخرون أن صعود حزب إخوة إيطاليا قد ينذر بحقبة من الاستبداد اليميني مع مرور الوقت. ومن وجهة نظر الأستاذ في علم الاجتماع بجامعة القلب المقدس الكاثوليكية في ميلانو، ماورو ماغاتي، لن يتحقق هذا السيناريو، لأن ميلوني تقود حركة «فاشية»، بل لأنها ستعجز عن تحقيق وعودها أمام الشعب.

ويسعى حزب إخوة إيطاليا إلى حصد الدعم من الناخبين غير المتعلمين ومن يواجهون مشاكل اقتصادية، وهو يقدم حلولاً يصعب تحقيقها على أرض الواقع، وبدل أن ينتقل الناخبون إلى دعم الوسطيين، قد يبحثون عن خيارات يمينية أكثر تطرفاً في المستقبل.

في النهاية، يقول ماغاتي: «إذا وصلت حكومة يمينية إلى السلطة، سيضطر حزب إخوة إيطاليا للتعامل مع الاستياء العام، لكن ضعف سياساته يعني أن قلة كفاءته قد تحقق نتائج غير متوقعة».

* هانا روبرتز

Politico

back to top