أحمد الخطيب وعبدالله النيباري ومواصلة المسيرة
مضى على رحيل د. أحمد الخطيب أكثر من ثلاثة أشهر، وفي يوم إقامة المنبر الديموقراطي تأبيناً للراحل الخالد، جاء نبأ رحيل عبدالله النيباري، وقلمي لم يكتب سوى بضع كلمات في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد استغرقت في التفكير ومازلت، وحتى من قبل رحيلهما، في أهمية استمرار مسيرة العمل الوطني، فاستمرارها سيعكس فهم الجيل الحالي لآثار التضحيات التي بُذلت عبر سنين طوال، ومثل هذا الفهم حق مكتسب لنا كجيل حالي.مسيرة الأجداد الوطنية لا ينبغي لها أن تتوقف، لأنها أرست منذ تأسيس الكويت، وبرغم الصعوبات التي واجهتها، قاعدة الاختيار الحر والتشاور، وماذا نملك أعز من حريتنا نتمسك بها لنواكب الحياة المتغيرة ؟! وماذا كان الشغل الشاغل للدكتور أحمد الخطيب، ولرفيق دربه عبدالله النيباري، وكل «جماعة الطليعة» غير المطالبة بالحقوق؟
ولا أتصور أنني أحيد عن جادة الصواب، لو ذكرت أن أغلب أحداث الكويت الكبرى، وتفاصيلها الدقيقة، منذ نهاية الأربعينيات، لم تخل من انغماس د. أحمد الخطيب فيها، وتأثيره عليها، وجماعته برفقته، ففي برنامج «وفي رواية أخرى» الذي يبث على قناة العربي، قال عبدالله النيباري عبارة واحدة، ترجمت دور د. الخطيب وهي «لقد سبقته سمعته إلى الكويت حين كان يدرس في لبنان»، وأضيف أيضاً معلومة سمعتها برفقة مجموعة من الشباب الوطني، مثل عبدالهادي السنافي الأمين العام للمنبر الديموقراطي، وفهد بن ثاني، وحمود السند، كان قد ذكرها لنا في حديث جانبي د. خليفة الوقيان، في رابطة الأدباء بعد نهاية التأبين الذي أقامته للدكتور الخطيب، عن مطالب كتبها في منتصف الأربعينيات بإنشاء أندية ثقافية في الكويت، وذلك أثناء دراسته في لبنان، وأن هذا المُلهم بانغماسه في مسيرة العمل الوطني، قد أعطاها بُعداً شعبياً، فأضحى كل مركز يساهم في تأسيسه، نقطة التقاء الكويتيين وعموم العرب، سواء كان هذا المركز نادياً لتوعية العقول بالحقوق، كالنادي الثقافي القومي، ونادي الاستقلال بعد ذلك، أو نادياً للرياضة كالنادي الأهلي في بداية الخمسينيات، أو كلجنة الأندية التي حملت على عاتقها جمع التبرعات لمصلحة قضايا العزة والكرامة في الأمة العربية، أو صوتاً للشعب كمجلة الطليعة التي تأسست قبل دستور الكويت، وبالتحديد في 13 يونيو 1962، أو حركة سياسية كحركة القوميين العرب، أو صندوقاً للتوفير، والذي أصبح فيما بعد الجمعية التعاونية للادخار، أو دستوراً مكتوباً كدستور 1962.هذه المسيرة وما ذكرت منها ما هي إلا عناوين، تقف كلماتي صغيرة أمامها، تماماً كما وقفت الرصاصات صغيرة أمام عبدالله النيباري وحمد الجوعان رغم اختراقها جسديهما، لأن الانتماء الوطني ليس صراعاً قائماً على العاطفة، تتبادل فيه العصبيات حروباً رجعية، ولا طقوساً أو عبودية، إنه مسيرة تحمينا مما يحمله الزمن من تفرقة واضطرابات، وبالتالي من واجبنا مواصلتها، لأنها نابعة من أرضنا، وخالدة بخلودها، وانتماء كهذا لا تكفيه الكلمات، ولا تنهيه الرصاصات.