قوة العملة... وضعفها!

نشر في 19-08-2022
آخر تحديث 19-08-2022 | 00:07
 د. محمد بن عصّام السبيعي يحوم قدر كبير من الضبابية حول الحكم بقوة العملة النقدية أو ضعفها، ويعود ذلك في جانب كبير منه إلى تعدد منطلقات الحكم، إذ يرصد المراقب ثلاثة مفاهيم لثنائية القوة والضعف والتي يتحدد موقع العملة ما بين قطبيها.

وأعجل ما يتبادر إلى الذهن من تلك المفاهيم هو المنبثق عن سعر صرف عملة ما في الأحوال الاعتيادية مقابل غيرها من العملات، ويكون ذلك محصلة التزام المصرف المركزي المعني بإصدار العملة بربط سعر صرفها بعملة مرجعية أخرى، أو بسلة عملات. وهنا وإن تمتع المصرف المركزي بحرية مطلقة في تحديد أسلوب الربط ومقداره، إلا أن تبعة تلك الحرية هي في التزام المصرف بالمحافظة على استقرار سعر الصرف عند القيمة المتعارف عليها وفي حدود معدل انحراف بسيط يسمح به. لكن إذا كان سعر صرف الدينار الكويتي يعادل ثلاثة دولارات أميركية، أو أكثر من جنيهين إسترلينيين، وأكثر من أربعمئة ين ياباني فهل يعني هذا أن الدينار الكويتي أقوى من هذه العملات؟ وإذا كانت الإجابة عن هذا السؤال في الحال بالإيجاب، فهل يعني ذلك أن الاقتصاد الكويتي وهو عماد هذه العملة أكثر متانة من اقتصادات الولايات المتحدة، المملكة المتحدة أو اليابان؟ كلا هذا ليس صحيحا ويسقط عند أول اختبار، وبناء عليه فإن حرية المصرف المركزي في تحديد سعر الصرف تستتبع حكما موهوما بقوة العملة، فالدينار الكويتي بهذا المفهوم ليس أقوى منها، بل في أفضل الأحوال أثمنها على سلم سعر الصرف. وهذا بالمناسبة لا يمنع أي مصرف مركزي آخر بأن يبادر بين عشية وضحاها إلى تحديد سعر صرف عملته عند مستوى أعلى من سعر صرف الدينار الكويتي.

المفهوم الآخر للقوة يتمحور حول القدرة الشرائية، بمعنى مقدار ما يمكن اقتناؤه بواسطة عملة نقدية ما، وذلك مقابل ما يمكن شراؤه بما يقابلها من عملات، فإذا كان الدينار الكويتي يمكن من شراء صندوق طماطم في حين لا يمكن ذلك في المملكة المتحدة إلا بدفع خمسة جنيهات فذلك مؤشر إلى قيمة شرائية أكبر لمصلحة الدينار، أما حين لا يفي دينار كويتي لشراء كوب قهوة في حين تفي عشرة ريالات سعودية بالغرض، فالدينار هنا أقل قوة من الريال. وكما يبدو لا يفي هذا المفهوم بتحديد دقيق لقوة العملة، وذلك نتيجة لتعدد السلع التي تتفاوت أسعارها من اقتصاد إلى آخر. وحتى في حال وضع مؤشر عام لأسعار السلع، فذلك عرضة للتبدل في فترات قصيرة الأمد نتيجة تأثر مستوى الأسعار بالظروف الإنتاجية المتغيرة والسياسات الضريبية والجمركية المتفاوتة.

المفهوم الأخير ينبثق من مدى قبول العملة خارج الحدود الجغرافية للاقتصاد الوطني، وبعيدا عن نطاق صلاحيات الجهة المصدرة في التدخل، أي من كفاءة العملة كمخزن آمن للقيمة والمدخرات على المستوى الدولي، أي أن العملة تصبح شيئا شبيها بالذهب الذي يقبل بلا قيود، أو هي كذلك. ومثل هاتين الخصلتين، القبول الواسع كمخزن للقيمة والتبادل لا تتسنيان إلا لما يسمى بالعملات الصعبة المعروفة، التي لا تزيد عن خمسة عملات، والمرتكزة على اقتصاديات متنوعة، متينة ومستقرة. فأي عملة نقدية من غير هذه المجموعة الصعبة والقوة، لا تتمتع بالقبول المطلق للدفع خارج موطن إصدارها، بل إن محاولة صرفها مقابل عملة أخرى قد لا تتيسر إلا بخصومات تفقدها كثيرا من قيمتها، وتكشف عن حقيقة ضعفها، لا قوتها.

د. محمد بن عصّام السبيعي

back to top