خطة بايدن صيحة تحذيرية لمنتجي النفط التقليديين

• تحمل إغراءات بتخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري وتدعم «السيارات الكهربائية» والألواح الشمسية • تنسجم مع حملته الانتخابية عام 2020 تجاه قضايا المناخ والبيئة والاستثمارات الخضراء

نشر في 18-08-2022
آخر تحديث 18-08-2022 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
شكَّل تصويت «الكونغرس» الأميركي الاسبوع الماضي بالموافقة على خطة الرئيس جو بايدن الضخمة للاستثمار في المناخ والصحّة تحديا كبيرا لمصدري النفط التقليديين، لا سيما في محاورها الخاصة بخفض الانبعاثات الكربونية حتى عام 2030.

وفي ملخص الخطة بشقها المناخي، فإن 370 مليار دولار، أي 86 في المئة من اصل 430 ملياراً هي إجمالي قيمة الخطة، سيتم توجيهها نحو الاستثمار في مكافحة التغير المناخي من خلال تقديم حزمة حوافز مالية للشركات والمصانع التي «تتخلى او تخفف» اعتمادها على الوقود الأحفوري - كالنفط والغاز وغيرهما – لمصلحة إنتاج واستخدام الطاقة النووية والطاقة المتجددة بدلا من معاقبتها ضريبيا او حتى جنائيا كجهات متسببة في التلوث بالولايات المتحدة، ناهيك بتشجيع المستهلكين للاتجاه إلى منتجات الطاقة النظيفة كمنح إعفاءات ضريبية تصل إلى 7500 دولار لكل من يشتري مركبة كهربائية ودعم أي شخص يختار تركيب ألواح شمسية على سطح منزله عبر تغطية 30 بالمئة من التكاليف.

كما تشمل تخصيص 60 مليار دولار لدعم البنية التحتية للصناعات المرتبطة بالطاقة النظيفة كتوربينات الرياح، وصولا إلى معالجة المعادن المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية، بينما تهدف الخطة في مجملها لمساعدة الولايات المتحدة على خفض انبعاثاتها الكربونية بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات 2005.

تكاليف وتكنولوجيا

ويتضح من خلال الخطة التي تتسق مع مشروع بايدن الذي طرحه خلال حملته الانتخابية عام 2020 فيما يتعلق بدعم قضايا المناخ والبيئة وتعزيز الاستثمارات الخضراء والتحول نحو الطاقة المتجددة وخفض أو رفع الدعم والتسهيلات عن صناعة النفط الصخري، مع التعهد بإزالة الكربون من قطاع الكهرباء انها تركز على خفض تكاليف الاستثمار والاستهلاك للطاقة النظيفة من خلال خفض الضرائب أو تقديم الدعومات، لا سيما ان تكاليفها بشكل عام أعلى من تكاليف الطاقة التقليدية، الى جانب الرهان على التكنولوجيا في خفض تكاليفها على المديين المتوسط والطويل، بغية دخولها كخيار متاح للمستهلكين يقلل او ينافس وربما يزيح السلع والمنتجات التي تعتمد على الطاقة التقليدية والوقود الأحفوري ولو على مدى ابعد.

توجهات أوروبية

وحتى على الجانب الآخر من الأطلسي، فإن البرلمان الاوروبي، رغم كل مصاعب الحصول على الطاقة التقليدية كالنفط والغاز الناتجة عن تفاعلات الحرب الروسية - الاوكرانية، صوّت أخيرا على حظر بيع السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2035، الى جانب نمو استخدام أوروبا للوقود الحيوي المنتج من الزيت النباتي بما يعادل خمس استهلاك العالم منه في العام الحالي حسب بيانات مجموعة «النقل والبيئة» الأوروبية، ناهيك بخطة بريطانيا لمضاعفة استخدام الطاقة المتجددة (الشمسية - الرياح – الطاقة النووية) بحلول 2030، مقارنة بوضعها الحالي بنحو 3 الى 4 اضعاف.

السيارات الكهربائية

ولعل التوجه العالمي آخر 3 سنوات نحو السيارات الكهربائية لا يحتاج الى كثير من الشرح، فقد ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية في العالم بنسبة 38 في المئة خلال عام 2020 مقارنة بعام 2019، لتتضاعف في عام 2021 إلى 6.809 ملايين سيارة كهربائية مدعومة باستهلاك الصين أحد اكبر صناع الطلب في العالم على النفط ومجمل أنواع الطاقة التقليدية بـ 51.7 بالمئة من سوق السيارات الكهربائية العالمي.

حاجة العالم للطاقة

ومع ذلك فربما يتساءل البعض: ألم تكن الحرب الروسية - الأوكرانية درسا لأوروبا والغرب عموما بصعوبة التخلي عن الوقود الأحفوري والطاقة التقليدية؟

في الحقيقة، فإن الحرب الروسية - الأوكرانية بقدر ما قدمت دروسا في صعوبة التخلي عن مصادر الطاقة التقليدية، لا سيما الغاز الروسي، فإنها حافظت ايضا على اسعار النفط المرتفعة نسبيا بالتوازي مع تقييد مجموعة أوبك بلس للانتاج النفطي في العالم، لكن ايضا بالمقابل يجب النظر الى حرب أوروبية أخرى تتمثل في توسع حرائق الغابات في مساحات شاسعة بالقارة الأوروبية بسبب موجات الحر وتغير المناخ، اذ تشير بيانات الاتحاد الأوروبي إلى ان مساحة الريف الأوروبي المحترق تضاعفت 3 مرات منذ بداية العام حتى نهاية يوليو الماضي، مقارنة بمتوسطات نفس الفترة للسنوات ما بين 2006 و2021، كما شهدت أوروبا خلال نفس فترة المقارنة ما يقرب من 1900 حريق غابات مقارنة بمتوسط 470 حريقًا للفترة 2006-2021.

سياسات محفزة

يأتي ذلك مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن السياسات المحفزة للبدائل النظيفة حسب خطة بايدن تحديدا تستهدف فترات زمنية أطول بكثير من مدة اي حرب مفترضة، بالتالي فإن الرهان على الطاقة المتجددة أو النظيفة لا يستهدف ان تكون بديلا للطاقة التقليدية بل منافسا يقدم محفزات اكثر للمنتجين والمستهلكين ويعتبر التكنولوجيا أداة نافعة لخفض تكاليف الطاقة النظيفة للمستهلكين والمنتجين.

نفط وبدائل

لا شك في أن ثمة وجاهة في رأي من يرى أن النفط سيظل على رأس منتجات الطاقة المطلوبة في الأسواق خلال السنوات القادمة، لكن في المقابل يجب الاعتراف بأن العالم قد يتطور ويتغير سريعا خلال السنوات القليلة القادمة، مما يجعل القلق حول قيمة أو وزن الطاقة التقليدية من مجمل الطاقة المستهلكة امرا مشروعا، وبالتالي، فإن خطة ينفذها اكبر اقتصاد في العالم إن لم تنجح في تحقيق غاياتها الكاملة في خفض الاعتماد على الكربون والحد من الانبعاثات، فإنها لا بد أن تؤثر على اكثر الدول انكشافا وحساسية تجاه اسعار وإنتاج النفط، وهي الدول الخليجية المنتجة وعلى رأسها الكويت، فهي دول تتأثر ايراداتها وأحوالها المالية والاقتصادية صعودا وهبوطا بتقلبات وقتية كالحرب الروسية - الأوكرانية أو ما يحدث هذه الأيام من بيانات سلبية للطلب على النفط من الصين، أو ترقب آثار الاتفاق النووي مع إيران على إنتاج النفط... فكيف يكون حال منتجي النفط الخليجيين مع خطة تنفذها أميركا برهان على مدى أطول ذي استدامة؟

محمد البغلي

العالم تطور سريعاً خلال السنوات القليلة الماضية مما يزيد القلق بشأن تحولات الطاقة

أوروبا تخوض حرباً بيئية مع نمو حرائق الغابات فيها
back to top