آلية تشكيل الحكومة الجديدة مؤشر لمدى نجاحها

ضرورة ابتعاد النهج الجديد عن المحاصصة مع تطوير القرار الإداري ومواجهة الفساد

نشر في 20-07-2022
آخر تحديث 20-07-2022 | 00:06
محمد البغلي
محمد البغلي
مع صدور الأمر الأميري بتكليف رئيس وزراء جديد هذا الأسبوع، تكون عجلة السلطة التنفيذية قد تحركت بعض الشيء، بعد أزمة سياسية شهدتها البلاد، توجت بحراك شعبي انتهى بخطاب أميري غير مسبوق، أكد فيه سمو ولي العهد «تخلي السلطة التنفيذية عن القيام بدورها المطلوب منها بالشكل الصحيح»، مما أفضى إلى اختيار رابع رئيس للوزراء منذ 2006.

ومنذ 2006 تشكلت في الكويت 19 حكومة، بمتوسط زمني يبلغ 10 أشهر لكل واحدة، و9 انتخابات برلمانية، بمتوسط 21 شهراً للبرلمان الواحد، في أرقام تعطي دلالة على طبيعة الأزمات السياسية والإدارية التي عانتها الكويت خلال السنوات الـ 16 الماضية، التي اتسمت بإخفاقات غير مسبوقة على مستوى الاقتصاد والخدمات، حتى باتت مالية الكويت على درجة عالية من الحساسية تجاه تقلبات أسعار النفط العالمية، وعجزت الدولة عن تقديم الخدمات الاعتيادية كالسكن أو التعليم أو الصحة، كما كانت تقدمها في السنوات السابقة.

من البداية

ومع تأكيد أهمية الملف الاقتصادي بكل ما يتعلق فيه من إصلاحات ترتبط بالمالية العام للدولة، فإن أمام رئيس الوزراء الجديد مسؤوليات جساماً في إعطاء رسائل واضحة للرأي العام بأن وجوده يمثل تغييراً في نهج إدارة البلاد، وليس تبديلاً لشخص رئيس الحكومة، وهو ما يتطلب على قاعدة، أن الإصلاح يتبين من البداية، إجراءات نوعية في طريقة اختيار الوزراء، وفق معايير الكفاءة لا المحاصصة والجينات، إلى جانب تطوير آلية عمل مجلس الوزراء مؤسسة ذات قرارات تنفيذية واضحة بعيداً عن صيغ «التكليف - التنسيق - إيجاد الحلول والبدائل»، التي حفلت بها تقارير جلسات مجلس الوزراء الأسبوعية، فصارت هذه العبارات مفتاحاً للتسويف والتأجيل، لا للدراسة قبل اتخاذ القرار، فضلاً عن أهمية التعامل مع ملاحظات ومخالفات ديوان المحاسبة، قضايا الفساد الشائكة في مؤسسات الدولة بجدية أكبر، خصوصاً أن الإخفاقات و»الألغام» الإدارية والمالية غالباً ما تكون مرصودة من الديوان عدة سنوات، ومهملة حكومياً ونيابياً في بعض الأحيان.

الاقتصاد والمالية

ومع تأكيد أهمية ما سبق كبداية لأي نهج جديد، فإن أمام رئيس الوزراء الجديد، بصفته المسؤول التنفيذي الأول في البلاد، مسؤوليات على مدى أطول في معالجة إخفاقات الاقتصاد والمالية العامة، فالميزانية العامة للدولة، التي كان إجمالي مصروفاتها في السنة المالية 2001 -2002 يبلغ 3.1 مليارات دينار، قفزت في السنة المالية 2006 -2007 إلى 10.3 مليارات، وصولاً إلى 23 ملياراً العام الحالي مع انعدام القدرة في أكثر من سنة على الالتزام بسقف محدد لا تتجاوزه المصروفات، فضلا عن تركز 75 في المئة من المصروفات على الإنفاق الجاري كالرواتب والدعوم، مع توقع المزيد من الضغط على هذه البندين، وفقاً لطبيعة المجتمع الكويتي، الذي يشكل فيه الشباب، دون 24 عاماً، نحو ثلثي الكويتيين.

معالجة الإخفاق

كذلك من المهم تجاوز الحكومة الجديدة «نهجاً وإدارة» ما اتسمت به حكومات العقدين الماضيين من تعثر واضح في الإنجاز التنموي، أو في إطلاق مشروع دولة اقتصادي ذي استدامة، فمن إخفاق التحول إلى مركز تجاري ومالي إلى تعثر 3 خطط متتالية للتنمية، وصولاً إلى ضمور مشروع مدينة الحرير والمنطقة الشمالية من الأجندة الحكومية، بعد وفاة الشيخ ناصر الصباح صاحب فكرة المشروع، تقف الكويت دائماً في الترتيب الأخير بمؤشرات الاقتصاد مقارنة بدول الخليج، بل إنها في السنوات الأخيرة شهدت أزمات لا تليق بدولة، كأن يؤدي نقص عمالة التنظيف إلى عدم قدرتها على إعادة التعليم بشكل كامل بعد «كورونا»، أو أن تتشابك مؤسسات الدولة في إصدار قرارات تحديد سن عمل الوافدين «قرار الستين»، ناهيك عن فشل هيئات في تنفيذ المهام التي أسست من أجلها كهيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي، التي تجذب أقل الاستثمارات مقارنة بدول المنطقة أو جهاز مشاريع التخصيص، الذي لم ينفذ خصخصة لأي مشروع في البلاد، فضلاً عن أن الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أوقف أعماله منذ نحو 4 سنوات!

تلطخ السمعة

لقد تلطخت سمعة الكويت الاقتصادية خلال السنوات الماضية مع تدهور ترتيبها في مؤشر «مدركات الفساد»، وصولاً إلى الترتيب الـ 78 عالمياً على مستوى المؤشر، بعدما كانت الـ 31 عالمياً عام 2008، بعدد غير مسبوق من قضايا الشبهات المالية، ليس في عددها فقط، إنما أيضاً في نوعيتها، فمن قضايا الإيداعات المليونية والتحويلات بمئات الملايين، إلى ضيافة الداخلية، فالنائب البنغالي، ثم الوافد الإيراني المرتبط بشبكة أمنية وقضائية صادمة، ناهيك عن العديد من القضايا المحلية الأخرى التي تمسّ مشاهير «السوشيال ميديا» وصولاً إلى الصندوق الماليزي (MDB1)، وصندوق الجيش الكويتي، وهذان الأخيران فتحا باب شر على الكويت تمثل في تصريحات لمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، والسفارة الأميركية في الكويت، حظيت بقدر معين من لغة الخطاب الدبلوماسي تجاه قضايا يمكن أن يكون لها غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وتقارير إعلامية كالتي أوردتها وكالة «أسوشيتيد برس» للأنباء أو صحيفتا واشنطن بوست الأميركية، والإندبندنت البريطانية عن قضايا صندوق الجيش وارتباطاته الدولية بطريقة تخلو بالطبع من لغة الخطاب الدبلوماسي.

مشروعا الدولة والحكم

اليوم تقف الكويت أمام فرصة ربما لا تتكرر مجدداً في تجاوز إخفاقات السنوات الماضية، وهو ما يستلزم إعادة تقويم مشروع الحكم - وهو من حق أي شيخ من أبناء الأسرة الحاكمة - ليكون ضمن مشروع الدولة لا فوقها، فإعلاء مشروع الحكم على مشروع الدولة أفرز لنا فضائح الإيداعات والتحويلات وصناديق الجيش والماليزي حتى وصلنا إلى ما يعرف بـ «التبذير السياسي» لإنفاق نحو مليار دينار لعقد جلسة واحدة لمجلس الأمة، وسط نزاع سياسي عنيف، فالمطلوب اليوم أن يكون نجاح رئيس الحكومة بفريقه في تجاوز تحديات الاقتصاد والتنمية هو مشروع الدولة، ومشروع الحكم أيضا، وأغلب الظن أن ما تسرب من ترشيحات لأسماء من سيتولى رئاسة الوزراء تدعم مثل هذا الخيار.

* محمد البغلي

يجب إعادة تقويم مشروع الحكم ليندرج ضمن مشروع الدولة لا فوقه

منذ 2006 تشكلت في الكويت 19 حكومة بمتوسط زمني 10 أشهر لكل منها و9 انتخابات برلمانية بمعدل 21 شهراً للبرلمان الواحد مما يبين طبيعة الأزمات السياسية والإدارية التي عانتها الكويت خلال السنوات الماضية

سمعة الكويت الاقتصادية خلال السنوات الماضية تلطخت بعدد ونوعية غير مسبوقة من قضايا الشبهات المالية وبعضها أخذ أصداء دولية
back to top