القيادة

نشر في 15-07-2022
آخر تحديث 15-07-2022 | 00:20
 حسن العيسى كثيرون لا يختلفون معه فقط، بل يمقتونه، ويدينون سياسة الولايات المتحدة أثناء توليه منصب مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون، ثم فيما بعد حين كان وزيراً لخارجيته، لعل مدرسة السياسة الواقعية Realpolitik وجدت أقصى تجلياتها في عهده، وإن كانت تلك تمثّل الدستور الحقيقي للدولة الأميركية والعالم المتقدم منذ زمن طويل.

وأياً كانت وجهة النظر نحو هنري كسينجر، وهو المؤرخ والمفكر الاستراتيجي في الدولة الأميركية الذي بلغ من العمر 99 عاماً، فإنه يملك - رغم هذا العمر الطويل - قدرة تحليلية هائلة لأحداث العالم السياسية، وكان ولا يزال له تأثيره الفكري، وآراؤه تعدّ مرجعاً مهماً لمختلف الإدارات الأميركية، وقد كتب أخيراً خلاصة رؤيته لمعنى القيادة، وهو اسم كتابه الأخير، الذي يستعرض فيه تجربته الخاصة مع 6 قياديين في العالم من أديناور (مستشار الدولة الألمانية بعد الحرب الثانية) إلى أيزنهاور، وتشرشل، وديغول، ثم نيكسون، والسادات.

وتبقى مقدمة الكتاب التي يقدّم فيها خلاصة فكره ونصائحه والشروط التي يجب أن يلتزم بها القائد السياسي، بقعة ضوء مثيرة ليس فقط لمن كتب عنهم من هؤلاء القياديين، وإنما لكل قائد سياسي في العالم، ولنسلّط الضوء على بعض نقاط ما جاء في تلك المقدمة.

محور القيادة لأي مجتمع أياً كان نظامه السياسي هو مرحلة تحوّل بين الماضي الذي يشكّل ذاكرة هذا المجتمع والمستقبل الذي يلهم تطوّره، وعلى هذا الدرب تصبح الزعامة مسألة لا غنى لتبنّي القرارات وتحصيل ثقة الناس وتحقيق الوعود التي التزم بها القائد لدفع المجتمع إلى الأمام والمستقبل.

من خلال المؤسسات التي ابتدعتها الإنسانية كالدولة، والعقائد، والجيوش، والمدارس، والشركات، دائماً يحتاج لها القائد كي يمضي بشعبه وينقلهم من مكانهم الحاضر إلى عالَم لم يكونوا فيه يوماً ما ولم يتخيلوه. ومن دون تلك القيادة الملهمة تهوي تلك المؤسسات إلى القاع وتضحي الأمة مهمّشة وتسقط في هاوية الكوارث.

على القيادة أن توازن على أرض محورين؛ الأول هو الماضي والمستقبل، والآخر هو الالتزام بقيم وتطلعات الشعب. والتحدي الحقيقي هو القدرة على تحقيق التوازن بين ثبات الماضي والأمل بالتغيير نحو المستقبل المحفوف بغياب اليقين والمجهول، وبين هذين الأمرين يتعيّن على القائد أن يرسم استراتيجيته لتأخذ بيد شعبه.

هناك الكثير مما كتبه كسينجر، وبعض سطوره من كتاب «القيادة» هي ضرورة كي تدركها قيادات تخشى الغد وتنحو للجمود في عالم متغيّر ومتبدل، إلّا أنها لا تدرك حركة الزمن ولا تستوعبه.

حسن العيسى*

back to top