مقابلة

نشر في 08-07-2022
آخر تحديث 08-07-2022 | 00:12
 د. محمد عبدالرحمن العقيل كنت أتعجب من ظهور الدورات والكتب التعليمية التي تساعد في اجتياز المقابلات الشخصية للوظائف! ولكن بعدما عرفت الخلل، اتضحت لي الصورة، فالخلل يكمن في تكرار الآلية المتبعة في إجراء المقابلات، فلذلك أصبح من السهل التعامل معها أو التحايل عليها.

كان من الأولى إعطاء دورات تؤهل المقابل لكيفية الأسئلة وطرق الحوار، وكيف يقرأ من أمامه؟! وكيف يقيم البشر تقييما منصفا بأقل أخطاء ممكنة، حتى لا ينخدع بالمظاهر والمسميات! فالمقابلات فن الاستخبار والفراسة، وليست مسطرة ثابتة نقيس بها الجميع.

للأسف نحن ما زلنا نضع معايير جامدة وغير مرنة لمعرفة شخصية المتقدم لوظيفة ما، وتعتبر هذه من الطرق البدائية السهلة في القياس، التي لا تحتاج لـ «حذاقة» زائدة من المقابل، وقد نخسر الكثير من الكفاءات الفريدة لمجرد إصرارنا على تطبيق هذا المقياس حرفيا، ومما أتعجب منه، أن بعض الجامعات الأكاديمية ليست لديها آلية سليمة ودقيقة في انتقاء المتقدمين لوظيفة أستاذ جامعي، بالرغم من مكانتهم العلمية، فعلى سبيل المثال لا تزال جامعة الكويت تُقَيّم المتقدمين لوظيفة أستاذ جامعي بالمسطرة البدائية نفسها كالمعدل، وتطابق التخصص، والجامعة التي تخرج فيها، وإن كان مبتعثا أم على حسابه الخاص، ولا يؤسفهم إذا تم رفض أحد الأساتذة المتميزين الذين أثبتوا جدارتهم في الجامعات الأجنبية وفي الدورات العلمية، فقط لعدم تطابقه مع المسطرة! وهذا بالطبع تكاسل في معرفة الأفضل، فكيف نستبعد هذه الثروات البشرية المبدعة، من أجل تطبيق هذه الشروط الباردة؟

لابد أن ترتكز المقابلات أولا على كشف المزايا الإبداعية، وألا تكون الأسئلة مستهلكة ومعروفة، كالتي يتدربون عليها في الدورات، فقط ليجتازوا المقابلة، وثانياً، و«بعد» التأكد من الجوانب الشخصية والأخلاقية، والخبرات المتعددة، ننتقل إلى الجزء العملي من التقييم، فلابد أن يُكلّف المتقدم بتدريس مقرر علمي على أرض الواقع، ثم يُقيّم من المسؤولين ثم المتعلمين، وبعد إثبات جدارته؛ يتم تثبيته لفترة زمنية قابلة للتجديد، بشرط الاستمرارية في العطاء والتألق الأكاديمي المستمرالذي يرتقي بتصنيف الجامعة، وبتطبيق هذه المعايير نكون قد رفعنا سقف المنافسة الشريفة لبقاء الأساتذة الأفضل في التعليم، لأنه لا توجد جامعة في العالم تعطي شهادة ذمة بأن حاملها مخلص في عمله محب لتخصصه، جاد في تدريسه بعد تخرجه.

وأنا على يقين تام أن كثيراً من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات سيرفضون تطبيق هذه المعايير، لأنها ستكشف مستواهم التعيس الذي اعتادوا عليه، فهم يستظلون تحت الأمان الوظيفي، الذي أخذوه بقانون المسطرة، القانون الذي لا يحاسبهم على أدائهم الرديء بعد التثبيت.

ولعل أكبر دليل على أن التقييم الحقيقي لا يستند إلى الشهادة فقط، هو عندما أصدرت الحكومة الأميركية قرارا مصيريا بتفضيل «المهارة» على «الشهادة»، في التوظيف الحكومي؛ والذي وقّع عليه الرئيس السابق «ترامب»، وقال معقبا: «لن تهمنا شهادتك ولا من أي جامعة تخرجت».

بمعنى آخر: «ورنا شطارتك».

* د. محمد عبدالرحمن العقيل

back to top