أميركا وحساء أبجدية الهادي الهندي المائع الهزيل

نشر في 29-06-2022
آخر تحديث 29-06-2022 | 00:00
تتباهى منطقة الهادي الهندي بالفعل بحساء كثيف من الحروف الأبجدية (الاختصارات التي ترمز للاتفاقيات الاقتصادية والتجارية)، وإذا لم يبادر بايدن إلى إضافة بعض اللحم البقري إلى حساء الإطار الاقتصادي إلى هذه المنطقة من أجل الرخاء، فإنه يجازف بأن يبدو طبقه الجديد هزيلا مائعا وغير شهي.
 بروجيكت سنديكيت في مايو قام الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارة إلى كوريا الجنوبية واليابان بهدف إعادة التأكيد على التزام أميركا بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ بعد الشكوك والريب التي زرعتها رئاسة دونالد ترامب، وفي طوكيو أطلق بايدن «الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي من أجل الرخاء» (IPEF) وشارك في قمة الرباعية، التجمع الأمني غير الرسمي الذي يضم أيضا اليابان وأستراليا والهند.

يسعى هذا التجمع إلى تعزيز وتأمين منطقة الهادي الهندي المنفتحة والمزدهرة والشاملة، ويُــنـظَـر إليه على نطاق واسع على أنه وسيلة لضبط طموحات الصين الإقليمية، لكن الفوائد المنتظرة من الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي من أجل الرخاء أقل وضوحا من منظور العديد من البلدان الآسيوية.

إلى جانب الولايات المتحدة، كان أوائل الموقعين على الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي من أجل الرخاء اليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، وأستراليا، ونيوزيلندا، وسبعة بلدان أعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان): بروناي، وإندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلند، وفيتنام، إذ يعتزم هذا التجمع الجديد وضع قواعد مشتركة في ما يتصل بالاقتصاد الرقمي، وتنفيذ معايير عمالية وبيئية قوية في ما يرتبط بالتجارة، وتبادل المعلومات حول سلاسل التوريد لأشباه الموصلات وغير ذلك من المنتجات الحساسة، ودعم تشييد بنية أساسية للطاقة النظيفة.

لكن الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي من أجل الرخاء ليس اتفاقية تجارة حرة تهدف إلى فتح الأسواق من خلال خفض الرسوم الجمركية والحواجز غير الجمركية، الواقع أن الاقتصادات الآسيوية الناشئة والنامية التي تأمل اكتساب المزيد من القدرة على الوصول إلى سوق الولايات المتحدة غير متحمسة نسبيا لمبادرة بايدن الجديدة، وهناك دعوات عبر منطقة جنوب شرق آسيا تطالب الولايات المتحدة بإظهار قدر أعظم من الرغبة الحقيقية في تحرير التجارة.

بحسب ما ورد، كان حمل الدول على التوقيع على الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي من أجل الرخاء مسألة بالغة الصعوبة، ويظل المجهول الأعظم هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكن من الحفاظ على المجموعة جنبا إلى جنب مع احتمال تحقيق منافع اقتصادية جوهرية من هذا المشروع، الذي يُـعَـد من نواح كثيرة محاولة غير مستترة إلا بصعوبة لتأسيس كتلة اقتصادية إقليمية تنافس الصين.

الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي ليس أول مبادرة تقودها الولايات المتحدة في هذا الصدد، بالطبع، كانت الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) التي تضم 12 دولة، والتي جرى التفاوض عليها أثناء رئاسة باراك أوباما، تُـعَـد في عموم الأمر اتفاقية تجارة حرة رفيعة المستوى ومن شأنها أن تدفع الصين إلى وضع غير مؤات، لكن ترامب سحب الولايات المتحدة من الاتفاقية بعد فترة وجيزة من توليه منصبه في عام 2017، زاعما أنها «اغتصاب لبلدنا».

استشعر رئيس الوزراء الياباني آنذاك شينزو آبي أن ترامب يرتكب خطأ استراتيجيا بالغ الخطورة ومن شأنه أن يسلم القيادة الاقتصادية في المنطقة إلى الصين، فتولى زمام المبادرة في التفاوض على معاهدة متابعة لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وفي وقت لاحق، أبرم الأعضاء الأحد عشر المتبقون في الاتفاق الأصلي (بما في ذلك اليابان) الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP).

تؤمن اليابان بأن انضمام الولايات المتحدة إلى الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ سيكون الخيار الأفضل لتدعيم مجموعة التجارة الحرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتكمن المشكلة في تحول المزاج السياسي في الولايات المتحدة منذ حملة ترامب الرئاسية في عام 2016 ضد التجارة الحرة والاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف.

للأسف الشديد، يبدو أن نهج ترامب المتمثل في شعار «أميركا أولا» لا يزال باقيا، فبينما تستمر الولايات المتحدة تحت قيادة بايدن في الابتعاد عن الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، تقدمت الصين وتايوان بطلب للانضمام إليها. وعلى هذا فإن الإطار الذي كان من المفترض أن يستبعد الصين في الأصل يوشك الآن على استبعاد أميركا، ويبدو أن القيادة الاقتصادية الصينية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على وشك أن تتعزز.

اعتادت الدول الآسيوية، وخصوصا اليابان، على الخوف من الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة لحملها على الانضمام إلى اتفاقيات التجارة الحرة، والواقع أن الولايات المتحدة، التي تطبق بشكل مباشر نظرية الميزة النسبية، تؤمن بشكل راسخ بأن التخفيضات الجمركية المتبادلة- ولنقل من قِـبَـل الولايات المتحدة واليابان- ستعود بالفائدة على البلدين، ومن عجيب المفارقات هنا، وفي غير أوانه، أن تدير الولايات المتحدة ظهرها للاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، فاليوم، تتوق اليابان ودول آسيوية أخرى إلى عودة أميركا إلى إطار التجارة الحرة.

رغم كل هذا، كانت الولايات المتحدة لفترة طويلة من الأعضاء الأساسيين في منظمة التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (APEC)، التي تأسست عام 1989 بهدف رئيس يتمثل في تعزيز التجارة الحرة، فكان الأعضاء المؤسسون الاثنا عشر لهذه المجموعة الولايات المتحدة، واليابان، وكندا، ونيوزيلندا، وأستراليا، وكوريا الجنوبية، وست دول من آسيان، ثم توسعت عضويتها لاحقا لتشمل الصين، وهونغ كونغ، وتايوان (1991)، والمكسيك وبابوا غينيا الجديدة في عام 1993، وتشيلي بعد عام واحد، وروسيا، وفيتنام، وبيرو في عام 1998، لكن زخم تحرير التجارة بين أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تلاشى تدريجيا، ومن المرجح أن تتسبب عضوية روسيا في المجموعة الآن في إصابتها بالشلل.

بدلا من ذلك، يتحول الاهتمام على نحو متزايد باتجاه الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، وهو منطقة تجارة حرة ضخمة دخلت حيز التنفيذ في يناير من هذا العام وتتألف من عشر دول من آسيان، واليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، وأستراليا، ونيوزيلندا. (انسحبت الهند في المراحل الأخيرة من المفاوضات)، ومن المتوقع أن تشتد المنافسة بين الصين واليابان على القيادة المشتركة للكتلة مع آسيان.

لا يخلو الأمر من تداخل كبير بين أعضاء الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي من أجل الرخاء وأعضاء الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، حيث تنتمي إحدى عشرة دولة إلى كل من المجموعتين، بالإضافة إلى هذا، يضم الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي من أجل الرخاء الولايات المتحدة والهند، في حين تـعـد الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة الصين، وميانمار، ولاوس، وكمبوديا بين أعضائها، وقد يحدد الاختلاف في العضوية ما إذا كانت الصين ستحمل لواء القيادة الاقتصادية الإقليمية وتحتوي الولايات المتحدة، أو العكس، وما لم تعمل الولايات المتحدة على زيادة انفتاح سوقها المحلية على الواردات من دول آسيان عن طريق خفض الرسوم الجمركية والحواجز غير الجمركية، فقد لا تجد اقتصادات آسيوية عديدة أي جاذبية في الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي من أجل الرخاء.

تتباهى منطقة الهادي الهندي بالفعل بحساء كثيف من الحروف الأبجدية (الاختصارات التي ترمز للاتفاقيات الاقتصادية والتجارية)، وإذا لم يبادر بايدن إلى إضافة بعض اللحم البقري إلى حساء الإطار الاقتصادي لمنطقة الهادي الهندي من أجل الرخاء، فإنه يجازف بأن يبدو طبقه الجديد هزيلا مائعا وغير شهي.

* وكيل وزارة المالية الأسبق في اليابان، وأستاذ في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، وكبير أساتذة المعهد الوطني للدراسات السياسية العليا في طوكيو.

* تاكاتوشي إيتو

Project Syndicate

اليابان تؤمن بأن انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ سيكون الخيار الأفضل لتدعيم مجموعة التجارة الحرة

بينما تستمر الولايات المتحدة في الابتعاد عن الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ تقدمت الصين وتايوان بطلب للانضمام إليها
back to top