رياح وأوتاد: مفاهيم مغلوطة وحكومة غير ناطقة
مقولة إن «المجلس سيد قراراته» تعطي مفهوماً ناقصاً إذا تم إطلاقها هكذا دون إكمال أو بيان، والصحيح أنه سيد قراراته فيما لا يخالف الدستور أو قانون اللائحة، لأن فيهما العديد من التنظيم والقيود لممارسة أعضاء الحكومة والنواب عملهم في المجلس.

● وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي تقع فيه بعض المقالات والندوات السياسية أحياناً، فهناك أيضاً مقولة إن المجلس سيد قراراته التي تعطي مفهوماً ناقصاً إذا تم إطلاقها هكذا دون إكمال أو بيان، والصحيح أن المجلس سيد قراراته فيما لا يخالف الدستور أو قانون اللائحة، لأن فيهما العديد من التنظيم والقيود لممارسة أعضاء الحكومة والنواب عملهم في المجلس، فالسؤال البرلماني له ضوابط وكذلك الاستجواب، وأيضاً تنظيم المناقشة وأسلوب الحديث (مادة 88) من اللائحة: «لا يجوز للمتكلم استعمال عبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو أضرار بالمصلحة العليا للبلاد»، وكذلك نظم الدستور وفصلت اللائحة كيفية التصويت على القرارات والقوانين ونصت على حق الأمير في إعادة القوانين الى مجلس الأمة، ولزوم الحصول على أغلبية خاصة في بعض القوانين، وعدم جواز إعادة تقديم اقتراح العضو الذي تم رفضه إلا بعد مرور مدة معينة. وهكذا ينظم الدستور وتنظم اللائحة أعمال المجلس بشقيه ولا يجوز للمجلس أن يخالف هذه الأنظمة، فهو سيد قراراته ما دام يعمل في إطارها ويلتزم بأحكامها.● وكلمة المجلس التي نكررها دائما تعني كل أعضاء المجلس المنتخبين وكذلك الوزراء الذين يعتبرون أعضاء في المجلس بحكم وظائفهم حسب المادة 80 من الدستور، ولهم حق التصويت على جميع القرارات والقوانين ما عدا قراري طرح الثقة بأحد الوزراء وعدم التعاون مع رئيس الوزراء، كما أن لهم حق رفع مرسوم إعادة النظر في القانون الذي لا توافق عليه الحكومة الى صاحب السمو الأمير لإعادته الى المجلس لإعادة التصويت عليه بأغلبية خاصة، وهذا الدور الذي رسمه الدستور للحكومة يتناسب أيضاً مع نص المادة (123) منه التي نصت على «يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة»، فيجب أن تحسن الحكومة القيام بدورها الدستوري في المجلس بما يحقق مصالح الدولة. ● أما عن عضو المجلس فكثيراً ما يخطئ بعض الأعضاء فيعتبر أن رأيه الذي يعبر عنه أثناء حديثه في المجلس أو في الإعلام بأنه رأي الأمة مستشهدا بنص المادة (108) من الدستور «عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها»، وهذا أيضاً غير صحيح، فليس من الضرورة أن يمثل رأي النائب في كل ما يقوله رأي الأمة، لأن كلامه وموقفه عبارة عن اجتهاد شخصي قد يعبر عن رأي الأمة وقد يخطئ، وكثيراً ما يختلف الأعضاء في آرائهم، وقد تطرقت المحكمة الدستورية في حكمها للتفسير الصحيح لهذه المادة فقالت «أما عن النص الوارد في المادة (108) فمعناه أن يكون عضو مجلس الأمة مستقلاً كل الاستقلال عن ناخبيه، وليس أسيراً لمؤيديه من أبناء دائرته، تابعاً لهم يرعى مصالحهم الخاصة البحتة، وإنما يرعى المصلحة العامة، دون تجاوز هذا المعنى».● قرار إحالة كل من بلغ 60 عاماً إلى التقاعد مع صرف مكافآت مجزية لهم الذي صدر من إحدى الجهات الحكومية مؤخراً هل هو قرار مدروس؟ فقد قرأت واستمعت إلى كثير من الآراء حول هذا القرار، فمن الناس من يرى أن من بلغوا الستين لا يستوون في الخبرة والعطاء، ومن الخطأ أن يعاملوا معاملة واحدة لأن منهم كثيرين يمكن الاستفادة من عملهم وخبراتهم، في حين هناك من أيد القرار على اعتبار أنه سيفسح المجال لقيادات شابة، كما أن هناك من انتقد مصداقية الحكومة لأنها زعمت وجود عجز مالي، لكنها تقوم بالصرف الكبير في بعض الجهات وفي الخارج دون عدالة أو مساواة بين الموظفين في الدولة.وهناك من يرى أن المشكلة ليست في هذا القرار وحده لأن معظم القرارات الحكومية غير مدروسة ومتناقضة مع أهدافها المعلنة ومع باقي أعمالها، ولا تتوافق مع قانون الخطة الخمسية، وللأسف مثل كثير من القرارات لم تقم أي جهة حكومية بشرح القرار وأسباب صدوره وتكلفته المالية وتأثيره على العجز، وهل سيستمر في المستقبل أم أن من سيتقاعد بعد ذلك لن يكون له نصيب منه؟! لذلك فإن من أهم واجبات الحكومة، ونحن على أعتاب مرحلة جديدة، أن تكون حكومة ناطقة تشرح وتبرر قراراتها وأعمالها وتثبت لجميع المواطنين أن قراراتها صحيحة، وتحقق المصلحة العامة الوظيفية والمالية والاقتصادية وبعدالة تامة بين المواطنين خصوصاً في الرواتب والمزايا والمكافآت، لأن الاختلال في هذه الأمور قد يؤدي إلى استياء كبير بين المواطنين، وهم المكون الأساسي للبذل والعطاء في وزارات الدولة، مما قد ينعكس بعد ذلك على نفسيات العاملين والإضرار بقيم العمل.
أحمد يعقوب باقر
من أهم واجبات الحكومة أن تكون ناطقة تشرح وتبرر قراراتها وأعمالها وتثبت لجميع المواطنين أنها صحيحة