الثقب الحكومي الأسود

نشر في 24-06-2022
آخر تحديث 24-06-2022 | 00:00
 سلمان الجوعانه يميّز علماء الفلك «الثقب الأسود» بالمنطقة ذات الجاذبية القوية جداً، بحيث لا يمكن لأي شيء مهما كان ثقله أو حجمه أو صلابته ولا حتى الضوء الإفلات منها باختلاف الزمان والمكان!

لا أعرف لماذا تذكرت مباشرة السلطة التنفيذية في الكويت وتاريخ الحكومات المتعاقبة، سواء كانت تحظى بتأييد شعبي أو عكس ذلك، وباختلاف رؤساء مجلس الوزراء من أبناء الأسرة ممن تولوا رئاسة الحكومات على مدى عقود من الزمن، وباختلاف رؤية وطموحات السلطة في كل حقبة من التاريخ السياسي في الكويت، فالسؤال الذي يراودنا دائماً: ما سر قوة جاذبية الحكومات الكويتية على مر الأزمنة التي ابتلعت كثيراً من الشخصيات السياسية (الشعبية) وأغلبهم من الرموز الوطنية والسياسية المعارضة؟

فالـ«الثقب الحكومي الأسود» ابتلع كثيراً من الشخصيات السياسية، ولم يميز تاريخهم أو انتماءهم الفكري أو الحزبي أو الاجتماعي سواء كانوا إسلاميين أو ليبراليين أو أبناء الطبقة التجارية أو أبناء قبائل وعوائل!! فسرعان ما تنقلب هذه الشخصيات من حزبية أو إصلاحية أو (شعبوية) معارضة إلى شخصيات تبرر وتشرع وتنصح وتشارك الحكومة في أفكارها والانضمام إلى صفوفها، وتقتنع بسياستها وتمكنها من تنفيذ مخططاتها حتى لو كانت (مضرة) للشعب ومقدراته.

والغريب أن أغلب من يبتلعهم الثقب الحكومي لا يحتاجون إلى المال أو الجاه، وبعضهم لا يحتاج أيا من مغريات السلطة، وهنا يكمن سر هذه السلطة وقوتها، فحتى الآن لا نعلم ما سر الثقب الحكومي الذي ما زال مستمراً في ابتلاع الشخصيات السياسية مهما كان ثقلها أو قوتها أو تاريخها، إلا من رحم الله من الثابتين الذين نجوا من فتنة هذا الثقب، لكن البعض يفسر انقلاب المعارضين إلى حكوميين بأن الحكومة (تشوف شي ما نشوفه) وكأن الغطاء لا يُكشف إلا عن الحكومات وأعضائها!!

والحقيقة التي تفصل في هذا الأمر هي قول علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «إنَّ الحقَّ والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، وبإعمال الظنِّ! اعرف الحقَّ تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله».

فكل سياسي في السلطتين يرى أنه وطني ويحاول أن يشارك في القرار السياسي ويسهم في بناء مستقبل الكويت، لكن أغلبهم لا يعلمون أنهم تائهون في هذا الثقب الحكومي من أجل مصالحهم ويبنون (أمجادهم الشخصية) على أنقاض وطنهم، وهم غافلون «إلا من رحم الله»... قال الله سبحانه وتعالى: ‏«قُل هَل ننبئكم بِالأَخسَرينَ أَعمالاً، الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا».

لكن الثقب الأسود الحقيقي والأخطر هو ثقب «الجشع الأسود» الذي لا يُملأ أبداً، لذلك يتمنى أن يبتلعه ثقب المغريات الحكومي وغيره.

* سلمان الجوعانه

back to top