ديوان السبيل

نشر في 16-06-2022
آخر تحديث 16-06-2022 | 00:17
 فيصل خاجة للأديب د. حسين مؤنس (1911-1996) مؤلفات كثيرة ومتنوعة بين التاريخ وتحقيق التراث والترجمات، إضافة إلى الروايات والقصص، من بينها قصة رائعة وشهيرة بعنوان «إدارة عموم الزير» (1)، تدور أحداثها عن مفاجأة حاكم طيب بمشقة شعبه للحصول على احتياجهم من الماء بالقرب من النهر، ليأمر مرافقه «صابر» بشراء جرة ماء كبيرة يتم وضعها تحت ظل شجرة مع تعبئتها بشكل دوري ليشرب منها الناس بسهولة، وبعدها بسنوات وبصدفة ما، سأل الحاكم الوزير عن ذلك الزير، ليجيبه الوزير بأن الفكرة العبقرية نالت نجاحاً هائلاً، وأصبحت نموذجاً ريادياً يحتذى به بين الأمم، وأنه في سبيل الاستمرار بذلك التفوق وتنميته تم استحداث هيئة عليا لتكون المعنية بإدارة العمليات والمتطلبات وتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية، مع تشكيل 4 إدارات فرعية لضمان كفاءة الأعمال والإنتاج، وهي إدارات الفخّار والحديد والخشب والصفيح، مع نية استحداث إدارة جديدة وهي إدارة الماء، بعد استكمال الإجراءات اللازمة.

ومع استطراد الوزير في شرح نجاحات المشروع والجوائز التي حصدها وأثرها في تحسين السمعة الخارجية للولاية، استغرب الحاكم من إقحام وزارات الأشغال والمالية والداخلية بل وحتى الخارجية في هذا المشروع، لتأتيه الإجابة بأن «الخارجية» باتت تشارك في المؤتمرات العالمية في باريس ولندن ونيويورك لشرح تجربة الجرّة التنموية الفريدة ليعم خيرها على كل شعوب العالم، وبزيارة استكشافية لموقع الجرة، كانت صدمة الحاكم بمشاهدة مبنى فخم يكتظ بالمديرين والموظفين والسكرتارية والفرّاشين والمراجعين والملفات والمراسلات وصواني الشاي والقهوة، ولكنه يفتقد الجرّة! وعند السؤال قيل له إنه قد تم نقلها إلى الورشة الأميرية لإصلاحها منذ سنتين، وعند ذهابه إلى الورشة شاهد مرافقه القديم «صابر» ليبوح له بكل الخفايا والدسائس، وأنه قد تم إيقاف مرتبه لأكثر من سنتين بحجة وجود إشكالات إدارية ومالية، وكانت نهاية القصة باكتشاف الحاكم لسوء بطانته ليأخذ قرارات قاسية بحق الفاسدين آكلي السحت.

وفي عام 2001 قام المبدع زهير الدجيلي بتحويل القصة إلى مسلسل تلفزيوني بتصرف، أنتجه تلفزيون الكويت بعنوان «ديوان السبيل» من بطولة عبدالحسين عبدالرضا وخالد النفيسي وآخرين، وجاءت نهايته مغايرة لما جاء في القصة الأصلية، إذ ينتهي المسلسل بمشهدين، أحدهما لاجتماع رسمي رفيع المستوى ولكنه عديم الجدوى لمسؤولي الديوان، والآخر بارتحال سكان «خندريس» إلى أرض الله الواسعة هرباً من فخر الدولة وعصابته.

وبالعودة إلى د. مؤنس، فقد كان له ارتباط وثيق بالكويت، بعموده اليومي في صحيفة القبس، وبتأليفه للعدد الأول من سلسلة عالم المعرفة بعنوان «الحضارة»، والأهم ترؤسه لقسم التاريخ في جامعة الكويت بين عامي 1969 و1977، وهي الفترة التي نشر بها قصة الفساد الذي قفز بتكلفة المشروع من عشرة دنانير إلى 140.000 دينار بشكل نظامي وقانوني يتوافق مع نظم وإجراءات دولة المؤسسات، ولم يغفل شيئاً سوى... الماء!

***

(1) إدارة عموم الزير وقصص أخرى، 1975، الزير = جرّة الماء المصنوعة من الفخّار

* فيصل خاجة

back to top