نظارة القانون

نشر في 10-06-2022
آخر تحديث 10-06-2022 | 00:00
 د. محمد عبدالرحمن العقيل يقول أحد المعلمين: بعدما حصلت على الدكتوراه في الموهبة والإبداع من جامعة مرموقة ومن بلد يحترم العلم والتعليم، توقعت أن يفرح مدير المدرسة لوجود هذه الكفاءات العلمية تحت قيادته الحكيمة، وأنه سيستغل وجودي في المدرسة ويقدر درجتي العلمية، ويكلفني بالقيام بإحدى الوظائف الإشرافية، أو على الأقل إعطاء دورات تنشيطية وتحفيزية للمعلمين والطلبة، ولكن فوجئت بأنني مكلف بتنظيم طابور المقصف!

يقول هذا المعلم: أنا لا يعيبني القيام بهذا العمل المتواضع، الذي لا يحتاج لمؤهلات، والذي باستطاعة أي شخص تنفيذه، ولا هو انتقاص من قدري، ولكن هذا يعيب المدير وأصحاب القرار، الذين لا يرون من حولهم، ولا ينزلون الناس منازلهم، ولا يحاولون البحث عن إبداعات موظفيهم ليستثمروها، ويستفيد منها الجميع، ولكن للأسف هم يروننا بنظارة القانون!

بمعنى آخر؛ إذا كنت لا تزال معلماً أو مهندساً أو موظفاً ولم تتعين بعد في أي منصب إداري ولو رئيس قسم؛ فأنت لا تزال اسماً صغيراً في أعين أغلب المسؤولين، وحتى في أعين بعض زملاء العمل، فلا يهمهم سنوات خبرتك أو شهاداتك أو حرصك أو عطائك، فهم يتعاملون معنا رسميا بالمسميات والكتب القانونية، التي ترفع مناصبنا وتقعدها بقوة القانون، فكم من وضيع رُفِع بقرار، وكم من كريم نُسي خلف جدار، والسؤال المهم: هل فقدنا القدرة الذاتية على تمييز الكفاءات، أم أصبحنا لا نُقَدّر بعضنا إلا بقرار رسمي؟!

كثير من هذه الكفاءات لم تترق لسبب ما، وكل مسؤول يوظفها في المكان المناسب دليل على أنه هو نفسه في المكان المناسب، ففي الدول المتحضرة يقدرون هذا المبدأ جيداً، ويرون أن التكليف أمانة ومسؤولية لا تشريف وأنانية، ويعلمون أن نجاح المرؤوس جزء من نجاح الرئيس، فنراهم يتنافسون في اقتناص هذه المواهب البشرية وتسخيرها لخدمة البلد، لدرجة أنهم يستفيدون حتى من النصابين والمحتالين العباقرة ويوظّفونهم في الخدمات الأمنية، ولعل أحد أبرز هذه القصص؛ قصة النصاب (Frank Abagnale) الذي استغلته وكالة الاستخبارات الأميركية (F.B.I) للعمل معها كخبير في التزوير تحت إشرافهم، ونحن للأسف لا نفهم من المسؤولية إلا أنها أوامر ونواهٍ ومراقبة (وين كنت، وين رحت)!

عزيزي المسؤول؛ إن التقدير مبدأ راقٍ، يعطي أكثر مما يأخذ، فأغلب من تعطيه مكانته وقدره لن يبخل عليك بما لديه من إبداعات ومهارات، وسيجتهد في تقديم أفضل ما عنده، لكي لا يُخيّب ظنك به، ولكي يُكْرِم نظرتك المحترمة له، وستعطيه دافعا ليعمل معك بتفان ونفس طيبة، فيُخرج أفضل ما عنده، فالنفوس البشرية تحيا وتتناغم مع من يُقدّرها.

● د. محمد عبدالرحمن العقيل

back to top