الأقل دخلاً... ضحية منحة الـ 3000 دينار

• اللجنة البرلمانية المشتركة استبعدتهم من القانون الذي يدعي معالجة أوضاعهم
• التأمينات تخلت عن دورها الفني في بيان أوضاع محفظتها الاستثمارية

نشر في 09-06-2022
آخر تحديث 09-06-2022 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
بينما تخلت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عن دورها الفني في اطلاع المجتمع على حقيقة الأوضاع المالية في محفظتها الاستثمارية، لا سيما مع التراجع القوي الذي شهدته الأسواق المالية العالمية منذ مطلع العام الحالي، وسط توقعات قاتمة للفترة المتبقية من هذه السنة، تبدو الترتيبات الخاصة بعقد جلسة خاصة لمجلس الأمة الأسبوع المقبل لتمرير ما يعرف بـ «منحة المتقاعدين» البالغة قيمتها 3000 دينار مرة واحدة، مع زيادة المعاشات 20 ديناراً سنوياً كأنها تحضير لـ «إبرة بنج» غرضها عبور الجلسة الخاصة دون معالجة الاستحقاقات الضرورية لمؤسسة التأمينات الاجتماعية بمنتسبيها المتقاعدين والمشتركين، فضلاً عن صناديقها الاكتوارية والاستثمارية في وقت تخلت فيه الحكومة ممثلة بوزير المالية عن تمسكها بالقانون السابق باعتباره «وحدة واحدة لاستدامة المؤسسة» لتقبل بتفكيكه ليغدو مجرد توزيع للأموال دون استدامة أو مردود!

فمع تجاوز مناقشة فكرة عدالة «منحة الـ 3000 دينار» أو أضرارها التضخمية، التي يمكن أن تسببها أو أثرها على صناديق مؤسسة التأمينات الاكتوارية أو حتى الخزانة العامة، علاوة على إغفال الحكومة ومجلس الأمة مجتمعين وضع بدائل ومنتجات استثمارية بدلاً من التوزيع النقدي، فإن مشروع القانون الذي أنجزته اللجنة المشتركة «المالية والاقتصادية - التشريعية والقانونية» والمتوقع أن يناقشه مجلس الأمة الأسبوع المقبل، فيما يبدو أنها مقايضة حكومية برلمانية على حساب المستقبل قد خلا من أهم بندين في القانون السابق، الذي لم يستطع مجلس الأمة تمريره في جلسة 17 مارس الماضي، بعدما تحولت الجلسة إلى مرآة لفوضى العلاقة بين السلطتين بكل ما فيها من رغبة في تسجيل النقاط والمزايدة الشعبوية، وحتى المباغتة في تقديم الاقتراحات غير المدروسة.

«إبرة بنج»

فالتقرير الجديد للجنة المشتركة خلا من بند رفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي البالغ حالياً 600 دينار إلى ألف دينار أي الفئات الأقل دخلاً، التي يفترض أن تكون هي الفئة المشمولة بالأولوية، إن كان فعلاً هدف الحكومة ومجلس الأمة تخفيف الأعباء المالية عن المتقاعدين، إذ لا يستقيم استبعادهم من تعديل الوضع المالي بشكل دائم مع صرف منحة مرة واحدة بالمساواة مع متقاعدين آخرين لديهم معاشات تقاعدية عالية أو دخول إضافية أخرى، ففلسفة أي تعديل يحمل أعباء مالية أن يوجّه إلى الفئات الأقل دخلاً لأنها الأكثر انكشافاً على متغيرات التضخم والغلاء، بل إن واقع الحال لو كان يتيح درجة معينة من الحصافة البعيدة عن الشعبوية لكانت فكرة أن تكون منحة المتقاعدين من نصيب الفئات الأقل دخل - وبمبالغ ربما تتجاوز 3 آلاف دينار - وليست للجميع فكرة قابلة للدراسة في ظروف طبيعية تبدو غير متوفرة طالما سيطرة «إبرة البنج» على مشهد العلاقة بين السلطتين.

فرصة نقاش ضائعة

«إبرة البنج» الخاصة لم تظلم فقط الفئات الأقل دخلاً، بل أيضاً حرمت نظام التأمينات الكويتي من مناقشة مسألة مهمة كرفع سن التقاعد 3 سنوات إضافية، خصوصاً مع بلوغ عجز الحسابات الاكتوارية لمؤسسة التأمينات الاجتماعية الـ 20 مليار دينار، في حين أن محفظة الاستثمارات الخاصة بالمؤسسة سجلت ارتفاعاً - استثنائياً - بـ 6.5 مليارات دينار، مما يعني أن رصيد العجز الاكتواري المتبقي في حدود 13.5 ملياراً والخزانة العامة هي الملزمة بتعويضه، بالتالي فتأمين مصدر مستدامٍ لتمويل صناديق التأمينات الاكتوارية من خلال زيادة اشتراكات العاملين أمر لا شك في أهميته، وربما يكون مدخلاً حال وجود مهنية حقيقية لإصلاح اقتصادي يعالج أصل الخلل لا أعراضه، خصوصاً وسط إشكالية رفع سن التقاعد في ظل عمل 80 في المئة من العمالة الوطنية في القطاع العام... فالمسألة لا تتعلق بمجرد رفع السن التقاعدي، إنما في كيفية إيجاد مصدر مستدام لتمويل الصناديق التقاعدية وهو أمر لم تتح «اللجنة المشتركة» حتى فرصة مناقشته.

مطالب المتقاعدين

ولعل «إبرة البنج» المتمثلة في منحة المتقاعدين لا يقتصر أثرها فقط على الجلسة الخاصة المزمع عقدها الأسبوع المقبل، بل تستهدف تثبيط الموجة العالية والشعبية الخاصة بالمتقاعدين وإمكانية تحقيقهم - لو كان ثمة وعي حقيقي بالمطالب - لمكاسب مستدامة تتعلق بالحقوق المستحقة لهم، وهي مكاسب غير مالية لكنها تضمن دوراً فاعلاً للمتقاعدين على المدى الطويل، فلم يطالب أحد للمتقاعدين لا في مجلس الأمة، ولا الحكومة، ولا حتى جماعات الضغط، التي تدعي مصلحة المتقاعدين بتمثيل في عضوية مجلس إدارة التأمينات الاجتماعية أسوة بجهات تخص المشتركين كنقابات العمال والعسكريين والقطاع الخاص، رغم أن المتقاعدين يشكلون نحو ثلث المشمولين ممن هم تحت مظلة مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وهو ما يتيح لهم مشروعية التمثيل في مجلس إدارة المؤسسة حال وجود مطالبات تستهدف فعلاً المصلحة الدائمة لا تحقيق المكاسب الانتخابية، فضلاً عن السعي لتأسيس جمعية نفع عام للمتقاعدين تكون منبراً لهم ولقضاياهم ومطالبهم الحقيقية لا الشعبوية، ناهيك عن إغفال اللجنة المشتركة لمطلب مهم وهو إلزام مؤسسة التأمينات بإصدار بيان - سنوي على الأقل - يتضمن بيانات وافية عن حجم الاستثمارات وأدائها وتوزعها الجغرافي والقطاعي، مع بيان درجات المخاطر فيها، فمثل هذه المطالب هو ما يحقق النفع للمتقاعدين وللمشتركين على المدى الطويل بشكل يضمن اطلاعهم وتأثيرهم على القرارات التي تخصهم وليس مجرد منحة غير مستدامة.

استدامة وشعبوية

قوانين التأمينات في العالم كله ذات طابع خلافي، وتطغى عليها الحسابات الفنية ومصالح العاملين وحقوق المتقاعدين بمناقشات مستفيضة هدفها الدائم الاستدامة وضمان تدفق المعاشات التقاعدية كأولوية لأي صندوق تقاعدي، وهذه في الحقيقة بيئة غير متوافرة في العلاقة ما بين الحكومة والمجلس، إذ تتنافس السلطتان على تسجيل مكاسب شعبوية، حتى لو كانت ليس فقط على حساب الاستدامة والاستمرارية، إنما أيضاً على حساب الفئات الأقل دخلاً.

محمد البغلي

لا أحد يهتم بكيفية إيجاد مصدر مستدامٍ لتمويل الصناديق التقاعدية

لماذا لا يطالب المتقاعدون بعضوية في مجلس إدارة التأمينات أسوة بالنقابات والعسكريين و«الخاص»؟

منحة المتقاعدين تبدو «إبرة بنج» غرضها عبور الجلسة الخاصة دون معالجة حقيقية لأوضاع «التأمينات»
back to top