المالطية العربية... تاريخها وثقافتها

نشر في 27-05-2022
آخر تحديث 27-05-2022 | 00:00
 د. منيرة عبدالكريم العجلان تعد اللغة المالطية لغة مثيرة لأنها لغة سامية، فهي اللغة السامية الفريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي، هنالك نحو 520000 متحدث للغة المالطية يعيشون على جزيرة مالطا التي تقع في البحر المتوسط، ليست ببعيدة عن صقلية وتونس وليبيا في الشمال الإفريقي، ويزعم البعض أن اللغة المالطية هي سلالة من اللهجة العربية إلا أنه لا يوجد دليل لغوي على هذا.

اللغة المالطية هي سلالة من اللهجة العربية الصقلية (سيكلو) والمحدثة في إمارة صقلية منذ القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر، إلا أن اللغة المالطية انحرفت من هذه اللهجة خلال السنوات وأصبحت لغة فريدة، حيث تظل قواعد اللغة المالطية عربية وثلث كلماتها عربية ونصفها إيطالية والمتبقي كلمات فرنسية وإنكليزية.

وتعود مكانة اللغة المالطية الى السامية بسبب أصولها العربية وبنيتها، إلا إن أخذنا بعين الاعتبار الكلمات الأجنبية المستعارة خصوصا الكلمات الرومانسية، فهي في الأساس تعد لغة هجينة، فكيف اجتمعت هذه الخصائص المثيرة لإنشاء هذه اللغة؟ يعود تاريخ المالطية إلى استعمار الخلافة الفاطمية لشمال إفريقيا وصقلية في نهاية القرن التاسع، التي جلبت معها اللهجة المغربية ولهجات شمال إفريقيا، وفي عام 1049، وصل المستوطنون المسلمون الناطقون بالعربية من صقلية إلى مالطا التي تبعد نحو 200 كيلومتر فقط، وبدأت بإنشاء مجتمعات في الجزيرة.

وفي عام 1901 هزم النورمانديون المسيحيون (الفرنسيون في وقتنا الحالي) العرب، واستوطنوا صقلية ومالطا لاحقاً، وبعد هذا الاستعمار النورماندي، بدأ المزيد من المستوطنين من صقلية بالوصول إلى مالطا، وجلبوا لغتهم معهم، وعلى الرغم من أنهم كانوا مسيحيين، فإن سكان صقلية كانوا لا يزالون مزيجا من المسيحيين والمسلمين الذين يتحدثون العربية والصقلية معا.

وبعد تراجع الحكم النورماندي، طُرد المسلمون من صقلية ومالطا، وكان حدثاً مهماً لأنه عزل اللهجة العربية (سيكلو) بشكل أساسي عن العالم الإسلامي الناطق بالعربية كما عزلها عن العربية الفصحى.

ظل القرآن قوة محافظة منعت اللغة العربية من التغيير مع مرور الوقت، ولكن في مالطا لم تعد هذه القوة المحافظة مرتبطة باللهجة، لذلك كانت اللهجة حرة في الانجراف في اتجاهها الخاص وتصبح لغة جديدة، وهذا كان سببا رئيسا في اندثار وموت لهجة السيكلو العربية. يقول عالم اللغة وولف غانغ دريسلر النمساوي: «تموت اللغات في المجتمعات الثنائية أو المتعددة اللغات وغير المستقرة نتيجة لتحول اللغة من لغة أقلية رجعية الى لغة الأغلبية المهيمنة»، حيث يصوم المالطيون في يوم (الصوم الكبير) ويسمى هذا الحدث بـ(راندان) والمشتقة من كلمة (رمضان)، كما يحتفل المالطيون بـ(غيد) أي (عيد) و(ميلاد) المسيح، ويوم (الجمعة)، فكان لتأثير المسلمين العرب أثر كبير في الثقافة المالطية. لذلك تعد المالطية لغة مثيرة للاهتمام، فاستعمار الإيطاليين للجزيرة وتحديد الإيطالية لغة رسمية، ومن ثم تحديد اللغة الفرنسية لغة رسمية من الاستعمار الفرنسي ثم الإنكليزي إلى عام 1956 أدى الى تهجين اللغة، فتعد المالطية عربية في الهيكل مع تداخل الكثير من الكلمات الأجنبية والعربية الإفريقية (التونسية، الجزائرية والمغربية)، ويرجع التونسيون فهم المالطية إلى وجود الكثير من الكلمات الإيطالية في اللهجة التونسية.

● د. منيرة عبدالكريم العجلان

back to top