الحشو الذهني

نشر في 27-05-2022
آخر تحديث 27-05-2022 | 00:00
 د. نبيلة شهاب حشو ذهن الطفل بكم كبير من المعلومات دون انتقاء أو تنظيم أو حتى تدرج في إعطاء العلم والمعلومة يعتبر عملية ضارة وليست في مصلحة الطفل، ولذا يرى الكثيرون أن أهم آفة من آفات التعليم هي طول المناهج وضعف محتواها، دون التركيز على ما يفيد الطالب فعلياً في حياته خاصة أو في مجال عمله لاحقاً، حشو المعلومات في ذهن الطفل وبطريقة سريعة (نظراً لالتزام المعلم أو المعلمة بمنهج وخطة ووقت معينين)، تجعل الطفل في حالة من الإجهاد الذهني، حيث يصعب عليه ذهنياً التعامل مع المعلومات بطريقة سليمة أو اكتساب هذا الكم من المعلومات.

ولا نعني بذلك أن نترك الطفل دون تعليم ممتاز ومتطور ومتنوع، بل يجب علينا أن نختار بدقة ما يفيد الطفل ويفيد مستقبله، وذلك عن طريق التقليل من المنهج المطول والاكتفاء بالمهم والأساسي من المعلومات والدروس.

في أغلب الدول المتطورة تعليمياً، توضع المناهج وأساليب وطرق التعليم بطريقة ونهج يخدم تكوين وبناء وتأسيس شخصية الطفل وغرس الأخلاق الفردية والمجتمعية في نفسه، فنجد الطفل يتعلم كيفية الاعتناء بنفسه وبغيره وبالمكان والبيئة التي يعيش فيها، كما يتعلم كيفية التعامل باحترام ومسؤولية مع القوانين ومع الآخرين، والأهم من كل ذلك نجده يكتسب ويتدرب على أن يكون عضواً منتجاً فعالاً في مجتمعه علماً وعملاً.

وتقليل المنهج والتركيز على المهم منه يسمح للطفل بأن يعيش طفولته، حيث إنه يستطيع أن يقضي وقتاً كافياً للعب والتواصل الاجتماعي مع أقرانه، مما يخلق في نفسه انشراحاً وسعادة، وفي الوقت نفسه يساعده ذلك في أن يغني مفاهيمه بصورة واقعية وملموسة لتفاعله الفعلي وبأساليب ملموسة مع بيئته ومجتمعه مما يجعل العملية التعليمية ممتعة للطفل ومفيدة وتعطي نتائج أفضل.

ومن الأهمية بمكان أن نستعين باللعب في تعليم الأطفال وإثراء مفاهيمهم، على سبيل المثال من الممكن تعليم الطفل بعض «دروس العلوم» عن طريق تكليفه بالعناية بالنباتات، يرويها وينسق الزهور ويلاحظها وهي تنمو ويتعرف عليها عملياً، كما أنه يستطيع أن يتعلم أهميتها عن طريق التعامل المباشر مع الأشجار، فيتسلق الأشجار أو يلعب أو يجلس للقراءة تحتها وهكذا، وبالتالي تنمو مفاهيمه عن النبات وعلاقته بالبيئة المحيطة به، ويتعرف على أهمية النباتات في حياته وبيئته وكيفية الاعتناء بها، وفي تعامل الطفل مع النباتات على سبيل المثال منذ الصغر يتعلم الصبر وبذل الجهد واحترام بيئته وما تحتويه، كما يستطيع أن يتعلم الحفاظ على البيئة عن طريق اكتساب مفهوم إعادة التدوير، وهكذا نستطيع تعليم الطفل جميع المفاهيم والقوانين المطلوب منه تعلمها، عن طريق اللعب التربوي والتفاعل مع محيطه والآخرين.

وتبعاً لذلك يتعلم المشاركة في العناية بمجتمعه الصغير (بيته ومدرسته وحيه) ومن ثم مجتمعه الكبير وتجميلها والإسهام في تطويرها وجعلها بيئة صحية سليمة، ولذا فإن انتقاء ما يتعلمه الطفل واختيار أفضل الطرق لتعليمه ذلك، أفضل بكثير من حشو ذهنه وتقليص قدرته على الاستيعاب والاستفادة من ذلك.

● د. نبيلة شهاب

back to top