فرسان المسرح العربي: سمير خفاجي... ساحر التأليف الكوميدي وصانع النجوم

نشر في 29-04-2022
آخر تحديث 29-04-2022 | 00:04
حفلت مسيرة الكاتب المصري سمير خفاجي بإسهامات مسرحية بارزة، وتعددت أقنعته كمؤلف ومنتج ومؤسس لفرقة «الفنانين المتحدين»، ولعب دورا كبيرا في الارتقاء بمسرح القطاع الخاص، واكتشاف أجيال من نجوم الكوميديا، وأثرت مؤلفاته الحركة المسرحية لأكثر من 50 عاما، حتى رحل عن عالمنا في 21 سبتمبر 2018 عن عُمر ناهز 88 عاما.
انطلقت رحلة خفاجي في منتصف الخمسينيات، وكان أحد مؤسسي فرقة «ساعة لقلبك» الشهيرة مع مجموعة من الفنانين الشباب في ذلك الوقت، ومنهم: فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي ونبيلة السيد وأمين الهنيدي وخيرية أحمد وجمالات زايد ولطفي عبدالحميد ومحمد يوسف، والكاتب يوسف عوف، والملحن بليغ حمدي، الذي تولى مهمة الغناء والتلحين في الفرقة.

وقد حقق حضوره الإبداعي المتفرد، كمؤلف كوميدي بارز، والأب الروحي لمسرح القطاع الخاص، وصانع النجوم، وأدار موهبته بذكاء المنتج، واقترنت أعماله بنجاح جماهيري غير مسبوق، واستمر عرضها لمواسم متتالية، سواء قام بتأليفها أو إنتاجها، ومنها: «سيدتي الجميلة»، و«هاللو شلبي» (1969)، و»ريا وسكينة» (1982)، و«الواد سيد الشغال» (1985)، و«بودي غارد» (1999)، وغيرها.

واقتحم عاشق المسرح عالم السينما، وكتب السيناريو لفيلمي «مراتي مجنونة» و«المليونير المزيف» (1968)، وأنتج أفلاما قليلة، منها: «غريب في بيتي» و«عصابة حمادة وتوتو» (1982)، و«حُب في الزنزانة» (1983)، وشارك مع بهجت قمر في كتابة المسلسل التلفزيوني «كبرياء الحب» (1980)، ويوسف معاطي في «عباس الأبيض في اليوم الأسود» (2004).

اقرأ أيضا

مسرح الريحاني

تعلَّق خفاجي بالفن منذ طفولته، وكان يقيم مع عائلته بأحد الشوارع المتفرعة من شارع القصر العيني بوسط القاهرة، وتصادف أن البناية التي يسكنها تجاور قصر الأميرة شويكار (حفيدة محمد علي باشا)، واعتاد الصعود إلى السطح، ليشاهد الحفلات الاستعراضية التي تقام في حديقة القصر، من دون أن يدري الطفل الصغير أنه سيصبح جزءا من مرحلة مهمة في تاريخ المسرح المصري.

وحالفه الحظ، أنه نشأ في أسرة مُحبة للمسرح، وكان والده يصطحبه معه إلى مسرح نجيب الريحاني مرة كل شهر على الأقل، سواء كانت المسرحية جديدة أو قديمة، ومن هنا شاهد معظم مسرحيات الريحاني أكثر من مرة، منها «30 يوم في السجن»، و«حسن ومرقص وكوهين»، و«إلا خمسة»، و«كشكش بيه»، و«الدنيا على كف عفريت».

وفي ذلك الوقت، انبهر بأداء الممثل محمد كمال المصري (صاحب شخصية «شرفنطح»)، وبشارة واكيم وماري منيب أكثر من بطل الفرقة نجيب الريحاني، لكنه لاحقا أدرك القيمة الفنية للريحاني، ودوره الرائد في الارتقاء بالمسرح الكوميدي، ودفعه لفنانين آخرين إلى حلبة المنافسة، مثل الفنان علي الكسَّار، وهذا الأمر أحدث حراكا مسرحيا مغايرا، وتغيَّر المفهوم السائد عن اقتران الكوميديا بالعروض الهزلية.

وتعلَّم خفاجي من الريحاني تقاليد المسرح، ورأى كيف كان مُقلاً في أعماله، فقد تمضي سنتان أو أكثر كي يقدم مسرحية جديدة، ورغم ذلك كان مسرحه كامل العدد، وكان رده على الذين انتقدوا قلة إنتاجه، أنه لو وجد في أي يوم كرسيا واحدا خاليا، فهو مستعد لتقديم مسرحية جديدة باليوم التالي، وكان مسرحه على أحدث طراز، ويرتاده صفوة المجتمع، واشترط الدخول بالملابس الرسمية، ولا مجال لحدوث هرج في صالة العرض، أو تعليقات ساخرة، وإذا حدث ذلك، فإنه يغلق الستار فورا.

كامل العدد

اعتبر خفاجي أن تلك الفترة كانت دراسة ميدانية للمسرح، واختزن الفتى الصغير جميع الدروس المستفادة، وصار على نهج أستاذه الريحاني، سواء كصاحب فرقة أو منتج أو مؤلف، وتجسَّد ذلك في عروض فرقة «الفنانين المتحدين»، والتعاون مع مخرجين كبار، مثل: جلال الشرقاوي وحسن عبدالسلام وكمال ياسين. واهتم كمنتج بالكيف أكثر من الكم، وهذا سر تعليق لافتة «كامل العدد» في معظم أعماله، ولم يستأثر بالتأليف، بل شاركه رفيق دربه المؤلف بهجت قمر في تأليف واقتباس النصوص المسرحية.

وساهم خفاجي في نجومية أجيال من النجوم، بدءا من زملائه في فرقة «ساعة لقلبك»: فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي وأمين الهنيدي، ومن الجيل التالي: عادل إمام وسعيد صالح وأحمد زكي ومحمد صبحي ويونس شلبي، ووضع الفنان أحمد بدير على درج النجومية، بإشراكه في مسرحية «ريا وسكينة» والفنانة شريهان في «شارع محمد علي» و«عشان خاطر عيونك».

منتج «ريا وسكينة» يقنع شادية باعتلاء خشبة المسرح
ساهم الكاتب والمنتج سمير خفاجي في دفع الحركة المسرحية، طوال 60 عاما، وبلغ ذروة النجاج من خلال تأسيسه فرقة «الفنانين المتحدين»، التي حققت عروضها نجاحا جماهيريا كبيرا، ومن تلك الأعمال مسرحية «ريا وسكينة»، تأليف بهجت قمر وإخراج حسين كمال، وبطولة: شادية وسهير البابلي وعبدالمنعم مدبولي وأحمد بدير وسميحة توفيق.

وشهدت كواليس «ريا وسكينة» مفاجآت عديدة، ففي البداية ذهب دور «ريا» إلى الفنانة سهير البابلي، واعتذرت الفنانة شويكار عن عدم تجسيد شخصية «سكينة»، واستطاع منتج المسرحية سمير خفاجي إقناع الفنانة شادية بالظهور في أول عمل مسرحي لها، وتبدلت الأدوار لتمثل شادية دور «ريا» وتقدم البابلي دور «سكينة».

مؤرخ المسرح

وكان خفاجي شاهدا على فترة ازدهار المسرح منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وتراكم لديه مخزون هائل من أعمال الفرق المسرحية، ما دفعه إلى تأريخ تلك الفترة في مذكراته «أوراق من عمري»، لتتعرف الأجيال اللاحقة على بواكير المسرح المصري، ولم يكن بحاجة إلى مراجع لتناول هذه المرحلة المهمة، فقد ارتحل من مسرح الريحاني إلى دار الأوبرا ومسرح الأزبكية، وشاهد مسرحيات يوسف وهبي، وعلي الكسار وعزيز عيد، وفاطمة رشدي، وبداية تأسيس المسرح القومي.

ودفعه هذا الزخم للانجذاب إلى عالم المسرح، وفي المقابل ارتاد السينما مرات قليلة، وبدأ محاولاته الأولى في التأليف، وتملكه الطموح أن يحترف الكتابة، ووجد أن معظم العروض المسرحية ـ آنذاك ـ تعتمد على الاقتباس، والاهتمام بالحبكة الدرامية، والمتتبع لمؤلفاته سيلمح أنه جمع بينهما، وأضاف تجسيد الفكرة الرئيسة في قالب مصري.

«أنا وهو وهي»

وفي حقبة الستينيات، انضم إلى مسرح التلفزيون، والتحق بفرقة «المسرح الكوميدي»، وشارك في تأليف مسرحية «أنا وهو وهي» مع مخرجها عبدالمنعم مدبولي، وبطولة: فؤاد المهندس وشويكار وعادل إمام والضيف أحمد وسلامة إلياس، وعرضت في موسم عام 1964، ولاقت نجاحا جماهيريا كبيرا.

ودارت المسرحية في إطار كوميدي، حول محامٍ يلتقي فتاة أثناء رحلة صيد بمحافظة الفيوم (جنوبي القاهرة)، ويحدث سوء تفاهم بينهما، عندما يعتقد أنها زوجة موكله، وتتصاعد الأحداث من خلال سلسلة من المواقف الكوميدية.

وشهدت «أنا وهو وهي» اكتشاف موهبة الفنان عادل إمام، ولفت الأنظار بأدائه شخصية سكرتير المحامي (الأستاذ دسوقي)، والفنان الضيف أحمد الذي رحل في عُمر الشباب. واستمر التعاون بين خفاجي وإمام في عدد كبير من المسرحيات، سواء كمؤلف أو منتج، فيما اتجه الضيف إلى تأسيس فرقة «ثلاثي أضواء المسرح» مع سمير غانم وجورج سيدهم.

واشترك خفاجي مع الكاتب محمد دوارة في اقتباس مسرحية «أصل وصورة»، بطولة وإخراج عبدالمنعم مدبولي، وشارك فيها: محمد عوض وأمين الهنيدي ونجوى سالم وحسن مصطفى، وتتناول في إطار كوميدي بعض سلبيات العمل الصحافي قبل ثورة يوليو 1952، وعُرضت من خلال مسرح التلفزيون موسم 1963.

وفي العام التالي تشارك خفاجي ودوارة في اقتباس مسرحية «لوكاندة الفردوس»، إخراج عبدالمنعم مدبولي، وبطولة: أمين الهنيدي وثريا حلمي ونجوى سالم وسلامة إلياس، والوجه الجديد ـ آنذاك ـ صلاح السعدني، وتدور حول شخصية «معلم» يذهب مع بناته الأربع لزيارة أحد أصدقائه بالقاهرة، وهناك تحدث سلسلة من المفارقات الكوميدية.

وفي ذات العام شارك خفاجي مع بهجت قمر في إعداد مسرحية «الزوج العاشر» اقتباس وإخراج نور الدمرداش، وبطولة: أبوبكر عزت وعبدالمنعم مدبولي وعقيلة راتب ونجوى فؤاد والسيد بدير، وتدور في إطار كوميدي حول العلاقة بين زوجة وزوجها المستهتر، وحين تكتشف أنه يخدعها، تقرر الانتقام منه.

«جوزين وفرد»

واستمر خفاجي في التأليف المشترك مع بهجت قمر، وفي عام 1965 عُرضت لهما مسرحية «أنا فين وانتي فين؟»، بطولة وإخراج فؤاد المهندس، وشارك فيها: شويكار وعادل إمام ونظيم شعراوي وعواطف رمضان وسلامة إلياس والطفلة منى وهبي. وتتناول قصة الموظف البسيط «أيوب جاد الحق»، الذي يوقعه الشبه الكبير مع زوج صاحبة العمل الراحل في ورطة كبيرة، وتتعلق به ابنة صاحبة العمل الصغيرة، ظناً منها أنه والدها، وتتوالى المفارقات الكوميدية.

وفي عام 1966، قدَّم خفاجي ثلاث مسرحيات؛ الأولى «أنا وهو وسموه»، وشارك في تأليفها بهجت قمر، وأخرجها عبدالمنعم مدبولي، وبطولة: فؤاد المهندس وشويكار وزوزو شكيب ونظيم شعراوي ومحمد يوسف، ووضع الموسيقى والألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب.

وانفرد خفاجي باقتباس «جوزين وفرد»، إخراج وبطولة عبدالمنعم مدبولي وسهير البابلي وأمين الهنيدي وحسن مصطفى وميمي جمال. وتدور أحداثها حول زوجة يساورها الشك في أن زوجها بحالة غير طبيعية، فيما يشعر الزوج بأنها تعاني مرضا نفسيا، ويستعين كلاهما بطبيب نفسي لعلاج الآخر، وتتوالى المفارقات الكوميدية.

واقتبس خفاجي مسرحية «نمرة 2 يكسب»، وعُرضت في المسرح الكوميدي، وأخرجها كمال ياسين، وقام بالبطولة: محمد عوض ومحمد رضا وميمي جمال وخيرية أحمد والسيد راضي. وتدور المسرحية حول شاب فقير يشبه أحد أبناء رجل ثري، وبعد اختفائه يرصد مكافأة لمَنْ يعثر عليه، وتبدأ سلسلة من المفارقات الكوميدية.

منتج «مدرسة المشاغبين» يفض نزاع البابلي و«الزعيم»
قام خفاجي بإنتاج مسرحية «مدرسة المشاغبين»، وحققت نجاحا غير مسبوق، واستطاع أن يفض الكثير من النزاعات خلال عرض المسرحية، وبدأت بانسحاب الفنان عبدالمنعم مدبولي من دور «الناظر»، وإسناده إلى الفنان حسن مصطفى، وأيضا انسحبت الفنانة نيللي، لتقوم سهير البابلي بدلاً منها بأداء دور المُعلمة «أبلة عفت».

وأثناء عرض «مدرسة المشاغبين» كان هناك خلاف دائم بين سهير البابلي والنجمين عادل إمام وسعيد صالح، بسبب كثرة خروجهما على النص. وتطور الأمر في بعض ليالي العرض إلى انسحابهم أمام الجمهور، وتدخل خفاجي والمخرج جلال الشرقاوي لفض النزاع بينهم، واستمر نجاح المسرحية لأربعة مواسم متتالية.

«حالة حب»

وكان السيناريست عبدالحي أديب اقتبس مسرحية «حديث المدينة» للكاتب الأميركي جون أمرسون، وقدمها من خلال فيلم «إشاعة حب» عام 1960، وأعاد خفاجي الاقتباس في مسرحية «حالة حب» عام 1967، بطولة وإخراج فؤاد المهندس وشارك معه شويكار وعبدالمنعم مدبولي وعادل إمام وزوزو شكيب.

وكان عام 1969 استثنائيا في مشوار خفاجي، حين أسس فرقة «الفنانين المتحدين»، وقدَّم أول مسرحية من إنتاجه «سيدتي الجميلة»، واقتبسها من مسرحية «بيجماليون» للكاتب الإنكليزي جورج برنارد شو، وقام ببطولتها: فؤاد المهندس وشويكار وحسن مصطفى وجمال إسماعيل وسيد زيان وفاروق فلوكس، وإخراج حسن عبدالسلام.

وتدور أحداث المسرحية في قالب كوميدي حول «كمال» مُعلم الطبقات الراقية الذي يبحث عن امرأة تلعب دور زوجته في حفل يقيمه «الخديوي»، ويعثر على فتاة فقيرة «صدفة» ويعلمها آداب الإتيكيت، وأثناء الحفل تحدث سلسلة من المفارقات الكوميدية.

وفي العام ذاته، أنتج خفاجي مسرحية «هاللو شلبي»، تأليف يوسف عوف، وإخراج سعد أردش، وبطولة: سعيد صالح وعبدالمنعم مدبولي ومديحة كامل، إلى جانب الوجهين الجديدين ـ آنذاك ـ أحمد زكي ومحمد صبحي. ويقوم العمل في إطار كوميدي، قصة فرقة مسرحية مغمورة تسعى للحصول على تمويل لعرض إحدى مسرحياتها.

«شارع محمد علي»

واستمرت رحلة خفاجي في التأليف والإنتاج، وساهم في ارتقاء مسرح القطاع الخاص، وقدَّم سلسلة من الأعمال الناجحة، منها «مدرسة المشاغبين» (1973) تأليف علي سالم وإخراج جلال الشرقاوي، وبطولة: سهير البابلي وعادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي وهادي الجيار ونظيم شعراوي وعبدالله فرغلي وسمير ولي الدين.

وتوالت أعماله، حيث أنتج مسرحية «شاهد ماشافش حاجة»، تأليف ألفريد فرج، وإعداد إبرهيم الدسوقي ومصطفى أبوحطب، وإخراج هاني مطاوع، وبطولة: عادل إمام وعمر الحريري وناهد جبر ونظيم شعراوي، واستمر عرضها على مدار خمسة مواسم متتالية.

وأنتج خفاجي مسرحية «ريا وسكينة» عام 1983، تأليف بهجت قمر، وإخراج حسين كمال، وبطولة: شادية وسهير البابلي وعبدالمنعم مدبولي. وفي نفس العام «شارع محمد علي»، بطولة: فريد شوقي وشريهان ووحيد سيف والمنتصر بالله وهشام سليم وسهير الباروني. وفي عام 1999 قدَّم آخر مسرحياته (بودي غارد) مع الزعيم عادل إمام، قبل أن يصاب بجلطة سبَّبت له صعوبات في الكلام والحركة وألزمته الكرسي المتحرك، ما أبعده عن العمل خلال السنوات الأخيرة من حياته.

وكرَّس المؤلف والمنتج وصانع النجوم سمير خفاجي حياته للمسرح، وأسهم في تخريج جيل كامل من نجوم الكوميديا، وأفسح المجال من خلال فرقة «الفنانين المتحدين» لاكتشاف جميع عناصر العمل المسرحي، وترك بصمة إبداعية لا تمحى من ذاكرة المسرح الكوميدي.

أحمد الجمَّال

الطفل الصغير يرتاد مع والده مسرح الكسَّار ونجيب الريحاني

مؤسس «ساعة لقلبك» يرتحل إلى فرقة «الفنانين المتحدين»

صانع النجوم يكتشف عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي

المؤلف المسرحي يتحوَّل إلى مؤرخ في «أيام من عمري»

«سيدتي الجميلة» لقاء استثنائي مع فؤاد المهندس وشويكار

«بودي غارد» تُسدل الستار على رحلته في المسرح الكوميدي
back to top