الهند تتقرب من الغرب وتبتعد عن روسيا
في الوقت الراهن، لا تزال نهاية الحرب الروسية الأوكرانية غير مؤكدة، لكن ربما بدأت الهند منذ الآن تتخذ الخطوات اللازمة لإبعاد نفسها عن موسكو مستقبلاً في حال أصبحت روسيا شريكة الصين الصغرى بعد الحرب، كما يتوقع بعض الخبراء.

قد يحمل الغرب والهند رأيهما الخاص حول الصراع الروسي الأوكراني، لكن تبذل الهند جهوداً كبرى لتجاوز الخلافات وتتابع في الوقت نفسه التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتتضح هذه النزعة عبر التزامات الهند الخارجية منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وفي آخر شهرَين، انشغلت الهند بجدول دبلوماسي مكثّف وشاركت في عدد كبير من الاجتماعات رفيعة المستوى.تشمل نشاطات الهند زيارات من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، فضلاً عن قمم افتراضية بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، واجتماعات ثنائية بين وزراء الخارجية والدفاع من الهند والولايات المتحدة، وفي المقابل، اقتصر التواصل الهندي الروسي على زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الهند، ومكالمة هاتفية بين مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.يثبت هذا التواصل مع الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، أن الهند تتابع التركيز على منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. أصبحت الولايات المتحدة واليابان وأستراليا جزءاً من تحالف رباعي إلى جانب الهند، أما بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فهما يحاولان توسيع نفوذهما في تلك المنطقة من خلال صياغة سياساتهما هناك، تُعتبر الهند شريكة مهمة لهذه الدول كلها في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، فهي تؤكد على أهمية تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الدول التي تحمل العقلية نفسها للتصدي للعدوان الصيني، وستكون شراكة الهند مع التحالف الرباعي وكيانات أخرى ضرورية لترسيخ حرية الملاحة والنظام المبني على قواعد واضحة في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. في المقابل، تبقى علاقات الهند مع روسيا محدودة رغم قوتها، إذ يتراجع التواصل بين البلدين خارج نطاق تعاونهما الدفاعي، وخوفاً من العزلة الدولية، حاولت روسيا توسيع علاقاتها مع الهند في قطاع الطاقة عبر عرض إمدادات النفط عليها بأسعار مُخفّضة، وزادت الهند مشتريات النفط الروسي منذ بدء الحرب، لكن تشكّل هذه الكمية بين 1 و2% من إجمالي واردات النفط إلى الهند رغم زيادة الكميات التي يشتريها البلد. حتى أن الهند تسعى إلى كبح هذه النزعة فقد استبعدت «مؤسسة النفط الهندي»، أهم شركة لتكرير النفط في الهند، جبال الأورال الروسية من أحدث مناقصة شاركت فيها.كذلك، ألغى سلاح الجو الهندي خططاً لشراء 48 مروحية من طراز Mi-17 V5 من روسيا، لكن قيل إن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز مبادرة «صُنِع في الهند». وفي الشهر الماضي أيضاً، أعلنت الهند عن منع استيراد 107 سلع دفاعية على مراحل، ومن المنتظر أن يسري مفعول هذا القرار بين كانون الأول 2022 وكانون الأول 2028. تتعدد الواردات التي ستصبح محظورة، منها عدد من قطع الدفاع الروسية مثل الأنظمة الفرعية للأسلحة والمنصات الروسية (بما في ذلك دبابات «تي-90» و«تي-72»)، ومركبات المشاة القتالية BMP-II، والسفن الحربية، والغواصات، والصواريخ المضادة للدبابات. تؤكد هذه التطورات على أن مبادرة التصنيع المحلي داخل الهند، بغض النظر عن دوافعها، ستؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع اتكال البلد على الأسلحة الروسية. في الوقت الراهن، لا تزال نهاية الحرب الروسية الأوكرانية غير مؤكدة، لكن ربما بدأت الهند منذ الآن تتخذ الخطوات اللازمة لإبعاد نفسها عن موسكو مستقبلاً في حال أصبحت روسيا شريكة الصين الصغرى بعد الحرب، كما يتوقع بعض الخبراء. يبقى فك الارتباط عن روسيا بالكامل مستحيلاً، لكن من الواضح أن الهند تعطي الأولوية اليوم لمصالحها الاستراتيجية التي تتطلب توثيق التعاون مع الدول الغربية.* نيرانجان مرجاني
The Diplomat
من الواضح أن الهند تعطي الأولوية اليوم لمصالحها الاستراتيجية التي تتطلب توثيق التعاون مع الدول الغربية