جهاز المسؤولية الطبية... خطوة متقدمة ولكن!

نشر في 26-04-2022
آخر تحديث 26-04-2022 | 00:09
 د. بلال عقل الصنديد تناولت في المقال السابق حجم وأهمية المسؤوليات الملقاة على عاتق أصحاب «الأرواب البيضاء» من أطباء وممرضين وعاملين في الحقل الطبي، وما تستوجبه مهنهم وإنسانيتهم من التزام أخلافي، قانوني وعلمي بجميع القواعد والأصول المتعارف عليها في عمل كل منهم تحت طائلة تعرض المقصّر للعقوبات التأديبية وربما الجزائية التي تفرضها قواعد المسؤولية الطبية.

ولأهمية الموضوع القانونية والمهنية وحساسيته الاجتماعية والإنسانية، ومن باب التوعية بأهمية الدور ونبل الغايات المرتبطة بعمل «جهاز المسؤولية الطبية» المنشأ بموجب القانون رقم (70) لسنة 2020، قد يكون ملائماً التذكير بأن إنشاء الجهاز يعتبر خطوة واعدة في مجال تنقية المجال الصحي من أي شائبة قد تنتج عن أي خطأ أو تقصير وأي إهمال أو عدم اكتراث.

فمن حسن الطالع أن إنشاء هذا الجهاز أتى من ضمن تشريع شامل ومتكامل ينظم العمل في القطاع الصحي ويستهدف بشكل واضح ورئيس حماية حياة المرضى وحفظ مصالح الأطراف وحقوق المتضررين، وقد حاز هذا القانون شبه إجماع حكومي-نيابي، وشارك في إعداده ومناقشة نصوصه وأحكامه ممثلون عن القطاع الطبي والجمعيات المهنية المتخصصة من مختلف التفرعات والتخصصات، مما أعطاه بعداً مهنياً إضافة إلى أبعاده القانونية البحتة.

من بين- وربما من أهم- ما أعطى القانون لهذا الجهاز من اعتبار ودور، أنه يشمل في عمله وصلاحياته جميع المهن الطبية والمهن المساندة في كل من القطاع العام والقطاع الأهلي، بحيث تمتد أذرعه القانونية وجزاءاته العقابية الى مزاولي المهنة المخالفين وأصحاب المنشآت الصحية التي يعملون بها على حد سواء، الأمر الذي يعظم المسؤوليات التي تقع على عاتق رئيسه والمشتغلين في إطاره من موظفين ولجان تحقيق، وخاصة أن الجهاز يتولى– دون غيره- إبداء الرأي الفني في كل الموضوعات التي تعرض عليه من خلال الشكاوى، والبلاغات، والمحاضر، والتقارير، والقضايا، والدعاوى المتعلقة بالأخطاء الطبية والمخالفات المهنية المرتكبة، مع بيان وجه وطبيعة الخطأ والمخالفة إن ثبتت وتقييمها وتحديد المسؤول أو المسؤولين عنه فنيا وتقدير الأضرار الصحية المترتبة، وبيان آثارها وتوقيع العقوبات التأديبية المقررة بما يتناسب مع جسامة وطبيعة ومدى تكرار المخالفة أو الخطأ إن كان لذلك مقتضى.

وفي السياق العقابي يجوز لرئيس الجهاز أن يصدر قراراً مسبباً يتضمن إيقاف ترخيص مزاولة المهنة في القطاع الحكومي والأهلي إيقافاً مؤقتاً لمدة ثلاثين يوماً، وله أن يجدد الإيقاف لمدة مماثلة أو لمدتين متتاليتين بحد أقصى تسعين يوما، لحين الفصل في المخالفة المنسوبة الى من تم إيقافه، وذلك بشرط أن تكون المخالفة المنسوبة لمزاول المهنة جسيمة أو خطرة أو مكررة وأن توجد قرائن جدية أولية تدل على حدوثها وارتكابها.

من ناحية أخرى، والتزاماً بموجب الحياد ومقتضيات النزاهة، لم يجز القانون لأي عضو في لجان التحقيق التي يشكلها الجهاز أن يشارك في المداولات، أو التصويت، أو اتخاذ أي إجراء، أو قرار، أو الإدلاء برأي في حالة معروضة، يكون له فيها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة، أو بينه وبين أحد أطرافها صلة قرابة أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة، أو خصومة قضائية أو مهنية سابقة، أو ارتباط بعمل تجاري أو مهني حالي أو سابق.

وبالمقابل، ولضمان عدم التأثير على أي من أعضاء اللجنة التي يشكلها رئيس الجهاز أو نائبه، لا يجوز تغيير أي من أعضائها أثناء مباشرة أعمالها إلا في الحالات التي تستوجب ذلك، ومنها: حالة تعارض المصالح الذي يظهر بعد تشكيل اللجنة على النحو المبين فيما سبق، الاستقالة، استشعار الحرج، غياب عضو اللجنة لأكثر من ثلاثة اجتماعات دون عذر جدي ومقبول أو ثبوت إدانته قضائيا بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ناهيك عن الوفاة أو المرض المانع من أداء الأعمال.

في هذه الخلاصة الموجزة والسريعة لمستهدفات وآليات العمل في جهاز المسؤولية الطبية يتبين جانباً من حساسية ودقة المسؤوليات التي تقع على عاتق هذا الجهاز فيما يخص ضبط العمل في المهن الصحية، حيث يقتضي بمسؤوليه واللجان العاملة ضمن إطاره واجب النجاح في تنسيق توليفة مهنية، قانونية وعملية من شأنها التقريب قدر الإمكان من مهمة إحقاق الحق وتحميل المسؤوليات والمعاقبة عليها.

وتتضمن هذه التوليفة الإلمام بالمعارف المرتبطة بالمسؤولية الطبية وحسن تطبيقها بعدالة ونزاهة وحيادية، إضافة الى الجدية والمهنية التي يجب أن يتصف بها عضو لجنة التحقيق، ومن هذه المعارف ما يرتبط على سبيل المثال لا الحصر بقواعد المسؤولية القانونية وأنواعها، سواء أكانت تقصيرية أم عقدية، بخطأ أو دون خطأ، وكذلك بموجبات الطبيب الأخلاقية والتزامه المهني ببذل العناية ورعاية الأب الصالح، ناهيك عن إجراءات التحقيق وقواعد إثبات الخطأ الطبي.

وعليه، فإنه من البدهي الاستنتاج أن جهاز المسؤولية الطبية، والقانون الذي أنشأه يشكلان خطوة متقدمة في منظومة انضباط العمل في القطاع الصحي، ولكن بلوغ النجاح فيه وتثبيت ركائزه في مسار الحق والعدل والإنسانية، يتطلبان تخصصية واحترافية واستقلالية وحيادية تبعد العاملين فيه عن أي تأثير سياسي أو اجتماعي، الأمر الذي يجب أن يتبلور بحسن اختيار العاملين فيه وفي لجانه وبدعم وتغطية من جميع السلطات والجهات المختصة لطاقمه وخبرائه ومتخصصيه، ناهيك عن واجب الطاقم والمنشآت الطبية بالإيمان بدوره والامتثال لموجبات إنجاح عمله، مع أهمية عدم إشغاله وإثقاله بكم هائل من الشكاوى الكيدية أو غير المبنية على أسس واضحة أو مقنعة.

* كاتب ومستشار قانوني.

د. بلال عقل الصنديد

back to top