المعنى الاستراتيجي لجرائم الحرب الروسية في أوكرانيا

نشر في 20-04-2022
آخر تحديث 20-04-2022 | 00:00
 موسكو تايمز جاءت أعمال التعذيب والقتل الجماعية على يد القوات الروسية في «بوتشا»، و«إيربين»، و«بوروديانكا»، ومدن أوكرانية أخرى، لترفع مستوى الرعب في هذه الحرب المريعة، لكن لن تُسبب هذه التطورات كارثة إنسانية فحسب، بل إنها تُغيّر أيضاً السياق الاستراتيجي القائم لثلاثة أسباب:

أولاً، من المتوقع أن تضاعف هذه الارتكابات مشاعر العدائية الأوكرانية تجاه روسيا، مما يعني ترسيخ التباعد الثنائي الذي بدأ خلال أول غزو روسي في عام 2014 ثم تأجّج مع الغزو الثاني في فبراير الماضي، وخلال أقل من عشر سنوات، استفز بوتين شعباً سلافياً شرقياً كان يحمل نظرة إيجابية عن روسيا ورسّخ فيه أعمق مشاعر الكره الشخصي.

ثانياً، بدأت التطورات الأخيرة تدفع الرأي العام الروسي إلى وضعٍ قاتم، فقد كانت الدولة الروسية تتوقع تحقيق انتصار سهل وسريع، لذا لم تحاول تعبئة الرأي العام قبل غزو أوكرانيا، وبعد بدء الغزو، تظاهر عدد كبير من الروس الشجعان ضد هذا التحرك وحصلوا على دعم شخصيات عامة ومؤثرة، لكن تحاول الحملات الدعائية اليوم تبرير الحرب وتضع الأعمال الوحشية في خانة الأخبار المفبركة، فرغم تصاعد مستوى الرقابة والقمع، يستطيع الروس حتى الآن الوصول إلى مجموعة واسعة من الأخبار شرط أن يقرروا البحث عن هذه المعلومات، لكن يصدّق معظم الروس على ما يبدو الأكاذيب الرسمية رغم جميع الأدلة التي تدحضها، بما في ذلك شهادات أصدقائهم وأقاربهم في أوكرانيا. هذا الوضع ينفي الفرضيات القائلة إن أي صراع مكلف لا يحظى بدعم شعبي، فقد توقّع عدد كبير من المحللين ألا يشنّ بوتين الحرب لهذا السبب تحديداً، وترسّخت هذه القناعة على ما يبدو بعد إقدام النظام على إخفاء عدد الضحايا الحقيقي في سورية، وبعد الانتقادات العلنية التي حصدتها حرب الشيشان الأولى في منتصف التسعينيات، لكن يقف معظم الروس اليوم وراء نظام وزعيم كانا قد خسرا شعبيتهما قبل الحرب بدرجة غير مسبوقة على مر عهد بوتين. يستمر هذا الوضع مع أن المواقف الرسمية بلغت أعلى مستويات الهستيريا، فقد اعتبر المسؤولون الأوكرانيين شعباً نازياً، حيث تستحق النُخَب «تصفيتها».

ثالثاً، تثبت جرائم الحرب أن إنهاء القتال، طالما تتابع روسيا احتلال الأراضي الأوكرانية، لا يعني انتهاء العنف، بل إن وقف إطلاق النار يسمح بإعادة تجميع القوات الروسية وتسليحها تزامناً مع ترهيب المدنيين وقتلهم بلا رادع، فلم تصبح المساحات الجيوسياسية وحدها مُهددة، بل باتت حياة البشر على المحك، وهو وضع لا يعترف به الخبراء «الواقعيون» في مجال العلاقات الدولية على ما يبدو، ويدرك جميع الأوكرانيين اليوم ما ينتظرهم إذا دخلت القوات الروسية إلى مدينتهم أو بلدتهم ولن يترددوا في مقاومتها على هذا الأساس، وفي الوقت نفسه، لن يترسّخ السلام أو الاستقرار عند تقسيم البلد أو التفاوض على تسوية معينة.

تترافق جرائم الحرب مع لحظات مصيرية قد تُمهّد لإصلاح المفاهيم وتوضيح الخيارات المتاحة، وبدا احتمال وقف الحرب، ولو مؤقتاً، خياراً ضئيلاً في المرحلة السابقة لكنه أصبح مستبعداً بالكامل اليوم، وتبدو روسيا أكثر عزلة مما كانت عليه خلال الحرب الباردة على مستويات عدة، وأصبح الغرب أقل ميلاً إلى اعتبار «المعركة ضد الحكومة، لا الشعب»، ومن المتوقع إذاً أن تتلاحق العقوبات في المرحلة المقبلة، وقد تدوم هذه العقوبات لسنوات إذا ضخّم الكونغرس القرارات التنفيذية الصادرة عن البيت الأبيض عبر تشريعها على شكل قوانين، ما لم تنتخب أبرز الدول الغربية قادة يحملون أولويات سياسية مختلفة، من المستبعد أن تتراجع العقوبات تزامناً مع استمرار الاحتلال الروسي للأراضي الأوكرانية وبقاء بوتين في السلطة، وفي غضون ذلك، بدأت جرائم الحرب الروسية تزيد تشدّد الرأي العام في فنلندا والسويد، وهي تُسرّع توجّه البلدَين للانضمام إلى حلف الناتو.

يظن البعض أن توثيق جرائم الحرب وإجراء التحقيقات بشأنها يبعدان الأنظار عن مسائل استراتيجية أكثر أهمية، لكنّ العكس صحيح. تحمل هذه الجرائم عواقب استراتيجية قد ترسم مسار الحرب في المرحلة المقبلة، فهي تزيد احتمال ألا تتأثر أي نتيجة نهائية بالتسويات والتنازلات بل بالنصر والهزيمة.

* نايجل غولد ديفيز

موسكو تايمز

back to top