كيف تأثرت أسواق النفط بعد ضخ «احتياطي الطوارئ» الغربي؟

نشر في 19-04-2022
آخر تحديث 19-04-2022 | 00:00
وكالة الطاقة الدولية
وكالة الطاقة الدولية
في السابع من أبريل الجاري، أقرت وكالة الطاقة الدولية أكبر عملية ضخ من احتياطات النفط العالمية في مسعى منها لتخفيض أسعار النفط وسط استقرارها عند مستويات عالية منذ بدء الحرب في أوكرانيا.

وأقرت الوكالة استخدام 240 مليون برميل من الاحتياطات الاستراتيجية لدولها، 180 مليون برميل منها أميركية، على مدى 6 أشهر، بحيث يتم ضخ مليون برميل من الاحتياطات في السوق يومياً، بعد ضخ 60 مليون برميل في الأسواق بالفعل قبل ذلك.

لا تراجع

وعلى الرغم من بدء تنفيذ خطة الوكالة، فإن أسعار النفط لم تتراجع في الأسواق، وظلت فوق مستوى 100 دولار للبرميل (باستثناء تراجع مؤقت لسعر 99 دولاراً)، بل تخطت 110 دولارات أيضاً في بعض الأحيان بما يثير التساؤل عن التأثير الحقيقي لتلك الخطوة وما إذا كانت «ناجعة» في تحقيق هدفها بخفض الأسعار من عدمه.

ولتبيان أثر تلك الخطوة، من المعلوم أن متوسط إنتاج العالم ككل للنفط بلغ حوالي 77 مليون برميل يومياً خلال عام 2021، بما يجعل المليون برميل التي يتم ضخها يومياً من الوكالة تمثل حوالي 1.3 في المئة فحسب من الإنتاج اليومي ولا يبدو أن تأثير مثل هذا الضخ يكون كبيراً.

كما أنه من المرجح أن يكون الطلب على النفط في 2022 أعلى منه في 2021 بسبب تعافي بعض الاقتصادات من إغلاقات «كورونا» بل إن الوكالة نفسها تقدر زيادة الطلب 4.15 ملايين برميل يومياً خلال 2022 بما يجعل خطوتها أقل فعالية.

كما أن وكالة الطاقة الدولية نفسها وهي تضخ مليون برميل في الأسواق للسيطرة على الأسعار تعلن أنه قد يتم استبعاد نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً من النفط الروسي اعتباراً من مايو فصاعداً بسبب العقوبات أو تجنب المشترين طواعية الشحنات الروسية، بما يجعل الفجوة في العرض تزيد ولا تتراجع.

وأقرت روسيا نفسها بانخفاض إنتاجها من النفط الخام من 11.1 مليون برميل يومياً إلى 10.2 مليون برميل خلال مارس الماضي.

مخزون لـ«الطوارئ»

يأتي هذا على الرغم من الإقرار بأهمية الخطوة حتى رمزيا بوصفها محاولة للطمأنة من جانب كبرى الدول المستهلكة للنفط بإمكانية استخدام الاحتياطات لفرض قدر من «التوازن» -كما تصفه الوكالة- في السوق، وهي خطوة أميركية بالأساس لمحاولة الحد من التضخم وارتفاع أسعار الوقود محلياً.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك إدراكاً واسعاً بمحدودية تأثير تلك الأداة، فالولايات المتحدة التي تعتبر الأكثر استخداما لأداة الاحتياطات الاستراتيجية أخيراً لا يتعدى ما تمتلكه من نفط في مخازنها تحت الأرض في ولايتي «تكساس» و»لويزيانا» 500 مليون برميل نفط، وهو مستوى أقل من الاستهلاك الأميركي للنفط في شهر واحد.

وتفرج الدول عن احتياطي «الطوارئ» بحرص شديد لأنه كما يأتي من وصفه يجب الاعتماد عليه في حالة الطوارئ كالحرب أو الكوارث الطبيعية أو عرقلة الإنتاج أو وسائل نقل النفط لسبب أو لآخر وليس للعمل على خفض أسعار النفط.

ولذلك توقع «بول سانكي»، الخبير في أسواق النفط، بقاء سعر النفط فوق مستوى 100 دولار ما بقيت الأزمة الروسية الأوكرانية مستمرة، معتبراً أن الخطوة الغربية ما هي إلا ذر للرماد في العيون وهي غير قادرة على إحداث أثر لأنها ببساطة لا تؤثرعلى خطوط الإنتاج والإمداد والاستهلاك وغير قادرة حتى على سد عجز محدود ولكنه مستمر لفترة طويلة.

لا إجماع

كما أن خطوة الإفراج عن جزء من الاحتياطي الاستراتيجي لا تحظى بإجماع عالمي بين أهم مستهلكي النفط ولعل الموقف الصيني خير دليل على ذلك.

فالصين رفضت الانضمام إلى حملة الوكالة الدولية للطاقة بالإفراج عن جزء من المخزون الرسمي للطوارئ.

ولا تتوافر بيانات رسمية حول حجم احتياطات بكين الطارئة من النفط الخام، إلا أن صور الأقمار الصناعية وتقدير حجم المخازن يشير إلى أن لديها 950 مليون برميل تقريباً.

بل تشير البيانات إلى أن الصين رفعت من مخزونها الطارئ بـ 30 مليون برميل في شهر فبراير الماضي، وسط تقارير باستغلالها لتراجع أسعار النفط الروسي لتحقيق المزيد من مراكمة الاحتياطي خلال مارس وأبريل وسط تخوفات بكين من مشكلات في الإمدادات لاحقاً.

وتبدو الخطوة الصينية مفهومة ومبررة وسط التصعيد الأميركي، لاسيما في الكونغرس ضد بكين لعدم اتخاذها موقفا بإدانة روسيا والدعاوى لمعاقبة الصين اقتصادياً بما يجعل الأخيرة حريصة بدرجة أكبر على مخزونها النفطي خوفًا من أي تطورات مستقبلية في هذا الملف.

إشارات متعارضة

اللافت هنا أن الأسواق تتلقى «إشارات متعارضة» ففي الوقت الذي تحاول فيه وكالة الطاقة خفض الأسعار بالضخ من مخزون الطوارئ، تظهر التهديدات الأوروبية المستمرة باستهداف النفط الروسي بالعقوبات بما يثير المخاوف في السوق ومن ثم يرفع الأسعار.

وقال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي «جوزيب بوريل»، إنه في عام 2021 دفع التكتل لروسيا 80 مليار دولار مقابل النفط و20 ملياراً مقابل الغاز، أي ما يعادل في المتوسط 250 مليون يورو يومياً، مشدداً على أن الاتحاد الأوروبي يريد حرمان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من هذه الأموال.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو تبني حظراً تدريجياً للنفط الروسي، لإعطاء ألمانيا والدول الأخرى الوقت لترتيب موردين آخرين، بما تسبب في إقفال النفط على ارتفاع أسبوعي الجمعة الماضية رغم تراجعه في بداية الأسبوع المنصرم (انخفاض دولارين في سعر البرميل).

ارتفاع رغم عوامل التهدئة

والشاهد أن استمرار مستويات أسعار النفط المرتفعة يأتي بينما تتواصل عمليات الإغلاق الصينية بشكل يحد كثيراً من زيادة سعر البرميل، الذي قد يرتفع بشدة مع انتهاء عمليات العزل الصينية، والتي يتوقع أن تنتهي جزئياً الأربعاء المقبل.

كما تستمر الأسعار المرتفعة على الرغم من الإعلان الروسي عن نية موسكو بيع النفط بـ»أي سعر» للدول الصديقة، وبيعها لملايين البراميل للهند بتخفيض سعري 25 دولاراً للبرميل، وفقاً لما أوردته «رويترز»، والحديث حول صفقات -سرية- مماثلة مع الصين لتتجنب الأخيرة العقوبات الغربية وتحصل على النفط الروسي وتُبقي روسيا على قدرة اقتصادها على الصمود في ظل العقوبات الغربية.

ويرجع وزير الطاقة الروسي نيكولاي شولجينوف رغبة بلاده في بيع النفط للأصدقاء بأي سعر لضرورة ذلك للإبقاء على صناعة النفط قائمة ويقول: «بينما النطاق الطبيعي للبيع هو 80-150 دولاراً للبرميل فإننا مستعدون للبيع بأقل من ذلك لأصدقائنا فحسب».

إذن فعلى الرغم من الصفقات الروسية والإغلاقات الصينية والضخ «الطارئ» للنفط، يبدو أن استمرار الأزمة الأوكرانية والتخوفات حول استقرار المعروض الروسي بل وحتى التخوفات الجيوسياسية من توسع الصراع ليصبح مع الناتو بدلاً من أوكرانيا يدفع سعر النفط للبقاء عند مستويات مرتفعة.

وعلى الرغم من التأكيدات المستمرة في السوق عن صعوبة التنبؤ بمستقبل الأسعار فيه، فإن الدلائل تشير لبقائها عند مستويات مرتفعة لأن التغييرات في السوق حاليا هيكلية، وتتعلق بإعادة توجيه خطوط توزيع الطاقة، مثلما قال بوتين بتوجيه النفط الروسي لآسيا بدلاً من أوروبا، وأي إجراءات أخرى «غير هيكلية» سيكون تأثيرها مؤقتاً ومحدوداً.

back to top