أدبي vs علمي

نشر في 15-04-2022
آخر تحديث 15-04-2022 | 00:04
 د. محمد عبدالرحمن العقيل إن من أهم أدوار المدرسة في المجتمع مساعدة الطلبة لاكتشاف ميولهم العلمية، ومن المفترض أن يعرض المنهج أغلب العلوم بشكل عادل، ولا يصح أن نميل بتخصص على آخر، لأنه لا يوجد تخصص أفضل من تخصص، ولكن يوجد طالب حائر يريد أن يعرف أين مكانه المناسب.

وهنا أستغرب كيف أن النظام التعليمي يرى أهمية الإعداد المسبق للمواد العلمية ويضع لها قواعد ومواد تأسيسية ولا يراها في التخصصات الأدبية! فكيف يسمح لطالب العلمي بالالتحاق بأي تخصص أدبي يريده في الجامعة، وهو لم يتعمق في دراسة الأدبي؟! وهذا يعني أنه لم يفته شيء يستحق الدراسة من الذي درسه أصحاب التشعيب الأدبي! وهذا ليس قصوراً بطالب الأدبي الذي يدرس ما يفرض عليه، بل هو قصور في المنهج الذي لم يُخطَّط له بشكل دقيق، ولم تقرر فيه مواد دسمة تخدم التخصصات الأدبية وتميزها عن غيرها، وهذا يدل أيضا على أن التخصصات الأدبية لا تحظى باهتمام النظام التعليمي العام، إن هذه المغالطات تدل على وجود خلل في تنظيم وتنسيق المناهج، التي من المفترض أن تأهل طالب الأدبي وتميزه عن غيره، كما ميزت طالب العلمي عن الأدبي وأعدته إعدادا لا بأس به.

فعلى سبيل المثال لا الحصر كيف يقبل طالب العلمي بكلية الشريعة وهو قد لا يحفظ إلا جزأين من القرآن وبدون إتقان، ولا قراءة سليمة؟! وكيف يقبل بكلية العلوم السياسية وهو غير مطلع اطلاعا كافيا بالتاريخ القديم والمعاصر وعلم نفس الشعوب! هذا لو افترضنا أن التخصصات الأدبية تُدَرّس بطريقة صحيحة وأساس قوي!

والسؤال المهم: كيف لدراسة الكيمياء والفيزياء أن تعطي الطالب انطلاقة قوية لفهم العلوم القانونية، أو الإعلامية، أو الأدبية مثلا؟! وهذا طبعا عبث بمفهوم التخصصات، ويتنافى مع معايير القبول في الجامعات العريقة التي تتأكد من أهلية الطلبة المتقدمين لدراسة التخصص قبل القبول.

إن هذا التمايز الذي يصوره النظام التعليمي هو الذي يشوش الرؤية لدى أغلب الطلبة المتفوقين للالتحاق بالتشعيب العلمي، وإن كان يتناقض مع ميولهم، فهي كالمصيدة التي تجذب أغلب الطلبة المتفوقين وتشتت جهود بعضهم لدراسة ما لا يرغبون فيه فعليا، فقط لأن التشعيب العلمي يفتح لهم المجال لدراسة أي تخصص فيما بعد، أليس من الأولى إظهار تميزهم في التخصصات الأدبية والعلوم الإنسانية التي يميلون إليها، والتي تخدم المجتمع وترتقي به عقديا وأخلاقيا واجتماعيا، فالبلد بحاجة لمواطن مخلص في عمله، أكثر من مواطن يمارس عملا لا يناسبه؟

أتمنى أن يعاد تصنيف التخصصات في الثانوية العامة، فكيف ندمج الدراسات الشرعية والإعلامية والعلوم السياسية واللغات والفنون في مكان واحد تحت مسمى التشعيب الأدبي، فهذا ليس من الدقة العلمية في شيء؟

إن حضارة الشعوب الفكرية والثقافية وإدارتها تقوم بالعلوم الإنسانية والأدبية، وأما عمرانها وازدهارها ورفاهيتها فتقوم بالعلوم الطبيعية والتطبيقية.

د. محمد عبدالرحمن العقيل

back to top