روسيا في أوكرانيا… سيناريو تشيكوسلوفاكيا أم أفغانستان؟

موسكو تضع «منجلها» على عنق «الشرق»... وزيلينسكي يُحذّر من أسبوع حاسم

نشر في 12-04-2022
آخر تحديث 12-04-2022 | 00:05
رجل ينقل باقة من الورد الاصطناعي لوضعها على قبر في مدينة ماريوبول (رويترز)
رجل ينقل باقة من الورد الاصطناعي لوضعها على قبر في مدينة ماريوبول (رويترز)
بانتظار الهجوم الروسي الكبير المرتقب على شرق أوكرانيا يتساءل الخبراء أي سيناريو ستواجهه موسكو نتيجة العملية العسكرية التي قامت بها، ويضعون نصب أعينهم مثالين في التاريخ، الأول عندما غزا الاتحاد السوفياتي تشيكوسلوفاكيا في 1968 وخرج عملياً أقوى، والآخر، عندما غزا أفغانتسان وأطلق ذلك سلسلة أحداث أدت إلى تفكك جمهورياته.
لا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا مستمرة دون تحقيق مكاسب واضحة لموسكو بعد أسابيع من انطلاقها، إلا أن الخسائر باتت أكثر وضوحاً.

تلك الخسائر قد تفضي في نهاية المطاف، وفقاً للباحث الأميركي دان نيجريا، إلى تفكك روسيا بتصاعد مطالب بالاستقلال من جانب الجمهوريات المكونة للاتحاد الروسي، في تكرار لسيناريو تفكك الاتحاد السوفياتي.

العدوان الثلاثي

ويضيف نيجريا، زميل مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلسي، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست، أن غزو روسيا المشؤوم لأوكرانيا يعيد إلى الأذهان الحملة ضد السويس (ما يطلق عليه العدوان الثلاثي في مصر) من جانب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في عام 1956 وكان تراجع بريطانيا وفرنسا المهين بمنزلة نهاية لوضعهما كقوى من الدرجة الأولى وبداية فترة مضطربة من الأزمات السياسية وفقدان الأراضي لمصلحة حركات الاستقلال.

ويضيف نيجريا الذي عمل سابقاً بمكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأميركية، أن التاريخ قد يعيد نفسه، حيث تواجه روسيا فشلاً في محاولتها لاحتلال أوكرانيا. وفي خضم هذه العملية، تتكبد موسكو خسائر فادحة في القدرة العسكرية والقوة الاقتصادية والموقف الدولي.

ومن الواضح الآن أن روسيا ليست قوة عظمى في مصاف الولايات المتحدة والصين. وتدخل فترة من الاضطرابات السياسية التي من المرجح أن تشمل مطالب بالاستقلال من جانب الجمهوريات المكونة لها تؤدي إلى تفكك الاتحاد الروسي على غرار ما شهده الاتحاد السوفياتي من قبل.

وفي عام 1956، بدت بريطانيا وفرنسا تتمتعان بالقوة. وكانتا منتصرتين مؤخراً في الحرب العالمية الثانية وقوتين أوروبيتين مهيمنتين، وعضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي وحكمتا إمبراطوريتين استعماريتين شاسعتين. وقد شعرتا بالقوة الكافية لغزو مصر لمنع الرئيس جمال عبدالناصر من تأميم قناة السويس، لكن بعد ذلك اعترضت القوى العظمى الحقيقية في ذلك الوقت، إذ هددت الولايات المتحدة بعقوبات اقتصادية، وهدد الاتحاد السوفياتي بانتقام عسكري، واضطرت بريطانيا وفرنسا إلى التراجع المهين.

واتُهم رئيس الوزراء البريطاني آنذاك أنتوني إيدن بالكذب على مجلس العموم وأجبر على الاستقالة. وبعد أن شعرت المستعمرات البريطانية بالضعف، زادت من ضغطها من أجل الاستقلال. وسقطت الملكية العراقية الموالية لبريطانيا في عام 1958 وأصبحت قبرص ومالطا مستقلتين بعد ذلك بوقت قصير. وبحلول عام 1967، استقلت أكثر من عشرين من الأراضي الخاضعة لبريطانيا.

وكانت الأزمة في فرنسا أكثر سوءاً. وجاء الانسحاب من السويس بعد عامين من استسلام الحامية الفرنسية في ديان بيان فو للفيتناميين الشماليين وعزا بعض الضباط العسكريين هذه الهزائم إلى طبقة سياسية لا تملك من القوة شيئا.

وفي عام 1958، قامت مجموعة من الضباط العسكريين والمسؤولين الاستعماريين بانقلاب في الجزائر، وانهارت الجمهورية الرابعة، وتولى شارل ديغول السلطة رئيساً للجمهورية الخامسة.

وفاز الجزائريون بحرب الاستقلال الطويلة في عام 1962 وفر 900 ألف أوروبي جزائري إلى فرنسا خوفا من الانتقام.

واكتسبت حركات الحرية قوة في جميع أنحاء المستعمرات الفرنسية.

تجاوز مكلف

ويقول نيجريا، إن الحرب الروسية - الأوكرانية التي شنها فلاديمير بوتين تعتبر بمنزلة تجاوز، وسوف تجبر موسكو على الاعتراف بحدودها ومكانتها المتضائلة. ومن المرجح أن تواجه مطالب متجددة بالاستقلال من الجمهوريات والأقاليم المكونة لها.

ويضيف أن العالم كله يشهد عجز الجيش الروسي عن استعراض قوته حتى في بلد مجاور بثلث حجمه. ويتراجع الاقتصاد الروسي تحت وطأة تكلفة الحرب والعقوبات، حيث يتجه التضخم نحو 20 في المئة، وسينكمش الاقتصاد بنسبة 10 في المئة هذا العام، ولا تعمل البورصة الروسية وانخفضت الأسهم الروسية المتداولة في لندن بأكثر من 90 في المئة.

وسيزداد تأثير العقوبات القاسية جداً والشاملة المفروضة على روسيا من معظم القوى الاقتصادية الكبرى في العالم مع مرور الوقت.

ويوضح أن العواقب السياسية الدولية للغزو واقعية بنفس القدر. فليس لدى روسيا حلفاء مهمين في هذه الحرب. ولا تقدم الصين سوى دعم ضمني. وبيلاروس حليف ولكن ليس لديها الكثير لتقدمه. وفي الوقت نفسه، فإن كل أوروبا تقريبا والولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا والعديد من دول العالم الحر الأخرى مصطفة ضد روسيا وتساعد أوكرانيا بنشاط.

ويرى نيجريا أنه يتم التعامل مع هذه التحديات الخطيرة من قبل نظام سياسي هش مبني حول ديكتاتورية بوتين الشخصية.

ويضيف أنه سيتعين على بوتين زيادة القمع الداخلي بشكل أكبر للتعامل مع عدم الرضا المتزايد عن الحرب. لكن هذا أيضاً له تكاليفه وحدوده، فهناك عدد أكبر من الأشخاص اليوم في أجهزة الأمن الروسية مقارنة بقواتها المسلحة، وعدد كبير من الأشخاص في السجون.

ويخلص نيجريا للقول، إن غزو أوكرانيا كان خطأ فادحاً في التقدير، فقد اعتقد بوتين أن الأمر سيكون مثل غزو المجر في عام 1956 أو تشيكوسلوفاكيا في عام 1968 مما جعل الاتحاد السوفياتي أقوى. بل إنها أشبه بحرب أفغانستان 1989/1979 التي تفكك بعدها الاتحاد السوفياتي وأصبحت العديد من الجمهوريات المكونة له مستقلة.

منجل روسيا

ومع تصاعد الاستنفار شرق البلاد، بين القوات الروسية والأوكرانية، حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن الأسبوع المقبل سيكون مهماً جداً ومتوتراً، وطلب من مواطنيه الاستعداد لقيام روسيا «بعمليات أكبر وأوسع في شرق بلدنا».

وتستعد القوات الروسية للتوجه شمالاً لقطع خطوط الإمداد إلى دونيتسك في دونباس، فيما تتشكل وحدات روسية أخرى بعضها تم تشكيله حديثاً وبعضها أعيد هيكلته للتقدم جنوباً نحو لوغانسك من خاركيف لاستكمال التطويق.

وتوقع «معهد دراسة الحرب»، وهو مركز أبحاث أميركي، أن تركز القوات الروسية هجومها على الحافة الشمالية لقوس على شكل منجل في شرق أوكرانيا حيث استولى الانفصاليون الموالون لروسيا والقوات الروسية على الأراضي هناك. وقال محللو المعهد إن القوات الروسية «ستجدّد العمليات الهجومية في الأيام المقبلة من بلدة إيزيوم الواقعة جنوب شرقي خاركيف في محاولة للوصول إلى الجنوب الشرقي، لكن نتائج العمليات الروسية المقبلة في شرق أوكرانيا لا تزال موضع شك كبير».

مستشار النمسا بموسكو

في المقابل، بدأت أوكرانيا أيضاً في تحريك وحدات عسكرية نحو دونباس من مناطق شمال أوكرانيا التي استعادتها بعد انسحاب القوات الروسية، بينما أعلنت وزارة الدفاع الروسية تدمير معدات لمنظومة S300 المضادة للطائرات كانت دولة أوروبية قد زودت بها أوكرانيا في مدينة دنيبروبتروفسك، بينما توعد رمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان الروسية الذي يتمتع بحماية بوتين، بالدخول إلى كييف وغيرها من المدن الأوكرانية. الى ذلك، زار المستشار النمساوي كارل نيهامر، موسكو حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، ليكون بذلك أول زعيم دولة غربية يقدم على هذه الخطوة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، في «مهمة دونها مخاطر».

وكان نيهامر، الذي زار أوكرانيا قبل يومين والتقى زيلينسكي، قال إنه ينوي «بذل كل ما في وسعه لتحقيق تقدم نحو السلام» حتى لو كانت الفرص ضئيلة.

مستشار النمسا أول زعيم دولة غربية يلتقي بوتين في موسكو
back to top