تجاوز الأزمة السياسية يستلزم مشروعاً اقتصادياً

• المحاصصة والفردية تحفّزان الصفقات السريعة على حساب الحلول المستدامة
• انعدام قدرة الدولة في المحافظة على سقف الإنفاق صورة أخرى للتردي الاقتصادي

نشر في 07-04-2022
آخر تحديث 07-04-2022 | 00:12
محمد البغلي
محمد البغلي
تقف الكويت مجدداً هذه الأيام أمام إحدى أزماتها السياسية المتكررة عقب استقالة الحكومة وما يمكن أن يترتب عليها من حل لمجلس الأمة والعودة إلى صناديق الاقتراع، بعد أن أمضى البرلمان بالكاد ربع مدته الدستورية المقررة، وقضى معظم هذه الفترة في توقّف للجلسات أو انتظار لتشكيل الحكومات، في مشهد غلب عليه الصّدام بين السلطتين أكثر من الوفاق.

وإذا تشكلت حكومة جديدة خلال الأشهر المقبلة بالتوازي مع انتخابات برلمانية جديدة؛ فهذا يعني أن الكويت شهدت منذ بداية عام 2006 نحو 19 حكومة بمتوسط 9.5 أشهر للحكومة الواحدة، و9 انتخابات برلمانية بمتوسط 20 شهراً للبرلمان الواحد، مما يعني من زاوية أننا أمام حالة عدم استقرار، ليس سياسياً فقط، إنّما يمتد أثرها على مختلف أوجه الحياة في الكويت، خصوصاً في أبعادها التنموية والاقتصادية والمالية، ومن زاوية أخرى أمام مسؤولية اتخاذ خطوات للمعالجة تستهدف الأسباب لا النتائج.

ولعلّ أكثر ما يقوّض تجربة الديموقراطية في الكويت، رغم فرادتها في المنطقة الخليجية، أنها غير مكتملة، ليس فقط في خلطها بين النظامين الرئاسي والبرلماني، إنّما في تفاصيل أخرى ترتبط من جهة باختلال يشمل السلطتين من جهة اختيار مجلس الوزراء وفق قواعد المحاصصة العائلية والقبَلية والطائفية، بما يجعل مؤسسات الدولة رهناً لقواعد هذه المحاصصة، وتشكّل مجلس الأمة وفق الاختيار الفردي بشكل يحفز من المشاريع الشعبوية، خصوصاً ذات الكلفة المالية العالية، ناهيك بأن العثرات التي تعرّضت لها الكويت في اتجاه تطوير العمل الديموقراطي أفضت إلى تراجع الإدارة التي تعتمد غالبا على معايير لا علاقة لها بالكفاءة.

محاصصة وفردية

هذا النمط الإداري من المحاصصة والفردية يعتبر البيئة الأنسب لتردّي مختلف أوجه الاقتصاد والمالية والخدمات في البلاد، بما في ذلك كسر القواعد المتفق عليها حكومياً قبل أسابيع قليلة، فمثلاً لم تكد السنة المالية الجديدة 2022/ 2023 تبدأ مطلع الأسبوع الجاري حتى حمّلتها الحكومة أعباء مالية إضافية كسرت سقف الإنفاق الذي وضعته الحكومة نفسها عند تقديم مشروع الميزانية العامة للدولة، متضمنة أول خفض لمصروفات الميزانية منذ عام 2014 بواقع 4.8 بالمئة عن العام الماضي.

كسر السقف

والأمثلة على كسر سقف المصروفات عديدة، وبعضها قديم ومتكرر، لكنّ أحدثها كان مطلع هذا الأسبوع بصدور المرسوم المتعلق بالبدل النقدي لبيع الإجازات لجميع الموظفين في الجهات الحكومية، ليشكّل كلفة إضافية ربما يصعب تقديرها على ميزانية الدولة المقدمة إلى مجلس الأمة عند 21.9 مليار دينار، إلى جانب إعلان رغبة الحكومة قبل شهر في تحميل ميزانية الدولة أعباء لم تكن مدرجة في بنود الميزانية عند إعدادها تتعلّق بتمويل العجز الاكتواري للتأمينات الاجتماعية بـ 500 مليون دينار سنوياً من الخزينة العامة، لحين انتهاء العجز، ومهما كان الرأي في كلفة "بيع الإجازات" أو تمويل العجز الإكتواري، فإنه يظل مشكلة أصغر من أزمة أكبر، وهي انعدام قدرة الدولة في المحافظة على سقف محدد للإنفاق في الميزانية، التي تعد بافتراضات أصلاً ليست متحفظة، مما يجعل تجاوزها أشبه بالانفلات الذي لا يجد مَن يكبحه.

لا شك في أن كسر سقف الإنفاق ليس التعبير الوحيد، وإن كان الأحدث والأوضح لكيفية الاستهانة بقواعد اقتصادية وتكاليف مالية يفترض التعامل معها بالقدر، الذي تستحقه من الحصافة وجودة الإدارة لا يمكن - مع الأسف - تحقيقهما في ظل استمرار العلاقة بين السلطتين بصيغتيهما الغالب عليهما المحاصصة والفردية.

برامج سقيمة

فالكويت بحاجة إلى مشروع اقتصادي - تنموي يكون هو مَن يرسم العلاقة والتعامل بين السلطتين، حيث يتم اختيار الوزراء وفقاً لكفاءتهم في إدارة هذا المشروع وينتخب أعضاء مجلس الأمة - كجماعات سياسية وأحزاب - وفقاً لرؤاهم وبرامجهم الخاصة في الرقابة والتشريع لهذا المشروع، فلم يعد مقبولاً مع تنامي تحديات سوق العمل وتقلبات أسعار النفط وتنامي المصروفات بصورة لا يمكن كبحها، الاستمرار في تقديم برامج عمل سقيمة للحكومة معظم صياغتها تغلب عليها المواربة وتخلو من الصراحة والوضوح، فضلاً عن خلوها من أي قيمة تنموية، فقط لنتحاشى - والعبء الأكبر هنا يقع على مجلس الوزراء - أي عمل أو مبادرة اقتصادية يمكن أن تؤدي إلى صِدام سياسي تكون نتيجته سقوط الحكومة أو حل مجلس الأمة… فالأصل أن تعمل الدولة على مشروع للمستقبل، ويكون رحيل الحكومة أو مجلس الأمة مرتبطاً بمدى نجاح هذا المشروع أو فشله.

تحديات قادمة

ومشروع المستقبل، الذي تريده الكويت ليس ترفاً، إنما حاجة ملحّة تتطلب في أولها مناقشة مجموعة من القضايا كآثار دخول الكويت لسوق الديون السيادية، ومدى حصافة الاقتراض في ظل سياسات الهدر وتعاظم الإنفاق وكفاءة توجيه مصروفات الميزانية لمصلحة المشروعات ذات القيمة التنموية أكثر من الاستهلاكية، وكيفية إعادة تنمية الاحتياطي العام بعد استهلاك سيولته خلال أقل من 5 سنوات، ناهيك بتنمية الإيرادات غير النفطية وتحديات سوق العمل والتركيبة السكانية وخلق بيئة استثمارية مجدية للمستثمر المحلي والأجنبي، ومعالجة إخفاقات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب خلق فرص العمل لنحو 400 ألف كويتي وكويتية قادمين إلى سوق العمل خلال 10 سنوات وأقل… وهذه كلها تحديات لا يمكن التعامل معها وفق بيئة المحاصصة والفردية التي تحفز الصفقات السريعة على حساب الحلول المستدامة.

محمد البغلي

بات متوسط عمر الحكومة خلال آخر 16 عاماً 9.5 أشهر والبرلمان 20 شهراً!

في الوضع الحالي تصعب مناقشة أي قضية اقتصادية مهما كانت أهميتها

الأصل أن تعمل الدولة على مشروع للمستقبل ويكون رحيل الحكومة أو مجلس الأمة مرتبطاً بمدى نجاح هذا المشروع أو فشله
back to top