فرسان المسرح العربي

زكي طليمات... الأب الروحي للمسرح الكويتي

نشر في 03-04-2022
آخر تحديث 03-04-2022 | 00:04
قدم عميد المسرح العربي الفنان المصري زكي طليمات إسهامات بارزة في مجال المسرح، ويعد أحد أهم رواد المسرح في مصر وعلى المستوى العربي عمومًا، وهو مؤسس المعهد العالي للفنون المسرحية في مصر كما شارك في تأسيس العديد من المعاهد المماثلة والمسارح في عدة دول عربية من بينها الكويت، وهو أول عميد لمعهد التمثيل في بلاده، وتتلمذ على يديه كبار نجوم الفن، وامتدت مسيرته لأكثر من نصف قرن، حتى رحيله يوم 22 ديسمبر عام 1982.
خلال مسيرة فنية طويلة، ققدم الفنان زكي طليمات أكثر من 350 عرضًا مسرحيًا، منها “أهل الكهف” للكاتب الكبير توفيق الحكيم، و”غادة الكاميليا” عن رواية للأديب الفرنسي ألكسندر دوماس “الابن”، وأخرج 12 مسرحية منها “ابنُ جَلا” تأليف محمود تيمور، و”مريض بالوهم”، و”المتخذلقات” للكاتب الفرنسي موليير.

وعمل على ترجمة عددٍ من الأعمال المسرحية العالمية منها “الجلف” للكاتب الروسي أنطون تشيكوف، وكتب الكثير من المقالات في الجرائد والمجلات العربية، ومنها “العربي” الكويتية و”الهلال” المصرية، وأصدر عدة كتب منها “فن الممثل غير فن الملقن والخطيب” (1945)، و”فن التمثيل العربي” (1965)، و”ذكريات ووجوه” (1981).

واشتهر طليمات بدور “الدوق آرثر” في فيلم “الناصر صلاح الدين”، وشارك في أفلام سينمائية قليلة، لانشغاله الدائم بالمسرح، ودوره الأكاديمي كأستاذ لمادة التمثيل المسرحي، وكان مشرفًا على المسرح المدرسي، ومديرًا للمسرح القومي، ومديرًا عامًا للمسرح المصري الحديث، ومشرفًا فنيًا على فرقة البلدية في تونس من عام 1954 إلى 1957، ثم مشرفًا فنيًا على المسرح العربي في الكويت، إذ يعد الأب الروحي للمسرح في الكويت التي بقي فيها حتى أوائل السبعينيات، ثم انتقل إلى الإمارات ليؤسس مسرحها.

أنصار التمثيل

شهد طليمات بدايات القرن الماضي، وانتشار الفرق المسرحية الجوالة في الأحياء الشعبية بالقاهرة، وساهمت نشأته في حي عابدين الشهير بالقاهرة في تعلقه بالفن، وكان والده ذا أصول سورية، ووالدته مصرية من أصول شركسية، وتعلم في كُتَّاب الشيخ محمد المتيني بضاحية “السيدة زينب”، ثم التحق بمدرسة محمد علي الابتدائية، وانتقل منها إلى مدرسة الحسينية الابتدائية، وحصل على الشهادة الابتدائية في عام 1909، والتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية ثم المدرسة الإلهامية الثانوية، والتحق بمدرسة المعلمين العليا، وترك الدراسة في السنة الثالثة عام 1917.

وفي العام ذاته، ارتبط بجمعية أنصار التمثيل، وانضم إلى فرقة “عبدالرحمن رشدي”، واعتلى خشبة المسرح لأول مرة في مسرحية “الرداء والشمس المشرقة”، وعمل موظفًا فى حديقة الحيوان، وهناك كان يراقب سلوك القِردة مع الزائرين، ووجد أنها تقوم بحركات تلقائية من دون مبالغة، وتعلم منها أهم دروس فن التمثيل.

في تلك الفترة، اقترب طليمات من عالم الصحافة، وانتظم في كتابة مقالات نقدية، يتناول فيها سلبيات الحركة الفنية، ووقتها انتقل لفرقة “جورج أبيض”، لكنه تركها بسبب انتقاده لصاحبها في أحد مقالاته، وغضب منه أبيض، وأُغلِقَت في وجه الممثل الشاب أبواب الفرق الأخرى.

بعثة باريس

وأصر طليمات على الكتابة النقدية، وطموحاته الكبرى في الارتقاء بالمسرح المصري، ووقتها اشترك مع نجمة المسرح روز اليوسف والصحافي اللامع محمد التابعي في إصدار مجلة “روز اليوسف” عام 1925، ودخل مع روز في مسابقة وزارة المعارف، وفاز بالجائزة الأولى فأوفدته الوزارة في بعثة إلى فرنسا لدراسة فن التمثيل في باريس في مسرح “الكوميدي فرانسيز” و”الأوديون”.

وفي باريس احترف مهنة التمثيل لمدة عامين، وجمع بين دراسته لفنون المسرح وتحصيل علوم أخرى، تعتبر من مقومات الممثل، وتأتي في مقدمتها الفلسفة وعلم النفس.

المسرح الشعبي

وقضى زكي طليمات في فرنسا خمس سنوات، ثم عاد إلى مصر في عام 1929، حاصلًا على دبلوم في الإلقاء والأداء وشهادة في الإخراج، وعُين مديرًا للفنون الجميلة، وبدأ يخطط لنشر الثقافة المسرحية بين فئات المجتمع، وفي ذلك الوقت زار مصر “دني دينيس” مدير مسرح “الكوميدى فرانسيز” في باريس، وتحدث عن أهمية الارتقاء بالمسرح المصري، وضرورة إنشاء معهد لتعليم فنون التمثيل.

وتبنى طليمات فكرة مدير “الكوميدي فرانسيز” وأعلنت جريدة “روز اليوسف” في منتصف أبريل عام 1930 إقامة معهد لفنون التمثيل، وجرى إنشاؤه في نفس العام، لكنه لم يستمر سوى عام واحد، وأغلق بعد ذلك بأمر من الملك فؤاد الأول، خشية إنتاج مسرحياتٍ ذات صبغة سياسية.

وفي العام ذاته نُقل طليمات سكرتيراً لدار الأوبرا، وواتته فكرة ساخرة للرد على إغلاق المعهد، فأنشأ وترأس “جمعية الحمير” مع عدد من رموز الأدب والفن في ذلك الوقت منهم عميد الأدب العربي طه حسين، وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم والسيد بدير، وقامت الجمعية بدعم الحركة المسرحية، ثم تحولت بعد إنجاز مهمتها إلى جمعية خيرية لجمع التبرعات للفقراء.

وأسس طليمات الفرقة القومية للمسرح عام 1935، واستمرت عروضها لمدة سبعة مواسم، وبعد تعثرها أعلن حلها في 1945، وكان أول من أخرج أوبريت للفنون الشعبية، وأسس المسرح المدرسي في عام 1937، وظل مشرفًا عليه حتى 1952، وسافر في بعثته الثانية لدراسة المسرح الشعبي بألمانيا وفرنسا عام 1937، وأسس عند عودته وحدتين للمسرح الشعبي.

وافتتح معهد التمثيل مرة أخرى عام 1944، وتحوّل فيما بعد إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، وعيُن طليمات كأول مدير للمعهد، وأضاف إليه أقسامًا أخرى، كما وضع نواة مسرح القطاع العام، وأنشأ فرقة المسرح القومي، وضم إليها 14 من خريجي المعهد، وفرقة المسرح المصري الحديث عام 1950.

بصمات إبداعية

وأثمرت جهود طليمات عن نقلة نوعية في كافة عناصر العمل المسرحي، وظهور أجيال من الفنانين الدارسين، سواء في التمثيل أو الإخراج أو الديكور والأكسسوارات المسرحية. ولاحقا أصبحوا نجومًا، وأكملوا مسيرة التطوير، منهم المخرجون حمدي غيث وعبدالرحيم الزرقاني وكرم مطاوع وسعد أردش ونبيل الألفي وكمال ياسين، ومن الممثلين فريد شوقي وشفيق نور الدين وسعيد أبوبكر وسميحة أيوب وسناء جميل ومحمد السبع ومحمود عزمي وعمر الحريري وشكري سرحان ونعيمة وصفي.

ومهَّد الدور الأكاديمي لطليمات، وقناعته بخصوصية هوية الإبداع المسرحي، لظهور جيل من الكُتَّاب المسرحيين، أضاءوا بإبداعهم المتميز جنبات مسرح القطاع العام بفرقه المختلفة، منهم الرواد توفيق الحكيم ومحمد تيمور وعزيز أباظة، ومن جيل الستينيات نعمان عاشور وعبدالرحمن الشرقاوي وسعد الدين وهبة ويوسف إدريس ورشاد رشدي، ومن الجيل اللاحق محمود دياب وميخائيل رومان وصلاح عبدالصبور.

وقد ترك الفنان زكي طليمات بصمة ابداعية متفردة، ولا يزال حضوره يتجدد في الساحة الثقافية حتى اليوم، وباتت إنجازاته الفنية والأكاديمية مرجعًا مهما للباحثين ومؤرخي الحركة الفنية، لدوره الريادي غير المسبوق في تاريخ المسرح العربي.

قصة زواجه «روز اليوسف»

لعبت المصادفة دورًا كبيرًا في زواج زكي طليمات ورائدة المسرح والصحافة روز اليوسف، عندما ذهب إلى منزلها بصحبة أحد كتاب المسرح لرؤيتها وجهًا لوجه بعيدًا عن خشبة المسرح، لتفتح لهما النجمة الكبيرة الباب، وفي يدها سكين وثمرة بطاطس، وجلسوا في الصالون، واستمرت في تقشير البطاطس، وسألته عن اسمه، وقالت له “طيب زكي مفهوم، لكن إيه سي طليمات دي؟.. تعرف تقشّر بطاطس؟، تعرف تطبخ؟”، ليرد طليمات بالنفي، وتسأله مرة أخرى “تعرف ترقص؟”، وتعجب طليمات مستفسرًا عن علاقة كل هذا بالمسرح، وأجابته روز اليوسف بقولها: “لما تعرف العلاقة بينهم ستصبح ممثلًا بجد”!

وأعجب زكي بالنجمة روز اليوسف، وتزوجها، لتكون الزيجة الثانية في حياتها بعد الفنان محمد عبدالقدوس، لكنه انفصل عنها بعد 20 عامًا بسبب انشغالها بالعمل الصحافي، وله منها ابنته آمال طليمات، ثم تزوج الفنانة إحسان شريف، ورحل في 22 ديسمبر 1982 عن عمر يناهز 88 عامًا.

مؤسس معهد التمثيل يطالب بإغلاقه!

أسس زكي طليمات معهد التمثيل عام 1930، وتولى إدارته ولكن الحكومة أغلقته بعد سبعة أشهر، ثم تولى عمادة المعهد إثر افتتاحه مرة ثانية عام 1945. والمفارقة أن طليمات بعد سنوات، كان له رأي آخر في معهد الفنون المسرحية، وقال في مقابلة تلفزيونية، إنه لو كان مسؤولًا، سيكون أول قرار يتخذه، التخلص من العمالة الزائدة في الفرق التمثيلية التي تعمل بالقطاع العام، لأن الفرقة تتكون من سبعين فردًا يعمل منهم فعليًا أربعون فقط.

وطالب طليمات بإلغاء معهد فن التمثيل لمدة 5 أو 10 سنوات على الأقل، رغم أنه مؤسسه، وبرر ذلك أن المعهد وقت انشائه كان ضرورة لتقديم وجوه جديدة تجمع بين حسن الاستعداد للتعلم والمعرفة والمستوى الأدبي، ولكن الأمر تغيَّر، وأصبح خريجو المعهد يعملون في مهن أخرى، وفي فترة التوقف يُعاد وضع تخطيط جديد لمنهج الدراسة، فالمعاهد تغيّرت عن أيام زمان.

طليمات يشيد بنجوم المسرح الكويتى

قام الفنان زكي طلليمات بدور كبير في انطلاق الحركة المسرحية الكويتية وتعددت مهامه كمدير للمسرح ومخرج وممثل، والتف حوله ـ آنذاك ـ مجموعة من الشياب الموهوبين، ولاحقًا أصبحوا من نجوم المسرح الكويتي.

وفي لقاء أجرته معه إحدى الصحف الكويتية عام 1977، قال طليمات: “حضرت إلى الكويت، وشعرت بالرغبة الصادقة من المسؤولين في إقامة حركة مسرحية، كما أحسست بنفس الرغبة من مجموعة الشباب المتحمس والصادق مع نفسه ومع بلده وأهله، وكان هذا كافيًا لإحساسي بالثقة، بأن البذرة سوف تنبت وأن البيئة صالحة، وبدأنا بإنشاء المسرح العربي في عام 1961”.

وارتكزت مهمة طليمات على وضع تخطيط يستهدف إيجاد وعي مسرحي وحركة مسرحية يقومان على القواعد العلمية الصحيحة، بعيدًا عن الارتجال والعفوية، ودعا إلى إنشاء المسرح المدرسي مع الاهتمام بنشر الوعي المسرحي في مختلف وسائل الإعلام.

وفي ذلك الوقت، ولم تكن المرأة الكويتية قد نزلت إلى ميدان المسرح، فكانت الأدوار النسائية يمثلها رجال، فدعا إلى نزول المرأة إلى العمل المسرحي، وتقدمت فنانتان فقط هما رائدتا العنصر النسائي في المسرح الكويتي، وهما مريم الصالح ومريم الغضبان.

وأشاد طليمات بالمسرح الكويتي الذي أصبح علامة واضحة في المسرح العربي، وأبدى إعجابًا شديدًا بالفنانين محمد المنصور وسعاد عبدالله وغانم الصالح، وتوقع لهم التفوق، وقال عن الفنان عبدالحسين عبدالرضا، إن هذا الشاب ممثلٌ مسرحي ناجح بكل المقاييس، ووضعه في الصف الأول مع نجوم المسرح العربي، ومن الوجوه النسائية مريم الصالح، لامتلاكها طاقة تمثيلية كبيرة.

الحجر المنزلي يحوله من «التربية» إلى المسرح

عندما أنهى زكي طليمات دراسته الثانوية، أراد أن يعمل في حقل التدريس، والتحق بمعهد التربية، وصار من أبرز المتفوقين به، لكن في السنة الأخيرة، وبينما كان يستعد لخوض الامتحان النهائي، مرضت والدته بحمى التيفوئيد، فطلبت منه إدارة المعهد ألا يحضر إلا بعد مرور أكثر من شهر على شفاء والدته، حتى لا تنتقل العدوى إلى زملائه. واضطر طليمات للبقاء في المنزل، وبدأ في كتابة نص مسرحي، وأعجبت فرقة جورج أبيض بالنص، ووافقت على انتساب الكاتب الشاب إلى عضويتها، ولم يعد طليمات بعد شفاء أمه إلى المعهد، بل واصل في المجال المسرحي.

وبعد ثلاث سنوات، قرر التوقف عن النشاط الفني، وعدم المشاركة في عروض دون المستوى، وبحث عن عمل، حتى علم أن مدير حديقة الحيوان في حاجة لموظف شاب يجيد اللغة الإنجليزية، فالتحق بالوظيفة، وبينما كان يعمل في الحديقة، سمع عن مسابقة في التمثيل تقيمها الدولة، فشارك بها، وربح المركز الأول، وابتعث لدراسة التمثيل في فرنسا على نفقة الدولة.

ساهم في نهضة المسرح بالكويت وتونس والإمارات

تقمص أول أدواره في «الرداء والشمس المشرقة»

مقالاته في النقد المسرحي أغضبت جورج أبيض

عاد من بعثة باريس بشهادة في الإخراج المسرحي

تعلم أهم دروس التمثيل من القرود في حديقة الحيوان!
back to top