هل صعّد بايدن المواجهة في أوكرانيا للتو؟

نشر في 30-03-2022
آخر تحديث 30-03-2022 | 00:00
 آسيا تايمز من الواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعرّض لضغوط سياسية مكثفة كي يُحقق النصر في أوكرانيا في أسرع وقت ممكن، حيث تفيد التقارير أيضاً بأن بوتين أَمَر جيشه بإنهاء هذه الحرب التي تفتقر إلى الشعبية بحلول 9 مايو، أي بعد مرور 11 أسبوعاً فقط على بدء الغزو الشامل وتزامناً مع ذكرى انتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

انتشرت أنباء من روسيا مفادها أن موسكو أمرت قواتها العسكرية بإعادة التركيز على تهدئة الأجزاء الشرقية الناطقة باللغة الروسية في أوكرانيا، حيث تفرض روسيا سيطرتها على المنطقة ظاهرياً منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، مما يثبت، برأي الكثيرين، أن بوتين يبحث عن مخرج للأزمة،

فمن غير المنطقي إذاً أن يركب الرئيس الأميركي جو بايدن الطائرة الرئاسية، بعد غيابه شبه التام على مر هذه الحرب المأساوية، ويتجه إلى بولندا كي يدلي هناك بتصريحَين شائبَين في هذه المرحلة المفصلية من العلاقات الروسية الأوكرانية، لكن هذا ما فعله للأسف.

تكلم بايدن المعروف بزلاته غير المناسبة أمام مجموعة من عناصر الجيش الأميركي في بولندا وأخبر الفرقة الجوية 82 بأنها ستتجه إلى أوكرانيا، ثم قصد بايدن العاصمة وارسو وتخلى عن خطابه المُحَضّر مسبقاً وأعلن أن عهد الرعب الذي يقوده فلاديمير بوتين في موسكو يجب أن ينتهي، فهذا الموقف يأتي بعد أسبوع على اعتباره نظيره الروسي "مجرم حرب"!

لا يصعب أن نصدّق أن بايدن يدعم فعلاً نشر القوات الأميركية في أوكرانيا أو يريد إسقاط نظام بوتين كما فعلت الولايات المتحدة مع نظامَي صدام حسين أو معمر القذافي (ثم حاولت إسقاط نظام بشار الأسد في سورية).

لكن يُفترض أن نتساءل عن السبب الذي يدفع بايدن إلى التورط لهذه الدرجة في أزمة جيوسياسية قد تتخذ منحىً نووياً في أي لحظة، في حين تتجه الحكومتان الأوكرانية والروسية إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف تصعيد الوضع، ولماذا لم يظهر بايدن فوراً لتصحيح موقفه إذا ارتكب زلة لسان فعلاً؟

قد يظن البعض أنه لم يُخفق في تصريحاته أصلاً.

يحمل بايدن سجلاً طويلاً من الهفوات، لكنه معروف أيضاً بإحداث تغيرات سياسية جذرية وتغطية تلك السياسات الراديكالية بمزاعم مرتبطة بحصول سوء تفاهم، حيث أقنع بايدن باراك أوباما، حين كان نائب الرئيس، بدعم زواج المثليين مع أن أوباما ومستشاريه في البيت الأبيض شعروا بالقلق من تهميش جزء من الناخبين خلال الانتخابات اللاحقة في عام 2012.

يدعم بايدن حقوق المثليين منذ فترة طويلة، وقد أدلى حينها بتصريح علني لدعم المساواة في الزواج، فبدا وكأنه يتكلم نيابةً عن أوباما، وحين واجه بايدن انتقادات من الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه، قال بكل بساطة إنه أخطأ في التعبير عن موقفه، لكن الأوان كان قد فات على تغيير كلامه، فأصبح أوباما حينها محاصراً وبدأت قاعدته الشعبية تطالبه بتنفيذ الوعود التي أطلقها حين ترشّح للرئاسة في عام 2008، مع أن بايدن هو الذي كان يؤيّد بشراسة السياسات التي مهّدت لهذا الوضع الشائك وأثارت استياء أوباما في تلك الفترة.

عادت الظروف وصبّت في مصلحة أوباما في نهاية المطاف نتيجة دعمه للمساواة في الزواج، لكن ذعرا شديدا ساد في تلك الفترة بسبب "الإخفاقات" العلنية التي ارتكبها بايدن، ويبدو أن الوضع نفسه يتكرر اليوم للأسف. في اللحظة التي بدأت فيها الظروف توحي بتهدئة الوضع في أوكرانيا، تحرك بايدن وأجّج الأزمة الجيوسياسية بتعليقاته، ربما حصل ذلك بكل بساطة لأن بايدن يعتبر بوتين رجلاً شريراً كما سبق أن قال خلال حملته الرئاسية في 2020.

ربما يريد بايدن إلهاء الشعب الأميركي كي يغفل عن عهده الرئاسي الفاشل، أو ربما يظن بايدن والمخططون التقدميون الراديكاليون في فريقه أن أزمة أوكرانيا تسمح لهم بتنفيذ أكثر النقاط تطرفاً في أجندتهم (على غرار "الصفقة الخضراء الجديدة") بحجة "التصدي لروسيا"، أو ربما يريد فريق الأمن القومي الذي يرأسه بايدن أن يستمر الصراع لفترة أطول لضمان استنزاف العناصر والقدرات العسكرية الروسية الأساسية، مما يؤدي من وجهة نظرهم إلى تبديد أي خطر يطرحه الجيش الروسي التقليدي على الغرب ككل (وبغض النظر عن كلفة استمرار الصراع على أوكرانيا أو احتمال اندلاع حرب عالمية نووية)، لكن قد يتعلق هذا الإخفاق أيضاً بقلة كفاءة الرئيس بكل بساطة.

بغض النظر عن الأسباب، من الواضح أن بايدن صعّب على أوكرانيا إنهاء الصراع بطريقة تضمن لها الحفاظ على جزء من استقلالها، وبعد تعليقات بايدن الأخيرة، من المتوقع أن يستمر الصراع لفترة إضافية، حتى أن روسيا قد تُصعّد المواجهة بطرق غير تقليدية لتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن فلاديمير بوتين لا يشبه صدام حسين وأن أي محاولة لإسقاط نظامه ستنتهي بكارثة على واشنطن.

تترافق الانتخابات دوماً مع عواقب معينة، فنحن ندفع جميعاً ثمن إخفاق رجلٍ صوّت له 81 مليون أميركي في عام 2020 لأنهم اعتبروه خياراً أفضل من دونالد ترامب، لكن لم يضطر العالم للتعامل مع أي غزو روسي لأوروبا خلال عهد ترامب، ومن المؤسف أن نصل إلى هذا الوضع الكارثي بسبب إخفاقات السياسة الخارجية الأميركية ونزعة بايدن ومستشاريه المفرطة إلى دعم العولمة الديموقراطية.

لم تبدأ الحرب العالمية الأولى في الماضي لأنها كانت حتمية، بل بسبب شخصيات القادة في تلك الفترة، فكان القادة حينها متطرفين، على غرار الزعماء اليوم، لم يفهموا قدرات الطرف الآخر ونواياه الحقيقية، وأدى هذا العجز عن فهم الأعداء وطرح استراتيجيات مناسبة لتجنب الصراع إلى واحد من أسوأ الصراعات المدمّرة في التاريخ، وربما تتكرر الأحداث نفسها اليوم في أوروبا.

* براندون وايكرت

Asia Times

back to top