كاد المعلم أن يكون «ناطوراً»!

نشر في 18-03-2022
آخر تحديث 18-03-2022 | 00:00
 د. محمد عبدالرحمن العقيل عندما فتحت المدارس أبوابها بعد إغلاق قارب السنتين، كان أغلب المعلمين في حماس وشوق للعودة للتدريس الوجاهي المعتاد، ولقاء أبنائهم الطلبة، وكان من المتوقع أن يتم تقليص المحتوى العلمي في المقررات الدراسية كما تم تطبيقه في مرحلة التعليم عن بعد، وأن يكون التركيز أكثر على المواد الاختيارية والأنشطة المدرسية، فالمواد الاختيارية كما تعلمون مواد عملية تعطي الطلبة طاقة إيجابية وتحفزهم على التعليم وتربطهم أكثر بالأجواء المدرسية، خصوصا بعد الإغلاق الكلي والجزئي والحبس المنزلي الذي اغتم منه الجميع، ولكننا فوجئنا بأن معلمي المواد الاختيارية مكلفون جميعا بالوقوف عند باب المدرسة لقياس درجة حرارة الطلبة قبل الدخول!

فهل آخر ما توصلت إليه وزارة التربية هو الاستهانة بالمواد الاختيارية وتجريد المعلم من وظيفته؟! وهل أصبح مفهوم التربية مقتصراً على تلقين محتوى الكتاب لحفظه في الذاكرة المؤقتة ثم استرجاعه في ورقة الامتحان؟! ومن يدري إن كانت بمساعدة "البرشامة" أو الاتصال بصديق قريب أو عبر الأثير "بالسماعة"؟! ويا ليتها كانت مجزية، "فأكثر" المقررات المفروضة عبارة عن حشو معلومات فائضة عن اللازم، حتى أصبح بعض الطلبة يحفظ أشياء لا يفهمها، ولا يعرف كيف يطبقها في أرض الواقع، فهم يتعلمون كيف يجتازون الامتحانات فقط لا كيف يستفيدون منها في حياتهم العملية والوظيفية.

هل نحن نتعامل مع بشر لهم كيان وروح ومشاعر؟ أم مع جهاز حاسوب نُدخل فيه البيانات فقط؟!

هل تعلم عزيزي القارئ أن المواد الاختيارية هي المواد التي تعد في صميم التربية إذا أُخذت بجدية من الوزارة، وصار لها اعتبار أكبر كما هي الحال في الدول الرائدة في التعليم كأميركا وفنلندا اللتين تهتمان في مناهجهما ببناء شخصية الطالب.

إن المواد الاختيارية مواد تركز على الجانب السلوكي والوجداني للطلبة، وهي التي تعطيهم مساحة مفتوحة لإظهار تميزهم وإبداعاتهم، وطريقة تفكيرهم في معالجة الأمور على سجيتها وبدون تكلف أو غش، فهي تتيح لهم المجال للتعبير عن ذواتهم ومشاعرهم، من خلال التفرد في الأعمال الفنية الحرة، أو أحيانا في إظهار شجاعتهم وتألقهم في الأنشطة الجماعية المنظمة، وهي مواد تكثر فيها الحوارات المفتوحة والعفوية التي يستأنس بها الطلبة، فلماذا لا تؤخذ هذه المواد بجدية في المناهج؟ ولماذا لا تكون أساسية ويكون لها نسبة عالية في المعدل؟ أليست من الأهداف التربوية؟

يقول الشيخ والداعية أحمد القطان: أكثر شخص أثر في حياتي ولا أزال أذكره هو أستاذ شوقي، معلم مادة التربية الفنية، ذلك المعلم المبدع الذي كنا ننتظر حصته في غاية الشوق والذي زرع فينا الكثير من القيم الطيبة.

شكراً جزيلاً يا أستاذ شوقي، يا من غرست أولى بذرات القيم الطيبة في عمالقة الدعوة، ولكن اعذرني؛ فقد تدهور التعليم، ولو كنتَ موجوداً إلى الآن بخبرتك وعطائك وإبداعاتك، لجعلوك تقف عند باب المدرسة لتقيس درجة الحرارة!

● د. محمد عبدالرحمن العقيل

back to top