تسليح أوكرانيا يستحق المجازفة

نشر في 18-03-2022
آخر تحديث 18-03-2022 | 00:03
جانب من شحنات الأسلحة الغربية التي وصلت إلى أوكرانيا
جانب من شحنات الأسلحة الغربية التي وصلت إلى أوكرانيا
من المستبعد أن تكون المساعدات المقدمة لأوكرانيا وحدها حاسمة لترجيح كفتها في الحرب، حتى أنها قد تجازف بتصعيد المواجهة، لكنها أداة فاعلة لمنح أوكرانيا فرصة القتال تزامناً مع إضعاف أي مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا.
أطلق الغزو الروسي الذي ينفّذه الرئيس فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا موجة مكثفة من عمليات نقل الأسلحة من الغرب نحو البلد المحاصر، حيث التزمت الولايات المتحدة وحدها بتقديم أسلحة بقيمة مليار دولار خلال هذه السنة، كذلك، تعهّد أكثر من 20 بلداً آخر بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا، وسبق أن أرسل البعض المعدات أو قدّم أشكالاً أخرى من المساعدة، وترافق جزء من هذه الالتزامات مع تغيّر جذري في السياسات القديمة، فبعد أيام قليلة على هجوم بوتين ضد أوكرانيا مثلاً، انتقلت ألمانيا من منع نقل الأسلحة ألمانية الصنع إلى تسليم ألف سلاح مضاد للدبابات و500 صاروخ مضاد للطائرات لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها.

يترافق نقل الموارد العسكرية والمساعدات من الغرب إلى أوكرانيا غير المنتسبة إلى حلف الناتو مع أسئلة أساسية حول المجازفة بتصعيد المواجهة مع موسكو. تهدف هذه الأسلحة التي يرسلها الأميركيون وحلفاؤهم إلى قتل الروس، فكيف يمكن أن تتابع الدول الغربية تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات من دون انتزاع ردّ من بوتين؟ وإلى أي حد سيكون ذلك الرد خطيراً؟ وهل سيُحدِث الدعم الغربي فرقاً كبيراً في محاولة أوكرانيا صدّ الغزو الروسي؟ تثبت نقاشات أخرى حول تقديم الموارد العسكرية لأوكرانيا أن المخاوف لا تزال قائمة داخل حلف الناتو من احتمال حصول مواجهة مباشرة مع روسيا إذا توسّع التدخّل في هذا الصراع. هل هذه المخاوف مبررة؟

لا تُعتبر الاستراتيجية الغربية التي تقضي بنقل الموارد إلى أوكرانيا جديدة، إذ من الشائع أن تصل الأسلحة من دول ثالثة خلال الحروب المعاصرة، يبقى تصعيد الصراع وارداً في جميع الظروف، لكن لن يكون نقل الأسلحة كفيلاً بتوريط الموردين في الصراع لأن هذا العامل نادراً ما يكون حاسماً في الحروب. كذلك، لا تضمن هذه الأسلحة انتصاراً كاملاً لأوكرانيا ضد روسيا في الوقت الراهن، إنها معدات مفيدة طبعاً، ومن المستبعد أن يصمد الجيش الأوكراني خلال حرب طويلة من دونها، لكن يُفترض أن يتفوق بوتين على القوات الأوكرانية بفضل القدرات الروسية الفائقة شرط أن تتغلب موسكو على المشاكل اللوجستية والقيادية والتكتيكية التي تواجهها حتى الآن.

إذا استفادت روسيا في نهاية المطاف من تفوّقها، فقد تحتل ما يكفي من الأراضي لإجبار الأوكرانيين على إنشاء حركة تمرّد ضدها، ولتحسين نتائج أوكرانيا، يجب أن تستمر قلة كفاءة الجيش الروسي أو يتدخل الغرب ويأخذ مجازفة لا يريد حلف الناتو تحمّلها. يسمح نقل الأسلحة إذاً بالتوفيق بين هذين الخيارَين، إذ يستطيع الأميركيون وحلفاؤهم بهذه الطريقة أن يشاركوا في تقوية الدفاع الأوكراني ويزيدوا كلفة العدوان الروسي من دون الاشتباك مع روسيا مباشرةً، وفي غضون ذلك، ستحصل أوكرانيا على فرصة ردع القوات الروسية من دون تجاوز عتبة المجازفات التي يتقبلها الناتو.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يبقى الدعم الأميركي لبريطانيا في أولى سنوات الحرب العالمية الثانية أبرز مثال على تسليح الحلفاء، فقد نقلت واشنطن حينها أسلحة تفوق قيمتها 12 مليار دولار إلى دولة محاربة لم يكن يربطها بها أي تحالف بموجب معاهدة رسمية، وتُعتبر هذه الخطوة شائعة جداً في الحروب المعاصرة، فقد حصلت أكثر من 900 مبادرة فردية لتقديم المساعدات الأمنية من خلال نقل الأسلحة أو تنظيم التدريبات أو تقديم مساعدات عسكرية أخرى من أطراف ثالثة إلى المقاتلين في الحروب منذ عام 1945.

من الشائع أيضاً أن تنشأ ملاذات خارجية حيث يؤسس المشاركون في حرب العصابات معسكرات ومعاقل للخدمات اللوجستية في الدول المجاورة، وقد تكررت هذه الممارسة على الأرجح في ثلثَي الحروب الأهلية منذ عام 1945، وقد يطلق هذا التكتيك رداً انتقامياً ضد دول الملاذ التي تشمل المعتدين العابرين للحدود: أقدمت إسرائيل مثلاً على غزو لبنان في عام 1982 لإنهاء الاعتداءات التي أطلقتها منظمة التحرير الفلسطينية ضدها من الأراضي اللبنانية، كذلك، غزت رواندا جمهورية الكونغو الديموقراطية في عام 1996 لكبح اعتداءات جماعة الهوتو من هناك، وغزت الولايات المتحدة أفغانستان في عام 2001 لتدمير معاقل «القاعدة».

غالباً ما تستهدف هذه العمليات معاقل العصابات أو الإرهابيين، لا موردي الأسلحة، فلم تهاجم ألمانيا الولايات المتحدة مثلاً لكبح البرامج التي كانت تزوّد أعداءها بالمعدات خلال السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية، ولم تهاجم الولايات المتحدة إيران حين نقلت الأسلحة إلى الميليشيات الشيعية التي حاربت القوات الأميركية في العراق بين العامين 2003 و2008، ولم يهاجم الاتحاد السوفياتي باكستان لوقف تدفق الأسلحة الأميركية إلى المجاهدين المعادين للسوفيات في أفغانستان خلال الثمانينيات.

لا يمكن اعتبار الفرق بين أنواع المساعدات وقوة الرد عليها مفاجئاً، إذ يهدف تسليح الآخرين بدل شن حرب مباشرة إلى الحد من مخاطر التدخل عبر إبقاء درجة الاستفزاز تحت العتبة التي تُحتّم رداً انتقامياً قوياً، وغالباً ما يؤذي نقل الأسلحة الجهة المستهدفة، لكن لن تكون الأضرار كافية لهزم تلك الجهة نهائياً، فبشكل عام، يكون الطرف الذي يزوّد الآخرين بالأسلحة قوياً وقادراً على هزم الجهة المستهدفة إذا انجرّ إلى حرب مباشرة، ولهذا السبب، تصبح الجهة المستهدفة أمام خيارَين: الرد على القوة التي تنقل الأسلحة والمجازفة بخوض حرب كبرى قد تخسرها بسهولة، أو التكيّف مع عدو يزداد قوة على أمل تحقيق الفوز في النهاية. تفضّل معظم الجهات المستهدفة الخيار الثاني بدل إطلاق رد انتقامي مباشر.

لكنهذا النمط التاريخي الشائع لا يعني أن تسليح الآخرين يخلو من المخاطر، فلا يكون التصعيد مقصوداً في جميع الحالات، بل تبقى الحسابات الخاطئة شائعة خلال الحروب، ولو أنها غير حتمية، فأحياناً قد يطلق خطأ واحد دوامة تصاعدية خطيرة، ومن سوء حظ الأميركيين وحلفائهم، تبقى عتبة الرد ذاتية وتتوقف على وجهة نظر كل طرف.

بعبارة أخرى سيقرر بوتين، لا الرئيس الأميركي جو بايدن ولا المستشار الألماني أولاف شولتس، ما إذا كان تزويد أوكرانيا بأسلحة تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات يستحق الهجوم ضد الموردين، ويثبت الغزو الروسي لأوكرانيا أن مجموعة من الاختلافات الثقافية والأفكار المنحازة قد تطغى على الآراء التي تحملها الجهات الخارجية عن بوتين وأهدافه، وذلك يعني أن تسليح الجيش الأوكراني لا يحمل المخاطر بقدر مهاجمة روسيا مباشرةً، لكنه لا يخلو من المجازفات أيضاً.

هل يستحق الدفاع عن أوكرانيا إذاً المجازفة بتصعيد المواجهة مع روسيا المسلّحة نووياً؟ وما الأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال تسليح أوكرانيا، باستثناء تلبية الدعوات إلى التصدي لعمل غير أخلاقي؟

عملياً، قد يحقق نقل الأسلحة إلى أوكرانيا ثلاثة أهداف مهمة:

أولاً، قد تحصل أوكرانيا على فرصة استغلال الأخطاء الروسية وإبطاء الهجوم الروسي إذا بقي أداء روسيا العسكري ضعيفاً بقدر ما هو عليه حتى الآن. تبدو الكفاءة العسكرية الروسية في أوكرانيا سيئة على نحو صادم حتى هذه اللحظة، إذ تُعتبر الحروب المعاصرة بالغة التعقيد، وقد أثبتت روسيا حتى اليوم عجزها عن التكيّف مع هذه التعقيدات واستغلال تفوّقها الهائل على مستوى المعدات وعناصر الجيش، لكن حتى لو تابعت روسيا التعثر، تحتاج أوكرانيا إلى المساعدة لإيصالها إلى طريق مسدود، وتستنزف الحرب المعاصرة الموارد بوتيرة فائقة السرعة، وإذا تابعت أوكرانيا استهلاك الذخائر والوقود بالإيقاع الراهن، فقد تستنزف قريباً المخزون الذي كانت تملكه قبل الحرب، وستصبح بحاجة دائمة إلى إمدادات أخرى.

ثانياً، قد تُسقِط روسيا على الأرجح النظام القائم في كييف، بغض النظر عن حجم الدعم الذي تتلقاه أوكرانيا، إذا تكيّفت مع الوضع وحسّنت أداءها، لكن قد تزيد كلفة الغزو الروسي أو تصبح غير مقبولة نتيجة نقل الأسلحة إلى البلد، وقد يعتبر بوتين أي نجاح روسي غير مكلف في أوكرانيا رابع مغامرة عسكرية ناجحة يخوضها على التوالي بعد غزو جورجيا في عام 2008، وضم شبه جزيرة قرم عام 2014، والتدخّل الروسي في سورية عام 2015، وفي هذه الحالة، من الأصعب منع بوتين من استهداف بلدان مجاورة أخرى مثل بولندا ودول البلطيق، وفي المقابل ستزيد قدرة الغرب على منع بوتين من تنفيذ اعتداءات عسكرية أخرى كلما أصبح الدفاع الأوكراني أكثر فتكاً.

ثالثاً، يبقى نقل الأسلحة مفيداً حتى لو سقطت كييف وتراجع الجيش الأوكراني من ساحة المعركة، إذ تُسهّل هذه الأسلحة نشوء حركة تمرّد لمنع الهيمنة الروسية على البلد، وقد تمنح الأوكرانيين فرصة طرد قوة الاحتلال واسترجاع حُكمهم الذاتي، فمعظم الأسلحة التي يتلقاها البلد راهناً هي من النوع الذي يحتاج إليه لإنشاء حركة تمرّد مماثلة، فهي تتألف من ذخائر وأنظمة مضادة للدبابات والطائرات، وإذا اجتاح الجيش الروسي أوكرانيا كلها فمن المنطقي أن يحاول إغلاق الحدود الأوكرانية لمنع وصول شحنات أخرى من الأسلحة إلى المتمردين المعادين للروس.

لكن يصعب إغلاق أي حدود طويلة في جميع الظروف، وتمتد أجزاء من الحدود الأوكرانية عبر جبال الكاربات وغابات كثيفة بالقرب من بولندا، ويستحيل أن تسيطر روسيا على هذه المساحات بالكامل، فكلما زادت الذخائر التي ترسلها الولايات المتحدة ودول أخرى إلى أوكرانيا اليوم، تراجعت قدرة الأمن الروسي الحدودي على درء أي حركة تمرّد مسلّحة مستقبلاً، وسيكون نقل الأسلحة اليوم استثماراً إيجابياً لدعم المقاومة المعادية لروسيا لاحقاً، حتى لو سحقت موسكو الجيش الأوكراني النظامي.

من المستبعد أن تكون هذه المساعدات وحدها حاسمة لترجيح كفة أوكرانيا في الحرب، حتى أنها قد تجازف بتصعيد المواجهة، لكنها أداة فاعلة لمنح أوكرانيا فرصة القتال تزامناً مع إضعاف أي مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا.

* ستيفن بيدل

فورين أفيرز

كلما زادت الذخائر التي ترسلها الولايات المتحدة ودول أخرى إلى أوكرانيا تراجعت قدرة الأمن الروسي الحدودي على درء أي حركة تمرّد مسلّحة مستقبلاً

روسيا أثبتت حتى اليوم عجزها عن التكيّف مع تعقيدات الحرب الحديثة واستغلال تفوّقها الهائل على مستوى المعدات وعناصر الجيش
back to top