أحمد الكاشف: أكتب الأدب بروح القانون

«أسير على نهج طه حسين وقدوتي في الكتابة نجيب محفوظ»

نشر في 13-03-2022
آخر تحديث 13-03-2022 | 00:01
"على خطى الأديب الكبير توفيق الحكيم، خصوصا رائعته "يوميات نائب في الأرياف"، يسير الأديب الشاب أحمد الكاشف في أولى مجموعاته القصصية "وماذا بعد؟"، حيث يرصد عادات وتقاليد الريف المصري، ويتصدي لعدد من الأزمات والمشاكل الشائعة مثل: قضايا الجهل والزواج المبكر، والحياة المنغلقة، وما تسفر عنه من جرائم يحاول الكاشف تحليلها، مستفيداً من دراسته للقانون، حيث يعمل معيداً بجامعة السادات في محافظة المنوفية شمال القاهرة. وفي حواره مع "الجريدة"، يقول الكاشف: "لا أخفي تأثري بيوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم، كما استفدت من أعمال يحيى حقي، وكتبت مجموعتي باللغة العربية الفصحى على منهاج عميد الأدب العربي طه حسين".
ويضيف "قدمت 22 قصة تغوص في قلب الواقع، وتعبر عن التحديات والمشاكل التي يواجهها المجتمع في وقتنا الراهن... وإلى نص الحوار.

●حدثنا عن البدايات، وأهم المؤثرات الذاتية والبيئية التي دفعتك لدخول الساحة الأدبية؟

- كنت دائماً أنظر للواقع وأتساءل: هل هناك ما يستحق الكتابة؟ فأجيب بكل تأكيد نعم. عدد لا بأس به من المشاكل المتوارثة، والعادات البالية تستأهل الكتابة، والحق أنني أكتب لا لشيء إلا لأن الكتابة تستهويني، وأحب أن أكتب، وكثيراً ما آمل أن يأتي يوم وتؤثر تلك الكتابات ولو في شخص واحد، مما تجعله في مقام أفضل ومشاعر مثلي!، وأرى أن المشاكل باقية ما دامت الدنيا باقية، مما يعني بالتبعية بقاء الكتابة.

قضايا المجتمع

●"وماذا بعد ؟" مجموعتك القصصية الصادرة حديثاً، نود إلقاء الضوء على أبرز ما تضمنته؟

- "وماذا بعد ؟"... كتاب أصدرته دار ببلومانيا للنشر والتوزيع ومقرها القاهرة، اقتحمنا عددا لا بأس به من قضايا المجتمع، أولاها في صدر الكتاب الجهل بمعاني الحياة، وتباعا مشكلات الزواج المبكر والغرور والانغلاق واللامبالاة وبعض مساوئ المدرسين، وغيرها التي وقعت في خوانيق الريف، ختاماً بالشكلية التي تؤرق بعض الناس، وفي المنتصف مواقف بين السخرية والإعجاب... فنجد على سبيل المثال: قصة "بكري" يتساءل فيها البطل بعد أن حصد المال والبنون والعلم والزوجة الصالحة، وماذا بعد؟!... و"برعي" وهو رجل قتلته الشكلية، علياء امرأة تملكها الغرور، أيوب صبر أعواما على البلاء، ونعمات صبرت طوال عمرها كيلا تضيع العيال، سكان الكفر وقد هجروا ضريح السيد الكبير وتناسوه وكتاب الأعراف، كما نتابع الصراع حول التمسك بالقيم والانفتاح نحو التحرر منها الى غير ذلك من مشكلات رأيت أنه كان يجب إسقاط الضوء عليها.

العربية الفصحى

● لما اعتمدت على اللغة العربية الفصحى طوال السرد وفي الحوار؟

- لأنني أحب العربية الفصحى، وأذكر أنني قبل كتاب "وماذا بعد؟ " كنت قد كتبت كتابا يعتمد على العربية الفصحى، لكن الحوار بالعامية المصرية فتراجعت عن نشره، وفضلت إعادة صياغته، وأرى كما يرى أستاذنا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين أن: العربية الفصحى هي الجامع الوحيد للعرب، والوسيلة الوحيدة نحو اتحاد الشعوب العربية، والصفة الوحيدة التي يشترك فيها كل العرب، لأن العامية المصرية غير العامية اللبنانية، وهكذا فالصفة المشتركة الوحيدة بين العرب هي اللغة العربية الفصحى.

تأمل وتدبر

● هناك من يرى العمل الأكاديمي عائقاً أمام المبدع، وآخرون يرونه إضافة لما فيه من التصاق بالحياة وواقعها ومرآة لتفاصيل الحياة خاصة كتاب السرد... فما الذي أضافته دراستك القانونية إلى إبداعك القصصي؟

- العمل الأكاديمي رسالة مضمونها أن يكون الإنسان مثقفا وراقيا وفي أحسن حال، وتلك الفلسفة لا تتعارض أبداً مع إبداع القائم عليها، لأنها تجعله دائم البحث، والتحري نحو التثقيف، والرقي، والارتقاء بالإنسان والمجتمع، ومجابهة ومعالجة مشكلاته. والدراسة القانونية وثيقة الصلة بكل العلوم، والقانوني لابد أن يقرأ في كل العلوم ليبني استنباطه على نحو صحيح، والمجال الجنائي الذي أشرف بأني منتسب إليه تطغى عليه تلك المقولة، لأنه يعتمد على الإبداع، وإعمال العقل، ومنخرط بصورة كبيرة في حياة الناس، لذلك نجد أن الواقع العملي أثبت أن الدراسات القانونية الجنائية لا تكفي لمواجهة الجريمة بمفردها، لذلك انضم للمجال الجنائي علوم أخرى كعلم الإجرام والعقاب، وعلم الطب الشرعي، وعلم الإحصاء الجنائي، وغير ذلك، فالقانون لا يعزل دارسه عن العلوم الأخرى، بالعكس يحثه على البحث فيها، كل العلوم بلا استثناء، ما أضفاه القانون كان رائعا، لأنه يبصر دارسه بمشكلات مجتمعية، كما ينمي فيه الملكة القانونية، ويكسبه مهارات لغوية جديرة بالكتابة، بل يحثه على التفكير واستنباط الأمور والاجتهاد نحو بناء الأفكار والآراء، مما يعني أن دارسه دائم التأمل والتدبر في أمور الخلق.

● النصوص المعاصرة الآن في حالة تغير دائم، برأيكم هل هناك ارتباط بين الإبداع والأيديولوجيات السياسية؟

- الإبداع ليس له مقيد، وأرى أنه أقوى من أي ايديولوجية أو تغير مادام كان في المصلحة العامة، وفي مسار الحق، أما الباطل فسرعان ما يضحى طي النسيان والدمار.

التزام إبداعي

● هل تتفق والمقولة الشهيرة للأديب الراحل نجيب محفوظ: "عندما أكتب لا أعبأ بأي شيء، أكتب فحسب"؟

- أؤيد تلك المقولة، وبالمناسبة أنا من عشاق الراحل نجيب محفوظ، وصورته أحتفظ بها فوق مكتبي، فلا إلزام على الكاتب، ولكن هناك التزام عليه، التزام بالأخلاق، والأعراف، والعادات التي يجب ألا يتخطاها بحجة الإبداع.

● بين القانون والأدب... في أيهما تشعر بالراحة؟

- في الحقيقة أنا أشعر بالراحة في كلا العملين الأدب والقانون، بل أي مجال أو عمل له جانب من البحث العلمي أسعد به، ولكن أشعر أن الراحة تبلغ مداها في قلبي حينما أكون في حضرة الأدب.

● الإحساس والعاطفة والخيال سلاح الروائي الأول... كيف يتعامل أحمد الكاشف مدرس القانون الواقعي؟

- لا جدال أن العاطفة سمة طاغية على الأسلوب الأدبي، لأنه يخاطب الناس بالعاطفة، ويؤثر فيهم بإحساس الكاتب الذي يفيض به على وجدان القارئ فيتأثر بما كتب، فتتحرك مشاعره تجاه المكتوب، ويثار تباعا لذلك، ويصير متمسكا بمشاعره حد اليقين، بينما الأسلوب القانوني أسلوب علمي يعتمد على العقل في ثنايا كلماته، ولكننا أحيانا نتذكر، ونفكر فيما يسمى "بروح القانون"، والتي نعتمد فيها على النظرة الإنسانية في فلسفة النصوص التشريعية، ومن ثم فالأسلوب القانوني غير منقطع الصلة بجميع مكونات الأسلوب الأدبي، وكذلك الأدب غير منقطع الصلة تماما بمكونات الأسلوب القانوني حيث التفكير، والتدبر العقلي.

● هل كنت تشعر أنك ستصبح كاتباً روائياً في مصر؟ وهل كنت تحتفظ بما تكتبه لنفسك؟

- كنت أشعر بذلك لأني كنت أكتب، وآمنت أنه سيأتي يوم، وأنشر ما أكتب، ومازال عندي هذا الشعور بأن تكون هناك سلسلة من الكتابات، وفي الحقيقة مازلت أحتفظ بما أكتب، وكنت أكتب الشعر والنثر مسبقا، وعندي دفاتر من تلك الكلمات، وسعيد بأني كتبتها، وما بين الوقت، والآخر أطلع عليها.

● وماذا عن الكتابات السردية الجديدة؟

- بصدد الانتهاء من رواية طويلة، وستصدر مطلع العام القادم، وهي مختلفة، وتحوي كثيراً من التشويق والإثارة.

محمد الصادق

«وماذا بعد» تتضمن 22 قصة تقتحم قضايا المجتمع الشائكة
back to top