هل ينتهي شهر العسل بين بايدن وبينيت؟ 

نشر في 11-03-2022
آخر تحديث 11-03-2022 | 00:00
نفتالي بينيت
نفتالي بينيت
في بداية عام 2020، حين اتضح أن جو بايدن يتجه للفوز بالانتخابات التمهيدية عن الحزب الديموقراطي، تنفس كبار المسؤولين الإسرائيليين الصعداء، فقد كان عهد دونالد ترامب الفاشل يوشك على الانتهاء، وانتشرت مخاوف حقيقية في إسرائيل من وصول بيرني ساندرز إلى البيت الأبيض، فهو السيناتور التقدمي القادم من ولاية «فيرمونت» وكان قد دعا إلى تخفيض المساعدات الأميركية إلى إسرائيل، وفي المقابل حمل فوز بايدن مؤشرات إيجابية للإسرائيليين، وفي المرحلة اللاحقة قال داني ديان، القنصل الإسرائيلي العام في نيويورك، إن «جو بايدن وكامالا هاريس هما أكثر مسؤولَين مواليَين لإسرائيل في الحزب الديموقراطي»، بما أنهما اعتادا على دعم بلده منذ فترة طويلة.

جاءت الأشهر الأولى من عهد بايدن لترسّخ هذه الرؤية في أروقة السلطة في القدس، إذ يتفاخر الرئيس الأميركي السادس والأربعون في مناسبات متكررة بمعرفته لجميع رؤساء الوزراء الإسرائيليين منذ عهد غولدا مئير، وقد دعم الإسرائيليين خلال حربهم ضد «حماس» في مايو 2021، فأعلن أن إسرائيل تملك حق الدفاع عن نفسها وامتنع في المقابل عن انتقاد تحركاتها في قطاع غزة علناً، وبعد انتهاء القتال، تعهد سريعاً بإعادة ملء نظام «القبة الحديدية» للدفاع الجوي الإسرائيلي، وبعد مرور ثلاثة أشهر، رحّب بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينيت، في البيت الأبيض فعبّر عن سعادته لاستضافة الرجل الذي أنهى عهد بنيامين نتنياهو الممتد على 12 سنة.

اعتُبِر اجتماع بايدن وبينيت ودّياً ومثمراً في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ففي بداية شهر فبراير تكلم الرجلان أيضاً عبر الهاتف وتطرقا بشكلٍ أساسي إلى الملف الإيراني، وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض أن بايدن يُخطط لزيارة إسرائيل في وقتٍ لاحق من هذه السنة، لكن رغم هذه البداية الواعدة في العلاقات الثنائية، قد تتصادم واشنطن والقدس قريباً بسبب مجموعة من المسائل الجوهرية، بدءاً من إيران وصولاً إلى الصين والفلسطينيين، إلا إذا وجد الطرفان طريقة أخرى للتعامل مع خلافاتهما بطريقة بناءة، على عكس ما حصل في العقد الماضي.

تبقى القضية الفلسطينية من أبرز أسباب الخلاف بين الطرفين، حيث يشمل الائتلاف الحاكم الذي يرأسه بينيت أحزاباً يسارية ووسطية ويمينية، وهذا ما يجعل إقرار حل الدولتَين مستحيلاً في المستقبل القريب، وتدرك إدارة بايدن هذا الواقع، وهي لا تتوقع أن تفكك إسرائيل المستوطنات وتعيد رسم الحدود في أي وقت قريب، كما تضم الحكومة الإسرائيلية الراهنة جهات تعارض حل الدولتين أيضاً، وأصبح النظام السياسي الفلسطيني منقسماً بين محمود عباس المُسنّ في رام الله وقيادة حركة «حماس» في غزة، وفي غضون ذلك تُركّز إدارة بايدن على مسائل إقليمية وعالمية أخرى، وفي نظر واشنطن، لم يعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على رأس الأولويات الأميركية في الوقت الراهن.

لكن صرّح مسؤولون إسرائيليون في شهر يناير بأن البيت الأبيض أوضح لإسرائيل أن الخطوات الاستفزازية ميدانياً، لا سيما تكرار أعمال العنف ضد المواطنين الفلسطينيين على يد المستوطنين الإسرائيليين، قد تجرّ بايدن إلى وضعٍ يفضّل تجنّبه، إنها رسالة مهمة لكن لم تستوعبها جميع الأطراف في حكومة بينيت المتنوعة بعد، وقد اتّضح ذلك بعد الكشف عن خطة لبناء مستوطنة جديدة في وسط الضفة الغربية في أواخر يناير، وأرسل وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، رسالة إلى بينيت (تسرّبت سريعاً إلى الصحافة)، فحذّره فيها من اندلاع أزمة كبرى مع إدارة بايدن في حال تنفيذ تلك الخطة. كذلك، يقول مصدر مقرّب من لبيد إن وزير الخارجية يشعر بالقلق من إصرار بينيت على اختبار صبر الرئيس الأميركي بأسوأ طريقة.

في ما يخص إيران، وَرِث بايدن وبينيت وضعاً مأساوياً بمعنى الكلمة، فقد اعتبر عدد من كبار مسؤولي الدفاع الإسرائيليين المتقاعدين قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، بتشجيع كبير من نتنياهو، كارثة شاملة، وبسبب ذلك القرار، قد تصبح إيران قريبة من العتبة النووية. وحتى موشيه يعلون، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق الذي كان يعارض الاتفاق النووي، اعتبر انسحاب ترامب من الاتفاق «أكبر خطأ في العقد الماضي» في الملف الإيراني.

يدرك بايدن وبينيت أنهما ورثا وضعاً فوضوياً، لكنهما قد لا يتفقان على طريقة معالجة المشكلة، وعلى غرار ترامب وباراك أوباما وجورج بوش الابن، لا ينوي بايدن خوض الحرب مع إيران، حيث يقول داني سيترينوفيتش، خبير سابق في الشؤون الإيرانية في مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن بايدن لا يملك إلا خياراً واحداً في الملف الإيراني، وهو يقضي بعقد اتفاق جديد مع أنه قد لا يكون مختلفاً جداً عن الاتفاق السابق. برأيه، ستضطر إسرائيل لتقبّل هذا الخيار أيضاً.

لكن يصرّ بينيت وعدد من كبار المسؤولين في حكومته، في تصريحاتهم العلنية على الأقل، على وجود خيارات أخرى، فهم يحذرون الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى من إبرام «اتفاق سيئ» مع طهران ويشددون على استعداد إسرائيل لإطلاق تحرك عسكري أحادي الجانب عند الحاجة، لكن يصعب تصديق هذا النوع من التهديدات لأن الحرب مع إيران تعني على الأرجح سقوط مئات أو حتى آلاف الضحايا في إسرائيل، فضلاً عن تدمير أكبر المدن في البلد، لكنّ اختلاف الآراء بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا الملف قد يزيد التوتر بين هذين الحليفَين المقربَين، بغض النظر عن مسار المفاوضات النووية.

صرّح بينيت لوسائل الإعلام الإسرائيلية، بعد فترة قصيرة على تسلم منصبه، بأنه يثق بأهمية التنسيق الهادئ مع الولايات المتحدة رغم اختلاف الآراء بين الطرفَين. لقد تعهد بألا يحذو حذو نتنياهو، فأبلغ البيت الأبيض بأن معالجة الخلافات بين واشنطن والقدس ستحصل وراء الأبواب المغلقة في عهده بدل بثّها على القنوات التلفزيونية مباشرةً أو الكشف عن تفاصيلها في الخطابات العلنية أمام الكونغرس، فهو يلتزم بوعده حتى الآن، لكنه سيواجه أصعب اختبار حين يصبح أي اتفاق جديد مع طهران ممكناً، فبرأي نتنياهو الذي يتابع مطاردة بينيت من صفوف المعارضة، سيكون أي اتفاق مماثل كارثياً كونه يُهدد وجود إسرائيل. كيف سيتعامل بينيت إذاً مع هذا النوع من الضغوط السياسية؟ وهل سيلتزم بوعده أم يبدأ بمهاجمة بايدن لاسترضاء مناصريه اليمينيين في إسرائيل؟

في الوقت نفسه، تبقى الصين سبباً آخر للخلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولا تُعتبر هذه المشكلة جديدة: كانت إدارة ترامب قد عبّرت بدورها عن استيائها من توسّع الروابط الاقتصادية بين إسرائيل وبكين، حيث يشعر الأميركيون بالقلق من مشاركة الصين في مشاريع البنى التحتية الاستراتيجية في إسرائيل، منها ترميم وإدارة ميناء كبير في شمال البلاد، وفي وقتٍ سابق من هذه السنة، ذكر عاموس هرئيل، محلل عسكري في صحيفة «هآرتس»، أن المسؤولين الأميركيين غضبوا من مشاركة الصين في مشروع الميناء لدرجة أن يهددوا بمنع الأسطول السادس في البحرية الأميركية من بلوغ المياه الإسرائيلية، ورغم الامتناع عن تنفيذ ذلك التهديد حتى الآن، يؤكد هذا الموقف خطورة المشكلة القائمة.

لكن يجب أن يدرك بايدن وبينيت صعوبة حل هذه الاضطرابات كلها، كما تشمل حكومة بينيت عدداً مفرطاً من اليمينيين، مما يمنع تلبية أبسط توقعات البيت الأبيض في القضية الفلسطينية، كذلك أصبحت الصين جهة قوية ومهمة بالنسبة إلى إسرائيل لدرجة أن يعجز البلد عن تقبّل جميع المطالب الأميركية بشأن بكين، وفي الملف الإيراني، بدأت الفجوة بين مواقف بايدن وبينيت العلنية تتوسع مع مرور الوقت.

من الناحية الإيجابية، يمكن السيطرة على الخلافات بطريقة حكيمة، حتى لو لم تُعالَج بالكامل، شرط أن يبدي الطرفان استعدادهما لفعل ذلك، ولا مفر من حصول صدام معيّن حول السياسات المتبعة بين بايدن وبينيت في عام 2022، لكن بأي وتيرة ستتكرر المشاكل؟ وما الأضرار المترتبة عنها؟ وهل سيتعامل الطرفان مع هذا الوضع عبر القنوات الدبلوماسية الهادئة أم يطلقان مواقفهما المتباينة علناً؟ يستطيع الزعيمان التمسك بعلاقة مثمرة بالقول والفعل أو يغرقان في علاقة سامة كتلك التي جمعت أوباما ونتنياهو سابقاً.

على المدى الطويل، تواجه العلاقات الأميركية الإسرائيلية مشكلة تفوق أي خلاف محدد مع بايدن، وهي تتعلق بتراجع أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إلى واشنطن، إذ لم تعد هذه المنطقة على رأس أولويات الأميركيين، بل إنها باتت تُعتبر مصدر إلهاء عن مشاكل أكثر إلحاحاً، بدءاً من التنافس مع الصين وصولاً إلى التعافي من أزمة كورونا، وطوال عقود ساد إجماع شبه تام وسط صانعي السياسة الأميركية حول اعتبار الشرق الأوسط منطقة مهمة للولايات المتحدة، واعتبر معظم المسؤولين الدعم الأميركي لإسرائيل وسيلة لتحقيق الأهداف الأميركية هناك، لكن ستضطر إسرائيل لتهيئة نفسها لمستقبلٍ يخلو من هذا الدور الأميركي.

أمير تيبون

back to top