ارتفاع أسعار النفط… «رُب نافعة ضارة»!

• يقوض سياسات البنوك المركزية في تجاوز تداعيات الجائحة ويزيد مخاطر «الركود التضخمي»
• يشجع على إهمال علاج «المرض الكويتي» والاكتفاء بمسكنات السيولة لتجاوز الأعراض

نشر في 10-03-2022
آخر تحديث 10-03-2022 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
يمثل الارتفاع القياسي في أسعار النفط الخام على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة استثنائية لمنتجي البترول، لاسيما الخليجيين، لتجاوز سنوات العجوزات المليارية وصولاً إلى التوازن المالي، إن لم يكن تسجيل الفوائض المريحة، للمرة الأولى منذ سبع سنوات.

فخلال الأشهر الماضية كان الحديث عن بلوغ خام برنت مستوى 100 دولار للبرميل يحتوي على قدر عالٍ من التفاؤل، خصوصاً مع توجه مجموعة "أوبك بلس" لتخفيف قيود الإنتاج بالتوازي مع تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كورونا، حتى طغت مفاعيل الحرب في أوكرانيا على ما عداها من عوامل ليلامس سعر البرميل الـ 140 دولاراً للمرة الأولى منذ 14 عاماً، وسط توقعات بفرض عقوبات أميركية رسمية على صادرات النفط الروسية، مما يزيد مخاوف المعروض النفطي في الأسواق بشكل يدفع توقعات الأسعار إلى مستويات تتجاوز 170 دولاراً للبرميل، في وقت حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أزمة إمدادات طاقة عالمية قد تصعد بسعر البرميل إلى 300 دولار!

تداعيات دولية

غير أن هذا الارتفاع وتوقعات استمراره على المديين القصير إلى المتوسط لا يعتبر إيجابياً بشكل مطلق للمنتجين، حتى إن ساهم في تغطية العجوزات المليارية التي تكبدتها موازناتهم خلال السنوات السابقة بما يعكس المثل العربي المعروف "رب ضارة نافعة " إلى "رب نافعة ضارة"... إذ ظهرت على الساحة الدولية تداعيات سلبية تمثلت في توقعات بإعادة بحث فكرة اتخاذ المجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي خطوته الأولى ضمن سلسلة رفع أسعار الفائدة سعياً لتجاوز آثار الجائحة وتطويق التضخم في الولايات المتحدة؛ بالتالي استرشاد العديد من البنوك المركزية في العالم لاتخاذ قرار مماثل، وسط مخاوف أكبر من حدوث حالة "ركود تضخمي" يمكن وصفه إجمالاً بارتفاع الأسعار بسبب تقلص المعروض مع دورة انكماشية للاقتصاد؛ مما سيهدد النمو العالمي، ويعقّد من تدفقات سلاسل التوريد، ويعزز من محلية السياسات الاقتصادية ويدعم الإجراءات الحمائية الخاصة بالسلع والأغذية.

بدائل للنفط

فارتفاع أسعار النفط بالتوازي مع المخاطر الجيوسياسية رفع من تكاليف التأمين والشحن والنقل، بما يزيد من تكاليف الإنتاج، بالتالي يرفع الأسعار النهائية للسلع، خصوصاً أن الاقتصادات الخليجية المستفيدة من ارتفاع أسعار النفط تعتبر من أعلى الدول اعتماداً على الواردات الخارجية، بالتالي فإنها ستتضرر من الارتفاع حتى إن استفادت من ارتفاع الإيرادات النفطية.

ومع تجاوز الآثار السلبية قصيرة المدى لارتفاع أسعار النفط، فإنه على المديين المتوسط والطويل سيحفز رهان "الغرب" على الاستثمار في منافسي النفط التقليدي، كالبدائل النفطية الصخرية أو الطاقة المتجددة والعمل على تقليص كلفتهما في المستقبل وزيادة البدائل التكنولوجية في إنتاجهما، بالتالي سيفضي هذا الرهان إلى إعادة هيكلة أوزان أنواع جديدة من البدائل النفطية في أسواق الطاقة، بما يؤثر سلباً على حصص وإيرادات المنتجيين الحاليين، لاسيما الخليجيين مع الأخذ بعين الاعتبار

أن إعادة هيكلة الأوزان تشمل حتى حصص الإنتاج النفطية الحالية، خصوصاً مع سعي الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات على دولتين نفطيتين رئيسيتين هما فنزويلا وإيران لتعويض الفاقد من حظر الصادرات النفطية الروسية.

بل ان ارتفاع أسعار وقود السيارات إلى مستويات غير مسبوقة في أوروبا والولايات المتحدة سيكون محفزاً للمستهلكين نحو الإقبال على السيارات الكهربائية وبدائل الطاقة النظيفة للنقل بجدية أكبر وذات أثر أعمق مستقبلاً.

فروسيا العضو الأكبر من المنتجين المستقلين في مجموعة "أوبك بلس" تنتج نحو 11 مليون برميل تقريباً يومياً بحجم مقارب لإنتاج الولايات المتحدة والسعودية، وهي كميات يصعب تعويضها دون تكاتف معظم المنتجين، مما يعني أن الأثر الاقتصادي السلبي لارتفاع أسعار النفط يشمل معظم الاقتصادات العالمية، التي تكافح لتجاوز آثار جائحة كورونا على اقتصاداتها.

آثار محلية

ولا تتوقف الآثار "النافعة الضارة" على الأبعاد الدولية، إنما أيضاً محلياً؛ فالارتفاع الحاد في أسعار النفط الخام سينعكس إيجاباً على ميزانية الكويت لتغطية العجوزات، والعودة مجدداً إلى الفوائض المليارية، مما يعني - حسب التجارب السابقة والحالية - ارتهاناً أكبر لعائدات النفط في الاقتصاد، وإهمالاً أكبر لعلاج "المرض الكويتي" والاكتفاء بمسكنات "الكاش" لتجاوز آلام المرض بلا علاج حقيقي.

فزيادة عائدات النفط في الكويت تعني تجاوز كل ما قيل من خطابات الإصلاح الاقتصادي خلال سنوات العجز الثماني الماضية، وتخبرنا تجارب الحكومات السابقة مع سنوات الفوائض بأن ارتفاع السيولة النقدية في الميزانية سيعني إهمالاً لتحفيز الشباب الكويتيين للعمل في القطاع الخاص أو المشروعات الصغيرة مقابل تعظيم الضغط على القطاع العام ونسيان أي فرضيات مقترحة كإصلاح أبواب الدعوم وتوجيهها للمستحقين، كما أنه سيفضي لمزيد من التساهل في الإنفاق السنوي على مشاريع ومناقصات مليارية غير مجدية، وينمي الاعتقاد الخاطئ بأن المال يمكن أن يعوض القصور في تقديم الخدمات القاصرة كالسكن أو التعليم أو الصحة، وحتى خدمات الطرق، كما أنه يؤخر فهم الإدارة الحكومية للتحولات التي طرأت في سوق النفط من توجهات بيئية وسياسات مناخية تعطي شعوراً زائفاً بالوفرة المالية، وأن الأسعار الحالية الاستثنائية لبرميل النفط هي أسعار مستدامة، وليست ناتجة عن حرب غير مسبوقة ترتبت عليها سياسات وإجراءات ربما يستحيل تكرارها.

محمد البغلي

back to top