مفتاح قناو: القصة القصيرة تعاني قلة مساحات النشر

أصدر مؤخراً كتابه «حكايات مواطن ليبي» يتناول قضايا وهموم المجتمع

نشر في 22-02-2022
آخر تحديث 22-02-2022 | 00:01
يحلق الأديب الليبي مفتاح قناو في سماء الإبداع الليبي بجناح القصة القصيرة، واحتل مكانة مرموقة بين كتابها عبر أكثر من 15 عاما، أصدر خلالها العديد من المجموعات القصصية، منها "عودة القيصر"، و"رفيف الأجنحة"، و"حكايات مواطن ليبي"، ويجمع قناو بين مهنة المحاماة والأدب، حيث أثرت مهنته مسيرته الأدبية، بغوصه في القضايا الحياتية وهموم المواطنين.
وفي حواره مع «الجريدة» من القاهرة، يقول قناو إن "المحاماة مهنة، وهي أيضا رسالة لمن يؤمن بها، فالدفاع عن حقوق الناس غاية نبيلة"، مشيرا إلى أن القصة القصيرة مثل صحيفة الدعوى التي تقدم للقاضي، وهي تعاني قلة مساحات النشر، وقد مرت بالعديد من المراحل في ليبيا... وإلى نص الحوار:
● ما حال القصة القصيرة في ليبيا راهنا؟

- القصة القصيرة في ليبيا كانت بدايتها مثل بقية الوطن العربي، من خلال الكتابة في الجرائد اليومية والأسبوعية، والتي كانت تفرد مساحات للثقافة، ومن الطبيعي أن تكون القصة القصيرة والقصائد الشعرية هي المقصودة بالنشر، لأن المساحات في الجرائد قليلة ولا تكفي لنشر رواية أو قصة طويلة، وكانت الستينيات فترة نضوج القصة الليبية، لأن الجريدة مع الراديو كانت وسائل الثقافة المتاحة، وظهر عدد مهم من كتاب القصة القصيرة من جيل كامل المقهور، يوسف الشريف، إبراهيم الكوني، وهبي البوري، عبدالله القويري، بشير الهاشمي، خليفة التكبالي، خليفة حسين مصطفى وآخرين، وقد نُشرت لهم مجاميع قصصية مميزة.

ثم جاءت مرحلة السبعينيات، حيث ظهرت مجموعة أخرى من الكتاب هم جيل محمد ألمسلاتي، عمر الككلي، ومحمد الزنتاني وغيرهم، لكن عددا من كتاب القصة تركها لمصلحة الرواية، مثل خليفة حسين، وإبراهيم الكوني، وأحمد إبراهيم الفقيه، وحاليا أصبحت الرواية ديوان العرب، بعد أن كان الشعر ديوان العرب، وليبيا لا تختلف عن الدول العربية، حيث قل الاهتمام بالقصة القصيرة، وظهرت كتابات متعددة، منها ما يعرف بالنص المفتوح الذي يحتوي السرد وبلغة شعرية.

غاية نبيلة

● بين القصة والمحاماة، أين يجد الكاتب والمحامي مفتاح قناو نفسه؟

- من الطبيعي أن يوجد فرق بين المهنة والهواية، المحاماة مهنة وهي أيضا رسالة لمن يؤمن بها، فالدفاع عن حقوق الناس غاية نبيلة، وانأ أحيانا أهرب من ضغط العمل في المحاماة إلى عالم الهواية، حيث القراءة والكتابة الإبداعية، لكنني لاحظت وجود نوع من الرابط الخفيف بين العمل القضائي والقصة القصيرة، فالأخيرة بشكلها الكلاسيكي تتكون من تقديم النص ثم العقدة التي تدور حولها القصة، ثم الحل أو لحظة التنوير في القصة التي يكتمل بها النص، وصحيفة الدعوى التي تقدم للمحكمة أيضا تتكون من ثلاثة أجزاء: المقدمة وطرح المشكلة، ثم وضع الأسانيد القانونية التي تتأسس عليها المطالبة القضائية، وأخيرا الطلبات النهائية المراد الحكم بها.

ومن المبادئ القضائية أيضا مبدأ حياد القاضي، وهو أيضا يشبه مبدأ حياد القاص، فالقاضي ينبغي أن يكون خارج الخصومة، وألا يتعاطف مع أحد من الخصوم، وإن فعل ذلك يصبح غير مؤهل للفصل في الدعوى ويتنحى عنها، والقاص أيضا ينبغي أن يكون خارج القصة، وألا يتعاطف مع أحد من شخوصها وإلا تضعف قيمتها.

عودة القيصر

● ما علاقتك بأبطال قصصك؟

- الكتابة الصادقة لابد أن تكون نتاجا لتجارب حياتية، فلا يستطيع أحد أن يكتب دون تجربة، وعلاقة كتاب السرد بأعمالهم القصصية أو الروائية موجودة على الدوام، وإن اختلفت أشكالها، وما ربطني بشخوص قصصي هو الواقعية ولا شيء غيرها، فأغلب الشخصيات التقيت بها في الطريق، أو عرفتها في أماكن العمل المختلفة، ولعل قصة "عودة القيصر" في مجموعتي القصصية الأولى تعتبر استثناء، فهي تدور حول تمثال الإمبراطور الروماني اللبداوي (نسبة الى مدينة لبدة الليبية) سبتيموس سفيروس، والذي عاد إلى ميدان الشهداء بعد غياب سنوات طويلة، ثم كيف وجد المكان، وكيف رحل مع فتاة الغزالة تاركا الوطن الذي أصبح بيئة طاردة.

● ماذا تقول عن مجموعتك القصصية عودة القيصر؟

- رغم أنها صدرت عام 2004 فإن الاهتمام بها مستمر خصوصا النص الرئيس في المجموعة، الذي كان بطله إمبراطور روما الليبي سبتيموس سفيروس، فما وقع فعلا من اختفاء لتمثال الغزالة في طرابلس وإزالته ليلا من غلاة المتشددين الدينيين، أعاد للأذهان قصة عودة القيصر التي تنبأت باختفاء الغزالة والفتاة التي تحيطها بذراعيها كما جاء في سياق القصة.

كما أن الكاتب الأميركي إثان تشورين قام بترجمة القصة وضمها لكتابه الذي أصدره في أميركا منذ عدة سنوات، والذي كان بعنوان "ليبيا من خلال القصة القصيرة"، قدم فيها رؤيته لليبيا عبر عدد من النصوص القصصية من مختلف مناطق ليبيا، وتعبر عن جغرافيا الوطن الليبي، وقد درس قسم الأدب العربي بجامعة كامبردج في بريطانيا لطلابه "عودة القيصر" مع رواية "العلكة" للأستاذ منصور بوشناف، ضمن بانوراما عن القصة في شمال افريقيا، وكان التركيز على تحريك التماثيل في القصة أساسا لاختيار العملين.

حكايات مواطن ليبي

● "حكايات مواطن ليبي" هو كتابكم الأخير، حدثنا عما يحمله من سخرية ناقدة؟

- الكتاب يحتوي على عدد كبير من الموقف واليوميات والأحداث المعيشية، التي تمت معالجتها بنوع من السخرية ليقبل عليها القارئ ويجد فيها ما يمتعه ويفيده، والسخرية من الواقع الذي نعيشه موجودة في أحاديث الناس، حيث يتم استخدامها بكثرة عندما لا يصبح بمقدورهم فعل أي شيء.

● مع رحيل عدد كبير من الكتاب والمبدعين الليبيين، كيف يمكن قراءة الواقع الثقافي الليبي حاليا؟

- الموت حق على كل إنسان، ولابد أن نؤمن بهذا، والكُتاب الراحلون يصعب تعويضهم فهم قدرات عقلية كبيرة، فهل يمكن تعويض خسارتنا في علي فهمي خشيم، او الصادق النيهوم، أو يوسف الشريف أو غيرهم، لكن تعاقب الأجيال أيضا مهم، لأنه ينبئ عن ظهور كتاب جدد بعقلية تنويرية مختلفة تتناسب مع تغيرات الحياة نفسها.

النخب الفكرية

● ما دور النخب الفكرية تجاه الأحداث الراهنة في ليبيا؟

- من واجب النخب الفكرية قيادة المجتمع إلى ما فيه الأفضل، إلا أن انتشار العنف في البلاد، مثلما هو الحال في ليبيا، يجعل المثقفين بعيدين عن مواقع صناعة الأحداث، ولقد حاول عدد كبير من الكتاب والأدباء المساهمة في العمل العام، من خلال المشاريع الثقافية، مثل نشاطات دار الفقيه حسن الثقافية وغيرها من الجمعيات، لكن الاستجابة مازالت ضعيفة، وتأثير المال السياسي على الشارع هو الأقوى.

السياسة والكتابة

● هل للاستقرار السياسي علاقة بالكتابة؟

- في تقديري الكتابة هي رد فعل تعبيري للكاتب عن الحالة التي يعيشها، أو سبق أن عاشها، وانعدام الاستقرار السياسي لا يمنع الكتابة، ولكن قد يؤثر هذا على حركة النشر، أو على التواصل مع الناس.

نبذة

مفتاح قناو، كاتب وقاصّ ليبي، مواليد مدينة طرابلس، ودرس في مدارسها الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم درس هندسة الطيران، واشتغل مهندس صيانة طائرات لمدة 12 عاما، ودرس القانون واشتغل محاميا منذ 22 عاما، وصدر له "عودة القيصر ـ 2004"، و"رفيف الأجنحة ـ 2010"، و"حكايات مواطن ليبي ـ 2021".

محمد الصادق

القاص قاض يحكم بالعدل بين أبطاله وشخصياته الأدبية

أعرف شخوص قصصي والتقيت بها في الواقع
back to top