نجلاء مجدي: الشعر في أزمة

ترى الحياة من ثقب إبرة وأعمالها تثير دهشة القارئ

نشر في 20-02-2022
آخر تحديث 20-02-2022 | 00:01
تبث الشاعرة المصرية، نجلاء مجدي، في نفوس قرائها "الدهشة"، التي هي غاية الشعر، والتي تفتح أبواب التساؤلات على مصاريعها، فكيف لتلك الشاعرة الشابة أن تسبر أغوار الحكمة كما لدى كبار الشعراء أمثال صلاح عبدالصبور، وتتماس وجودياً مع والت ويتمان وشارل بودلير؟، وكيف لها أن تصنع من المتناقضات حولها جملا شعرية مشحونة بالانفعالات التي تسيطر على القارئ حتى آخر القصيدة، وتشمل حتى عناوين دواوينها، "الرقص فوق عشب يابس"، و"بصمات متشابهة"، و"العالم يتراءى من ثقب إبرة"، وصولاً إلى أحدث دواوينها "طرق تقليدية للموت"؟، وكيف لها أن تحتفي بالحياة، وهي تتحدث عن الموت في جل أعمالها؟... عن تلك الدهشة، ودلالة الموت، ومسيرتها، وأعمالها، التقتها "الجريدة"، وكان الحوار التالي:

● ماذا عن بدايتك الشعرية، وأبرز المؤثرات الثقافية في تشكيل وجدانك الأدبي؟

- أحياناً بدايات الكاتب تكون مشوشة بعض الشيء، فلا يجد منهجا محددا لسلك مشواره الأدبي عبره، ربما قد لا يحدث هذا مع كل الكتاب، لكن عن تجربتي كانت البدايات منذ عمر عشر سنوات، التجأت إلى كتابة القصص القصيرة، ووقتها كنت أنشرها في المجلات والجرائد القومية حتى بدأت ميولي الشعرية تنمو داخلي، خصوصاً بعد أن ازدادت قراءتي في الشعر العالمي، رأيت أن الشعر ربما يخلصنا ولو قليلا من الطاقات السلبية التي تشحن الحياة نفوسنا بها، ويمتص بعض ألوان الصدمات النفسية للشاعر أو القارئ، بل أحيانا يأخذك للوقوف على سطح صلب مرة أخرى.

«عشب يابس»

● الديوان الأول يمثل نقلة مهمة على مستوى مكانة ووضعية الشاعر والاشتباك مع الوسط الثقافي، فماذا عن "الرقص فوق عشب يابس" وعما أحدثه من فوارق من وجهة نظرك؟

- "الرقص فوق عشب يابس" هو المولود الأول لإبداعي الشعري، وفي مرحلة كتابته كنت متأثرة قليلاً بالشعر السريالي، لكنه بهت على أسلوبي كثيراً، حتى شعرت أنني أطير فوق بساط في الفضاء لأواجه أوجاع العالم من خلال جُملي الشعرية، فكل رقصة فيه مختلفة عن الأخرى، كانت رقصات من المعاناة واليأس والحزن والفرح والتفاؤل والحب والسقوط والنهوض، فالديوان يعتبر بمنزلة كفتين يحملان الحرب والسلام من خلال المواجهة مع الذات في الداخل والخارج، كنت أحلق فيه بعيدا من خلال أفقي الشعرية، وأطلق الرصاص على أوجاع الحياة.

● في أعمالك "الرقص فوق عشب يابس"، و"بصمات متشابهة"، و"العالم يتراءى من ثقب إبرة"، و"طرق تقليدية للموت" نجد دلالات للموت واحتفاء به لماذا؟

- كل ديوان له عوالمه الخاصة، وجمالياته اللفظية والجوهرية، وصوره الإبداعية، وأسلوبه المختلف عن غيره، ولكن لاريب في أن الصراع الحياتي قائم، فالموت عند الشعراء قضية أساسية في نصوصهم من خلال محاكاتهم الفلسفية له، وكل منا يعبر عن موقفه منه وفقاً لظروفه التي تنشأ من بيئته الشعرية فيكون له معالجته الخاصة به من خلال جمالياته الإبداعية، فمثلا ديوان "بصمات متشابهة" يحمل إسقاطات قاسية مع الذات بل حربا عليها أحيانا، ربما وجدته في لحظة يحمل قليلا من نكهة ديوان "الرقص فوق عشب يابس"، لكن في ديوان "العالم يتراءى من ثقب إبرة" نويت أن أخرج من عباءة السريالية، وأترك فضائي لبناء نصوص تلامس الواقع الملموس بتلقائية شاعرية وبأفق أوسع بعيداً عن السريالية، أما "طرق تقليدية للموت" فشعرت بعد كتابته أنه المولود الأكثر نضجا بل الأقرب إلى قلبي، كان البناء الفني للنصوص أكثر عمقا، تناولت فيه موتا بصورة مختلفة بعيدة عن الموت الحقيقي، كان موتا معنويا يجسد صور المعاناة لحياة الإنسان اليومية، ونمو الضغط النفسي الذي يتصارع داخله ليواجه الموت المكرر من همومه كمواطن، ومن معاناته كعاشق وحالات أخرى.

قصيدة النثر

● قصيدة النثر ترسخت مكانتها بعد جدال ومعارك طويلة وفتحت آفاقاً جديدة أمام الشعراء، ألا يوجد تخوف من تعدد مساراتها بما يؤدي إلى هبوطها وضعفها؟

- مازلنا لم نتخلص من الهجوم الجزئي على قصيدة النثر، ولم نتخلص من الهجوم حتى على الرواد الأوائل لهذه المدرسة، لكن مدرسة النثر سارت في طريقها دون حتى الاهتمام بذائقة الجمهور لهذا النوع من الكتابة الشعرية، فهي قصيدة متأثرة بالشعر العالمي، لتتمدد أطرافها إلى الشرق بل قد تكون الوجه الآخر لتلك العملة الأدبية، وفي البداية تعددت مسمياتها إلى النثر الشعري أو الشعر الحر أو قصيدة النثر حتى بعضهم أسماها الخنثى، وكان النص الذي لا يلتزم بالوزن والقافية يعتبرونه ليس شعرا، مع اننا جميعا مقتنعون أن التجديد والإبداع في الفنون الأدبية وغيرها وضع طبيعي أن يسير على مر العقود.

لذلك نجد من الطبيعي تعدد مسارات الكتابة، فهناك مَن يكتب قصيدة النثر وهو يدرك الحدود الفاصلة بين التفعيلة والنثري، وهناك مَن لا يدرك تلك الحدود فيخرج الشكل الفني للقصيدة خليطا بين النثري والتفعيلة، وهناك مَن لا يكتب بوعي وإدراك بالمستويات الفنية والبناء الأدبي للنص، لكنه يسعى بحثاً عن الاختلاف الفني والإبداع المتميز، لذلك يتخذ مسارا معينا خاصا به.

مدارس متنوعة

● مارأيك في المشهد الشعري حاليا؟ وهل المشاركات في المعارض والمؤتمرات الخارجية تثري تجربة الشاعر؟

- قصيدة النثر حالياً أطاحت بالشعر العمودي والتفعيلة، فالمعركة التي كانت بين أنصار الشعر العمودي والتفعيلة وأنصار النثر الحر انتهت لمصلحة الأخير، وبات أصحاب قصيدة النثر في صدارة المشهد لكثرتهم، حتى أصبحوا يقودون الحركة الشعرية في مصر والوطن العربي الآن، ولكن لا ينبغي أن نستبعد هذا التراث الشعري فهو بمثابة مزار سياحي نقدره وجميعنا تعلمنا الهجاء الشعري منه، وهو في مكانه لا تستحق المقارنة بين مدارس الشعر حاليا، لأن كل إبداع له آلياته الفنية، وعالمه الخاص وظروفه وزمنه.

أما بخصوص المؤتمرات والمعارض والمهرجانات فهي بيئات مفعمة بالأنشطة الثقافية، وإصدارات الكتب وحفلات التوقيع، وذلك يتحف الشاعر ويجعله يشعر بقيمته الإبداعية، فضلا عن أن تلك الفضاءات الأدبية هي فرص للتعارف وتبادل الخبرات والمقترحات والأفكار والتقريب بين الأوساط الثقافية باستضافة شعراء ومفكرين من دول مختلفة، ويعد ذلك إضافات للثقافة القومية والعربية. ولاريب في أن ذلك يثري تجربة الشاعر، ويشعر أن النهضة الشعرية تنمو بشكل تدريجي وطبيعي.

ديوان العرب

● الشعر أم الرواية... سؤال مطروح منذ مقولة الراحل الدكتور جابر عصفور إن الرواية ديوان العرب فما رأيك؟

- بالفعل الرواية أكثر اتساعاً ورواجاً عن الشعر، فالأخير مازال مستقراً مكانه، لكنه يغير من جلده ليواكب الحداثة والتطور، والرواية بدأت تزيح الشعر عند مطلع القرن العشرين، رغم أن الشعر أطول عمرا، لكن القارئ يذهب اهتمامه دائما إلى نوع فني سهل مباشر يتشابه مع واقعه الاجتماعي أو دراما يجد فيها نفسه أو حلولا لمشاكله، وهذا ما يجده في الرواية، حيث تشبع تذوقه الأدبي، فضلا عن متعة الإثارة واختلاف المواضيع، وهذا ما يفتقده الشعر.

لذلك لم أزعم أن مفكرا أدبيا كبيرا بحجم الراحل جابر عصفور لا يقدر قيمه الشعر أو ينحيه تماما عن المشهد الأدبي، أو حتى التقليل من أي نوع أدبي معين أو تجاهله، فجميعنا نعلم أن الرواية أكثر طلبا في السوق الأدبي، ولها أولويات الاهتمام عن الشعر.

● لماذا نجد الجوائز العربية نادرة في مجال الشعر؟

- تلجأ الجوائز دائما بمختلف الأنواع إلى الفن الأكثر شيوعا واهتماما من قِبل الجمهور، فمع تطور الحياة، والانفتاح التكنولوجي، وظهور المواقع الترفيهية التي أصبحت تسيطر على ذائقة الناس اختلفت البيئة الثقافية عما قبل، فالشعر حاليا لا أرى له جمهورا إلا كُتَّابه، فلماذا الاندهاش إذن إن كان للشعر جوائز ومهرجانات نادرة أو محدودة، وذلك أيضا يختلف من بلد إلى آخر حسب طبيعة التمويل الثقافي فيها، ولا مناص في أن الرواية أيضا قد سحبت البساط من الشعر في ذلك الأمر مثلما تصدرت المشهد في الأضواء الأدبية.

الشعر الآن في أزمة فعلاً من جوانب كثيرة، فهو بحاجة لتغيير جذري ليعود إلى مكانته الأولى، ورغم ذلك فالجوائز المحدودة وضع طبيعي بالنسبة لتلك الأزمة، وقد يكون فضلا على ذلك السبب هو عدم اهتمام المؤسسات الإعلامية بالترويج للمسابقات، خصوصا إن كانت على المستوى المحلي، أو تكون الجائزة بقيمة متواضعة مما لا تجذب اهتمام الشعراء، وهناك الأهم أن معظم الجوائز الشعرية تقوم على المحسوبية والعلاقات والمصالح الشخصية ولا أجدها تقييما حقيقيا للإبداع الشعري، وشخصيا لم أغامر بتجربة المنافسة أبدا لهذا السبب.

● حدثينا عن آخر أعمالك

- ديواني الخامس مازال جنينا لم تكتمل ملامحه إلى الآن، ولكن كما تعودنا أن الحياة تتغير حالاتها المزاجية، فربما قد يكون جنينا يولد بجينات فيها نكهة موت جديد أو يحمل عُرسا تزفه قصائد تمحو رواسب الموت القديم، أو قد يكون جنيناً مخنثاً يحارب معادلة الحياة الصعبة.

محمد الصادق

قصيدة النثر تقود الحركة الشعرية في الوطن العربي
back to top