«داعش» يخسر زعيمه وبايدن يتابع التنقل بين الأزمات العالمية

نشر في 18-02-2022
آخر تحديث 18-02-2022 | 00:02
المنزل الذي اغتيل فيه زعيم القاعدة أبوإبراهيم القريشي في شمال غرب سورية
المنزل الذي اغتيل فيه زعيم القاعدة أبوإبراهيم القريشي في شمال غرب سورية
عمد زعيم "داعش" الغامض إلى تفجير نفسه وزوجته وأولاده خلال عملية خطيرة أطلقتها قوات العمليات الأميركية الخاصة في شمال غرب سورية، قبل فجر يوم الخميس قبل الماضي، أدى الهجوم ضد رئيس أخطر جماعة إرهابية في العالم إلى مقتل ثالث أهم زعيم جهادي في خضم المواجهات القائمة مع القوات الأميركية في العقد الماضي، وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن العملية التي قتلت الحاج عبدالله المعروف أيضاً باسم أبو إبراهيم القريشي كانت "إثباتاً على نطاق قوة الولايات المتحدة وقدرتها على التخلص من الإرهابيين مهما حاولوا الاختباء في أي مكان من العالم".

تزامنت العملية المعقدة الأخيرة مع مساعي بايدن لإنهاء المواجهة المتصاعدة مع روسيا بسبب أوكرانيا، وكبح طموحات الصين المتوسعة، واستمرار المفاوضات المشحونة حول الاتفاق النووي الإيراني، واستفحال وباء كورونا العالمي. يقول مسؤولون في الإدارة الأميركية إن بايدن انشغل بعقد اجتماعات مطوّلة وغير معلنة حول خطة سرية لقتل عبدالله أو القبض عليه. قد يكون توقيت هذه العملية مكسباً سياسياً لبايدن، مع أن فريقه يزعم أنها لم تكن تهدف لتوجيه رسالة إلى أي بلد آخر، ومع ذلك يثبت التزام بايدن بهذه العملية ثم إطلاق الضربة العسكرية أنه قادر على التعامل مع أزمات دولية متعددة في الوقت نفسه.

كانت هذه الضربة جزءاً من حملة بدأت منذ عقود، وهي تهدف إلى احتواء المقاتلين الجهاديين أو إضعافهم أو التخلص منهم، وكان عبدالله القوة الدافعة وراء معظم تكتيكات "داعش" الوحشية، بما في ذلك استعباد واغتصاب آلاف النساء والفتيات اليزيديات في العراق، لكنه بدا كتوماً لدرجة ألا يرسل أي رسائل على شكل فيديوهات وألا يطلق أي حملات دعائية علنية أمام مناصريه، كانت وزارة الخارجية الأميركية هي التي نشرت واحدة من صوره القليلة، ولطالما اتكل على المراسلين لنقل تعليماته.

كان عبدالله واحداً من أواخر القادة الذين يحملون "إرثاً" معيناً من بين مجموعة جهادية صغيرة تزعم أنها متديّنة وتحمل مؤهلات عسكرية. يقول حسن حسن، أحد كتّاب ISIS: Inside the Army of Terror (داعش: داخل جيش الرعب)، إن عبدالله اختير بعد مشاحنات داخلية كثيرة "لِلَمّ شمل دولة الخلافة المهزومة" غداة مقتل أبو بكر البغدادي في عام 2019، وهو يذكر أن عبدالله "فشل ومات من دون أن يدلي بتصريح علني واحد أمام أتباعه"، لذا أصبح تنظيم داعش "ضعيفاً اليوم وهو يتعرّض لضغوط شديدة". كانت خلايا "داعش" السرية المتفرقة (يفوق عددها العشرة آلاف في سورية والعراق) تنتظر سماع تصريحات عبدالله بعد هرب عناصر من "داعش" في الشهر الماضي، لكنهم سمعوا خبر موته، وقد يقضي هذا الحدث على التنظيم ويُصعّب على أي زعيم جديد ملء الفراغ المستجد.

امتد هجوم القوات الأميركية على ساعتَين، وقد راقب بايدن ونائبته كامالا هاريس وأهم المسؤولين العسكريين ما يحصل على أرض الواقع من غرفة العمليات في البيت الأبيض. في ديسمبر الماضي، حدّدت الاستخبارات الأميركية، بمساعدة مجموعة كبيرة من المصادر المحلية، مكان اختباء عبدالله، داخل مبنى سكني مؤلف من ثلاثة طوابق في شمال غرب سورية، بعد سنوات من البحث عنه، لتجنب سقوط أي ضحايا مدنيين، فضّلت الإدارة الأميركية إرسال قوات العمليات الخاصة بدل استعمال الصواريخ أو الطائرات المسيّرة لقتل زعيم "داعش".

صرّح مسؤول بارز في الإدارة الأميركية أمام الصحافيين بأن التوتر بلغ ذروته نظراً إلى عدد الأولاد في ذلك المكان الذي يشمل عائلات متعددة، نُفّذت العملية في ظل تصاعد الجدل حول الضربات الجوية الأميركية التي قتلت المدنيين عن طريق الخطأ في أفغانستان، خلال الانسحاب العسكري في السنة الماضية، وفي سورية، خلال الحملة التي استهدفت دولة الخلافة التي أنشأها "داعش" في عام 2019. أمضى المسؤولون الأميركيون أشهراً عدة وهم يخططون لهذه العملية، وقد نفذوا في مرحلة معينة مجموعة من التدريبات الميدانية. اعتبر بايدن تلك التحضيرات "شديدة الدقة".

استعملت القوات الأميركية بعد هبوطها مكبرات الصوت لتشجيع جميع سكان المبنى على المغادرة، وهرب عدد من الأولاد، لكن عبدالله قرر بعد فترة قصيرة تفجير القنبلة التي دمّرت مقر إقامته في الطابق الثالث، واختبأ نائبه المجهول الهوية وزوجته في الطابق الثاني وأطلقا النار على القوات الأميركية، وفق مصادر البنتاغون، ثم قُتِل كلاهما، وبعد مغادرة الأميركيين، ذكرت مصادر محلية في سورية مقتل 13 شخصاً، منهم أربع نساء وستة أولاد، وقتلت القوات الأميركية تسعة أشخاص (خمسة مقاتلين وأربعة مدنيين) وتم إجلاء عشرة مدنيين آخرين، منهم ثمانية أولاد، وتعرّف المسؤولون على جثة عبدالله بفضل بصماته ثم عبر تحليل حمضه النووي، لكن جثته بقيت في سورية.

بغض النظر عن هذا النصر القصير الأمد، تحتفظ الحركة الجهادية بشعبية أيديولوجية قوية وسط المسلمين المهمّشين والشباب العاطلين عن العمل، ففي الماضي، أدت الاعتداءات الأميركية الجوية أو الميدانية أو البحرية إلى ظهور حركات جديدة واشتداد الغضب وزيادة المجندين بكل بساطة، وفي هذا السياق، يقول جيمس ف. جيفري، المبعوث الأميركي السابق في "التحالف العالمي لهزم داعش" ورئيس برنامج الشرق الأوسط في "مركز ويلسون" اليوم: "يعطي قتل القادة الإرهابيين آثاراً سياسية ونفسية متنوعة، ويكون مفعولها سلبياً على الحركة الإرهابية وإيجابياً على محاربي الإرهاب، لكن يبقى هذا الأثر تكتيكياً، لا استراتيجياً، في جميع الحالات".

يتوقع الخبراء دوماً استبدال القادة بآخرين بعد اغتيالهم، وتقول ريتا كاتز، المديرة التنفيذية لمجموعة SITE Intelligence: "أثبتت التجارب التاريخية مراراً أن قتل القادة الجهاديين، بما في ذلك الأشهر والأهم بينهم، لا يقضي على الحركة كلها، بل العكس صحيح. تحمّل "داعش" و"القاعدة" مقتل كبار قادتهما في آخر عقدَين، لكنهما عادا وتوسّعا في أنحاء العالم". لم تضعف الحركة الجهادية رغم مقتل أسامة بن لادن في عام 2011 ومؤسس "داعش"، أبو مصعب الزرقاوي، في عام 2006، وهما أهم قائدَين وأكثرهما جاذبية وتأثيراً في أوساط الجهاد العالمي برأي كاتز التي تتساءل: "ما الذي يجعلنا نتوقع إذاً أن تنهار هذه الجماعة بعد مقتل شخصية مبهمة وصامتة مثل أبو إبراهيم"؟

كان عبدالله يختبئ في بلدة أطمة الواقعة بالقرب من الحدود السورية مع تركيا، داخل محافظة شكّلت معقلاً للمقاتلين المدعومين من تركيا وأعضاء "هيئة تحرير الشام" (جماعة متمردة إسلامية كانت في الأصل تابعة لتنظيم "القاعدة"). قال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية إن عدداً من الرجال فتح النار باتجاه إحدى المروحيات الأميركية، وقُتِل اثنان منهما، فقد حصلت هذه الضربة الهجومية بعد أكبر عملية أميركية ضد "داعش" في سورية منذ انهيار نظام الخلافة في عام 2019، ونفّذت الطائرات الحربية الأميركية ضربات جوية في شمال شرق سورية في الأسبوع الماضي بعدما أطلق "داعش" هجوماً كبيراً ضد سجن في الحسكة، حيث يُحتجَز أكثر من 3 آلاف عنصر تابع للتنظيم. دامت تلك العملية أسبوعا تقريباً وأسفرت عن مقتل مئات المقاتلين في "داعش"، وفق مصادر "قوات سورية الديمقراطية" التي تحظى بدعم الولايات المتحدة وخسرت بدورها عشرات العناصر.

يؤكد تجدّد التحديات التي يطرحها تنظيم "داعش" على وجود خلايا نائمة في مساحة بحجم ولاية "إنديانا" الأميركية بين سورية والعراق، كذلك يقبع أكثر من 16 ألف معتقل، معظمهم من النساء والأولاد، في مخيم الهول الذي يخضع لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" في شمال سورية، علماً أن هذه الميليشيا لا تملك سلطة قانونية لتحديد مصيرهم، ويتألف ثلثا هذه المجموعة من الأولاد ويخشى المسؤولون الأميركيون أن يصبحوا متشددين. رفضت دول عدة إعادة مواطنيها بعد انضمامهم إلى "داعش"، وكان جزء أساسي من استراتيجية التنظيم يقضي بتوسيع صفوفه عبر إطلاق سراح السجناء والمحتجزين، وبعبارة أخرى، قد يستمر تهديد "داعش" لسنوات، حيث ترتكز تحركات التنظيم على قادة وحشيين ومجندين مبتدئين.

يقول نيك راسموسين، الرئيس السابق للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب: "أنا أعتبر الضربات أو العمليات التي تستهدف كبار القادة ضرورية جداً، لكنها لن تكون كافية كي نحقق أهدافنا في مجال مكافحة الإرهاب، ولا يعني التخلص من زعيم واحد تغيير مسار الجماعة أو طبيعة تهديداتها بطريقة جذرية خلال لحظة واحدة، ولا تغيير مسار حركة الجهاد ككل"، فغداة مقتل عبدالله، يحتاج تنظيم "داعش" إلى رصّ صفوفه مجدداً، ولم تتّضح بعد هوية الخليفة المقبل. يقال إن الحركة تشمل معكسرات متنافسة، لكن قد يبقى أثر العملية الأميركية على المدى الطويل "هامشياً أو بسيطاً" بشكل عام، ففي النهاية يقول كول بانزل، خبير في الجماعات الإسلامية في معهد "هوفر" التابع لجامعة "ستانفورد": "التنظيم مستعد للتعامل مع هذا السيناريو، ولا تتكل معظم الشبكة العالمية التابعة لهذه الجماعة على توصيات الخليفة أو معلوماته أو توجيهاته".

* روبين رايت

The New Yorker

back to top