مكافحة التضخم... أعمق من مجرد مراقبة الأسعار!

● تستلزم اتخاذ أدوات نقدية ومالية وسياسات إصلاحية وإجرائية تحدّ من الاحتكار
● مخاوف من «دائرة خبيثة» تبدأ بضخ الأموال فارتفاع التضخم ثم الضغط على الدينار!

نشر في 17-02-2022
آخر تحديث 17-02-2022 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
أظهرت بيانات الإدارة المركزية للإحصاء الكويتية نمواً لافتاً في مؤشر أسعار المستهلكين (التضخم) لأعلى مستوياته على أساس سنوي منذ إعادة معادلة المؤشر عام 2017، ليبلغ 4.3 في المئة، حسب بيانات ديسمبر 2021.

وبقدر ما بات التضخم مشكلة عالمية حالياً، مسجلاً أرقاماً قياسية منذ نحو 40 عاماً، فإن الحكومات والاقتصادات الكبرى والبنوك المركزية في مختلف قارات العالم تكاد لا تتوقف عن رصد البيانات شهرياً أو أسبوعياً لاتخاذ مختلف السياسات والإجراءات، التي من شأنها كبح التضخم أو تخفيف حدته.

كيفية المواجهة

تتنوع أوجه تطويق التضخم والحد من تمدده في مختلف الاقتصادات الكبرى، فمنها ما تستخدم أدوات السياسة النقدية بغرض معالجة التضخم، إذ ترفع سعر الفائدة للتقليل من الائتمان في السوق، وبالتالي خفض مستويات الطلب الكلي للوصول إلى نسبة ما من انخفاض معدلات التضخم، أو أن ترفع نسبة الاحتياطي الإلزامي، التي ترتبط بزيادة كمية الأموال التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها في حساباتها لدى البنك المركزي، علاوة على اللجوء إلى أدوات السياسة المالية كعمليات السوق المفتوحة، التي يقوم من خلالها «المركزي» ببيع وشراء الأوراق المالية، مما يؤدي إلى سحب السيولة الزائدة من السوق، ثم انخفاض الطلب الكلي والتضخم، أو إعادة توجيه الإنفاق الحكومي أو حتى رفع الضرائب كأن تقلص الدولة الإنفاق خصوصاً في جانبه الاستهلاكي، أو ترفع حجم الضرائب بهدف اقتطاع جزء من دخل الأفراد، وفي الحالتين ستفضي هذه السياسات إلى تقليص السيولة في السوق، وبالتالي ينحسر الطلب على السلع والخدمات؛ مما يفضي إلى انخفاض الأسعار وتراجع التضخم.

اختلالات كويتية

والمعالجات في سياق الحد من التضخم عديدة ومتنوعة، وفق طبيعة الاقتصاد واتجاهات الاستهلاك والقدرة على اتخاذ السياسات وتبعاتها، وبالنسبة لحالة الكويت، فإن المعالجة لا تقف فقط عند تطبيق المتاح من أدوات السياسة النقدية أو المالية، وأبرزها رفع سعر الفائدة (الخصم) لتوطين الدينار وسحب السيولة من السوق لتقليص الطلب، وبالتالي خفض التضخم، إذ ثمة اختلالات إدارية وفنية تقوّض عملية قياس التضخم في الكويت إلى درجة تثير الشكوك حتى في مصداقية الأرقام.

إخفاق «الإحصاء»

فالجهة المعنية بقياس التضخم في البلاد، أي الإدارة المركزية للإحصاء، أخفقت على مدى نحو ثمانية أشهر في إصدار بيانات حديثة عن التضخم، لتعود خلال شهري نوفمبر وديسمبر، بشكل متسارع، إلى إعلان بيانات الأشهر المفقودة، حتى دون إبداء أسباب تعثرها في إصدارها بوقتها، رغم كل ما يكتنف أسعار المستهلكين من حساسية عالية تتعلق بمصداقية الأرقام وجدوى المعالجة، فضلاً عن أن مكونات المجموعات الرئيسية المؤثرة في حركة الأرقام القياسية للتضخم بحاجة إلى إعادة قراءة للأوزان، بحيث تعطي مقياساً أكثر مصداقية لأثر مجموعة «المسكن» الذي لا يقيس حالياً أثر المضاربات على العقار السكني، ولا هجرة السيولة من القطاع الاستثماري إلى السكني وما يتبع ذلك من ارتفاعات في الأسعار.

سياسة عامة

وبغض النظر عن مدى جودة أسعار المستهلكين (التضخم) فإن الأزمة واضحة للجميع، ومعالجتها تحتاج إلى سياسة عامة بعضها على شكل قرارات قصيرة المدى كالفائدة أو إعادة هيكلة سلة الدعومات لا سيما الغذائية، وبعضها الآخر يستوجب معالجة مجموعة من الممارسات الضارة في السوق الكويتي، التي تؤثر سلباً على المستهلكين مواطنين أو مقيمين، أبرزها الاحتكارات للوكالات التجارية، خصوصاً في قطاعي الأغذية والأدوية، رغم تعديل القانون بما يسمح بوجود أكثر من وكيل لسلعة واحدة مقابل إعطاء «الوكيل القديم» أفضلية على حساب المنافس الجديد كامتيازات الأراضي الصناعية من الدولة التي تؤجر كمخازن ومعارض وورش بأسعار رمزية، وهو ما قد لا يتحصل عليه أي منافس في السوق، إضافة إلى الكلفة الإضافية، التي يدفعها المستهلك نظير ما يُعرَف بسلاسل التأجير بالباطن، التي تنعكس ارتفاعاً في السعر النهائي للعديد من المنتجات، فضلاً عن ضرورة الاستفادة من دعم الدولة للصناعة والزراعة لتوطين العديد من الصناعات الغذائية والدوائية والاستهلاكية، بما يغطي الجزء الأهم من احتياجات السوق المحلي، بما يقلل من آثار ارتفاع أسعار الشحن والنقل أو تعثر سلاسل الإمداد حول العالم.

إجراءات متعددة

ولمعالجة التضخم، ثمة إجراءات متعددة أولها يرتبط بمصداقية وجودة البيانات، مما يستلزم اتخاذ إجراء حكومي فوري لإصلاح حال الإدارة المركزية للإحصاء، ثم اتخاذ سياسات عامة بين مختلف الجهات الحكومية كبنك الكويت المركزي ووزارة التجارة وهيئة حماية المنافسة، وغيرها من الكيانات ذات العلاقة، فمعالجة التضخم أعمق بكثير مما أورده مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة هذا الأسبوع بشأن «تكليف وزارة التجارة والصناعة التنسيق مع الجهات المعنية لدراسة جميع المقترحات والتوصيات الواردة في تقريرها المرحلي الأول لمواجهة أي زيادة في أسعار السلع الغذائية» أو توجه وزارة التجارة لتشكيل لجنة لمراقبة أسعار السلع في السوق أو تشكيل فرق ميدانية لرصد أسعار مواد البناء، فهذه إجراءات قد لا يتجاوز أثرها المدى القصير جداً.

دائرة «خبيثة»

لا شك أن إهمال معالجة التضخم والتراخي عن اتخاذ إجراءات من شأنها الحد من آثاره؛ سيفضي لنتائج سلبية تتجاوز انخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلكين إلى قلق أكبر يتعلق بعلاقة تبادلية بين المطالبة برفع رواتب المواطنين خصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط مؤخراً في مواجهة التضخم، ثم ارتفاع التضخم نتيجة لارتفاع رواتب المواطنين (...) وصولاً إلى ما يُعرَف بـ «الدائرة الخبيثة» التي لا تنتهي، فيرتفع فيها الضخّ النقدي في السوق لتعويض ارتفاع التضخم، مما يؤدي إلى الضغط على العملة الوطنية (الدينار) فتعود بنا الدائرة مجدداً- بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية - إلى ضخ الأموال فارتفاع التضخم ثم الضغط على الدينار!

دون شك، لا أحد يريد أن نصل إلى تلك الدائرة الخبيثة، فالأَولى اتخاذ سياسات إصلاحية وإجرائية من شأنها العمل على الحد من التضخم وآثاره على الاقتصاد والمستهلكين.

محمد البغلي

اختلالات إدارية وفنية تقوِّض عملية قياس التضخم إلى درجة تثير الشكوك حتى في مصداقية الأرقام

إدارة الإحصاء أخفقت على مدى 8 أشهر في إصدار بيانات حديثة عن التضخم
back to top