6/6 : الظاهرة العجيرية أتعبت من بعدها

نشر في 17-02-2022
آخر تحديث 17-02-2022 | 00:20
 يوسف الجاسم كان بحراً من العلوم وعالِماً من علماء الفلك والرياضيات، ومرجعاً في الآداب والتاريخ والثقافة العامة، ومتفرداً بروح الدعابة ورزانة الفكر والطبائع الإنسانية، وليس من السهل أن تتجمع صفاته في شخص عاشت بلاده معه قرناً من الزمان وهو يحسب لها كل إشراقة ومغيب لشموسها وأقمارها، ومتحرياً لفصولها وأعيادها ومدها وجزرها.

التقيته في حوار خاطف عام 2005 ببرنامجي "ضيفي والجانب الآخر"، وكان للتو خارجاً من مأساة وفاة شريكة حياته (أم محمد) وابنه الأكبر (محمد)، ولولا إرادة الله لكان معهما، لكنه عاد إلى الحياة بعد أن قضى 23 يوماً في المستشفى الأميري، ليروي مأساة شيخٍ في الثامنة والثمانين من عمره تتهاوى زوجته وابنه الأكبر بين يديه اختناقاً بدخان الحريق اللعين الذي أودى بحياتهما خلال دقائق دون رحمة، والأب الكهل يترنح بينهما دونما مغيث، ولكنه صحا كطائر الفينيق ليحلق شامخاً لا تحدّه سماء، وحاملاً، كالنسر، أمجاده العلمية والثقافية والوطنية والإنسانية التي صنعها بإرادته وعقله طوال 102 عام، التي عاشها، ليتركها وديعة للأجيال، بعد أن سطرت روزنامته وحساباته الفلكية ومركز علوم الفلك والمرصد الممهور باسمه بقرار من أمير القلوب الراحل الكبير الشيخ جابر الأحمد- رحمه الله- الذي حرص على افتتاح ذلك الصرح بنفسه عام 1986 ، ليخلّد اسم العالم الفلكي الكويتي كظاهرة لن تتكرر.

حفيده السائر على دربه ومدير مركزه العلمي يوسف جمال العجيري قال يوماً: "إن العمل المؤسسي المنظم هو الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها مركز العجيري العلمي، الذي يشكل رؤية مستقبلية أطلقها الملهم المؤسس، لتمثل مرحلة جديدة للحفاظ على مسيرة علم الفلك في الكويت، والإجابة عن السؤال المستحق؛ ما مصير تقويم العجيري بعد وفاة مؤسسه؟".

المركز الذي أنشئ عام 2021 برئاسة سمو الشيخ ناصر المحمد وإشراف مجلس أمناء من خيرة رجال ونساء الكويت أصبح حاضنة للاستدامة العلمية للظاهرة العجيرية، التي أرسى دعائمها الراحل الكبير، وأهم ثماره استمرار "التقويم" الذي ذاع صيته في العالمين العربي والإسلامي، إضافة إلى حفظ مؤلفاته وحساباته الرياضية والفلكية والعلمية المتنوعة واتخاذها مراجع للباحثين.

ذلك هو الإرث الكبير الذي تركه بيننا العالم الجليل العم الدكتور صالح العجيري، الذي رحل عن دنيانا لتبقى أعماله حية وذخيرة لوطنه وأمته، ومشعلاً يحمله تلامذته ومريدوه وأبناؤه حاضراً ومستقبلاً.

فإلى جنات الخلد يا "عم بومحمد" والكويت بَكَتْكَ بقدرِ ما أسعدتَها، ولقد أتعبت من بعدك.

● يوسف الجاسم

back to top