خاص

السفير السعودي في القاهرة أسامة بن أحمد نقلي: واكبنا انطلاق «عاصفة الصحراء» في عشاء تحول لاجتماع عمل

• «بندر بن سلطان أخفى عنا ساعة الصفر ولا يمكنني نسيان حماس موظفي السفارة السعودية بواشنطن»
• «كنت من أوائل من علموا بخبر تحرير الكويت عندما طلب مني تجهيز ونقل الصحافيين من الظهران»

نشر في 17-02-2022
آخر تحديث 17-02-2022 | 00:07
محاورة شخصية لديها الكثير من الخبرة في السلك الدبلوماسي أمر صعب جداً، لأن من يعمل به يستطيع أن يصل بمحاوره إلى دهاليز تؤدي إلى اللامكان، لكن إذا كانت الشخصية ممتلئة بالخبرات والثقافة والأدب وعملت في الإعلام، فحينئذ يصبح الحوار مفيداً، وهذا ما حصل في حوارنا مع سفير خادم الحرمين الشريفين في مصر أسامة بن أحمد نقلي، الذي تحدث عن ذكرياته حول تحرير الكويت، والعديد من المحطات الأخرى في مسيرته، وفيما يلي نص الحوار:
• ما المحطات البارزة المرتبطة بالكويت والسعودية والتي شهدتها خلال مسيرتك الدبلوماسية؟

- في مساء يوم 17 يناير 1991 بتوقيت أميركا، قام الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة في واشنطن آنذاك، بدعوة جميع رؤساء الأقسام والملاحق في السفارة السعودية للعشاء في منزله، علماً بأن دعوة السفير تحتم حضور الجميع. وفي اللحظة الأخيرة تم تغيير مكان العشاء من سكن سمو السفير إلى مبنى السفارة، لنفاجأ بعد الحضور في الموعد المحدد أن العشاء كان اجتماع عمل تزامن مع بدء عملية عاصفة الصحراء، وانطلاق عملية تحرير الكويت، حيث إن ساعة الصفر كانت من المعلومات السرية، ولم يرغب الأمير أن يستشعر أي أحد منا المعلومة، وفي الوقت ذاته كان لابد من عقد هذا الاجتماع لبحث المهام المطلوبة منا في ضوء انطلاق العمليات... ولك تصور حجم الحماس والسعادة الذي شعرنا به بالبدء في تحرير الكويت الشقيقة، بعد المآسي الإنسانية التي عانتها على اثر الغزو.

الموقف الثاني الذي لا أنساه، حين طلب مني الأمير بندر فجر يوم 26 فبراير 1991 أن أجري اتصالات بالمركز الإعلامي في المملكة للبدء في تجهيز ونقل الإعلاميين والصحافيين المتواجدين في الظهران الى الكويت خلال ساعة واحدة، فاجأني الطلب لكون العمليات العسكرية كانت على أشدها، وسألته فوراً؛ هل تحررت الكويت؟ ونزلت إجابته المقتضبة بنعم برداً وسلاماً على قلبي، لأفاجأ لاحقاً أنني كنت من بين أوائل الذين علموا بهذا الخبر السعيد.

• قضيت 42 عاماً في مجال الدبلوماسية ما أبرز المحطات؟ ومن هم الذين أثروا فيك وتتلمذت على أيديهم؟

- هناك الكثير من الرموز في وزارة الخارجية الذين تأثرت بهم وتعلمت منهم منذ أن وطأت قدمي الوزارة حتى اليوم، الا أن البدايات غالباً ما تنحت حروفها في الوجدان، ومن حسن الحظ ارتباطي بدبلوماسي عريق جمع بين العلوم والآداب والخلق الرفيع، هو الدكتور نزار مدني، نجل الأديب السعودي الكبير عبيد مدني، والذي علمني أول حروف الدبلوماسية وقواعدها، إذ كان مديراً لمكتب وزير الخارجية للشؤون الإعلامية، وكانت شخصيته تجمع بين الهدوء والصبر في تدريبنا وتعليمنا في مرحلة مبكرة تشكل أساساً في صقل الشخصية المهنية. انتقلت بعدها للعمل بسفارة المملكة في واشنطن تحت قيادة سمو الأمير بندر بن سلطان، الذي يعد من الرموز البارزة في المشهد السياسي للمملكة. شخصيته ذات نكهة خاصة، وقيادته مكنتني من خوض تجربة ثرية تعلمت منها الشيء الكثير، خصوصاً أن مدرسة الأمير بندر تعتمد على دفع الموظف دائماً الى خطوط الواجهة الأمامية، لتعزيز شعوره بالمسؤولية وثقته بنفسه، واكتساب الخبرة. كان يردد دائماً: «لا تخش من الخطأ، فمن لا يعمل لا يخطئ، والمطلوب منك دراسة الأمور بشكل جيد، وإن أخطأت يمكن تدارك الخطأ»،

وبالتأكيد يظل عراب الدبلوماسية السعودية حينذاك الأمير سعود الفيصل المعلم الأول لجيلي، وجميع من عاصروا قيادته لوزارة الخارجية على مدى 40 عاماً.

واشنطن العاصمة الكبرى

• ماذا أضافت لك واشنطن التي قضيت فيها 10 سنوات؟

- واشنطن عاصمة دولية كبرى، وتأثيرها الدولي واضح، لا يقتصر فقط على السياسة والاقتصاد، بل يمتد إلى الإعلام والثقافة والعلوم، عملي وسط هذا المطبخ ساهم في سبر غور الثقافة الأميركية بعمومها، وساهمت في إثراء تجربتي في الإعلام ومناهجه وآلياته وصناعته بحكم تعييني مديراً للمكتب الإعلامي بالسفارة، وبطبيعة الحال ساهمت التجربة كذلك في إثراء تجربتي السياسية والدبلوماسية، إلا أن الأهم كان ما أضافته الى تجربتي التقنية، حيث وجدت نفسي اضطراراً أمام أول جهاز كمبيوتر في حياتي، حتى استطيع الحديث باللغة التقنية السائدة في الولايات المتحدة المتحكمة في مفاصل التعاملات على الصعيدين العملي والشخصي.

• لنعد إلى مرحلة العودة الى المملكة السعودية فما أبرز محطاتها؟

- عودتي الى الرياض كانت في عام 1997، كان الأمير سعود الفيصل، رحمه الله، حينها يستشرف مسار ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات وانعكاسها على تطور وسائل الإعلام، وعلى اعتبار أن الإعلام يعتبر إحدى ادوات الدبلوماسية المهمة، فقد كان يرى بضرورة تطوير جهاز الإعلام بوزارة الخارجية فكراً وشكلاً، وبناء جهاز إعلامي قادر على استيعاب المستجدات والتفاعل معها.

استناداً إلى هذه الرؤية، وبناء على طلبه، قدمت لسموه مشروعاً لتطوير الإعلام، ابتدأ بتحويل جهاز الإعلام بالخارجية من مكتب الى إدارة عامة بمهام ومسؤوليات وهيكل جديد يمكنها من التحرك برشاقة في خدمة أهدافها، وفي المرحلة الثانية تحويله من إدارة عامة الى وكالة وزارة للدبلوماسية العامة، بإضافة مهام الدبلوماسية الشعبية اليه، وتطوير التواصل الاجتماعي من قسم الى مركز متكامل.

الا أن اكتمال الدراسات الخاصة بالوكالة تزامنت مع مرض الأمير سعود الأخير ثم تعيينه لاحقاً مستشارً لخادم الحرمين، مما أخر تنفيذ المشروع. ومع تولي الوزير عادل الجبير «الخارجية» تم البدء بتنفيذه وانجز في فترة قياسية، وساعد في ذلك برنامج التحول الوطني الذي يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ضوء رؤية المملكة الطموحة 2030.

وقد اكتمل المشروع بصدور قرار إنشاء وكالة الوزارة للدبلوماسية العامة في 2017 وتعييني أول وكيل لها قبل تعييني عام 2018 سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في جمهورية مصر العربية.

• بواقع خبرتك الطويلة، أيهما أكثر فعالية في إحداث التغييرات الدولية الوسائل العسكرية أم الدبلوماسية؟

- من قال إنهما مختلفان؟ فالمتعارف عليه أن الوسائل الدبلوماسية والعسكرية وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يهدف الى الذود عن الدولة والدفاع عن مصالحها، والحفاظ على سيادتها واستقلالها وحماية شعبها ومقدراتها، لذلك تظل الأهداف واحدة وإن اختلفت الأدوات، فالعمل العسكري له أدواته والدبلوماسية، لها أدواتها وهي قوة الكلمة. وبطبيعة الحال لا يمكن حصر التأثير في التغييرات الدولية في هاتين الوسيلتين، بل هنالك عوامل اخرى لها القدرة على التغيير، منها على سبيل المثال البعد الاقتصادي الذي يشكل عنصراً مهماً في العلاقات الدولية.

الدبلوماسي وأسلحته

• هل الكلمة سلاح الدبلوماسي؟

- نعم، بل هي أهم أسلحة وأدوات الدبلوماسي بدونها تفقد القدرة على نقل منطقك وحجتك والدفاع عن قضاياك والتحاور وبناء الجسور والعلاقات مع الآخرين، وإيصال رسالتك. تحمل وراءها جهدا ضخما وامكانات هائلة وثقافة واسعة وقدرة هائلة في التعبير، نبراسنا في ذلك القرآن الكريم، بآياته المعجزة.

الا أنه من المهم الإشارة الى أن بلوغ هذه المهارة يتطلب جهداً ضخماً من العلم والثقافة ودراسة الأمور بشكل جيد، إضافة الى تطوير مهارات التواصل الإنساني، والكتابة، التي تمكنك من نقل وجهة نظرك نطقاً وحرفاً، سواء في المحادثات أو المراسلات أو عبر وسائل الإعلام، وفق مقتضيات المهام الدبلوماسية.

• هل هذا يعني أنه يجب أن يكون الدبلوماسي مثقفاً؟

- الدبلوماسية في نهاية المطاف فكر لا عضلات، والفكر تغذيه الثقافة والعلم بمفهومها الشامل.

• ماذا تعني الثقافة بالنسبة لك؟

- كيف تكون مثقفاً ليست ورشة تدريبية مؤقتة، فالثقافة بمفهومها الحقيقي مسيرة حياة وتجارب، تأملات، تفكير معمق في القضايا، متابعة المستجدات، والمعلومات من الوسائل المتاحة، والاستفادة من تجارب الآخرين.

فمثلا اليوم نشأ جيل جديد مختلف بفكر ورؤية جديدة وأدوات عصرية مختلفة تماما، أصبحت التكنولوجيا جزءاً من جيناته، في وقت يسعى جيلي الى التعلم عليها، لأننا لم ننشأ عليها. جيل أفكاره متماشية مع عصره، لذلك عندما اجلس مع الشباب أجدني أستفيد منهم فكرياً، برؤية وآفاق جديدة في التعامل من الأمور من زاوية مختلفة عن رتابة الفكر التقليدي.

• لديك من الخبرات الشيء الكثير وتتعلم من الشباب!؟

- نعم دائماً أشعر أن هناك ما ينقصني، الإنسان يظل في مرحلة تعلم حتى آخر رمق، والفكر المتجدد تغذيه الطاقات العصرية الشابة، لذلك لا أبادر بطرح رأيي في أي اجتماع، خشية أن يؤثر على آراء الشباب الحاضرين، وأحرص على الاستماع جيداً لكل الطروحات مع تغذيتها بالتساؤلات لاصطياد الآراء.

• تشهد المرأة السعودية اليوم مرحلة تمكين «غير مسبوقة»، كيف تقيمون هذه التجربة؟

- حضور المرأة السعودية اليوم في المشهد التنموي للمملكة في جميع القطاعات لم يأت من فراغ، بل نتاج سياسات انتهجتها المملكة لدعم المرأة وتمكينها على مدى عقود طويلة، أبرزها الاهتمام بتعليم المرأة في جميع المراحل وجميع التخصصات النظرية والتطبيقية. من جانب آخر، تستند رؤية المملكة 2030 إلى الاستغلال الأمثل لثروات ما فوق الأرض، في إطار نهضة شاملة لجميع القطاعات بلا استثناء، وهي نهضة تستلزم سواعد جميع المواطنين والمواطنات على اعتبار أن العنصر البشري يشكل أهم ثروات الأوطان. وعندما تمثل المرأة نسبة 42 في المئة من التعداد السكاني، فمن الطبيعي أن نرى حضورها البارز في المشهد التنموي بكل قطاعاته.

جاران بينهما بحر

ما تطلعاتكم للعلاقات السعودية-المصرية؟

- دائما أردد أن مصر والسعودية بلدان جاران يربط بينهما ولا يفصل البحر الأحمر، فالمتابع لمسيرة العلاقات بينهما منذ الزيارة التاريخية للملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود، طيب الله ثراه، سيلمس واقعيا الخط التصاعدي لها على مر العهود والعقود وصولا إلى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين، الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، والرئيس عبدالفتاح السيسي؛ حيث شهدت العلاقة تنامياً كبيراً من خلال إبرام 17 اتفاقية وبروتوكولا ومذكرة تفاهم جديدة، رفعت سقف الاتفاقيات المبرمة إلى نحو 70 بين معظم الجهات الحكومية وأجهزتها في البلدين، الأمر الذي ارتقى بالعلاقة إلى المستوى الاستراتيجي، إضافة إلى ما تحظى به العلاقة من أبعاد أخوية وتاريخية وصلة رحم. جميع هذه الحقائق تنبئ بمستقبل واعد، خصوصا أن العلاقة يقودها زخم شعبي يحمل معه مشاعر الود والمحبة والتقدير المتبادل بين شعبي البلدين الشقيقين.

الجسر بين مصر والسعودية يحتاج دراسات دقيقة

رداً على سؤال عن أسباب تأخر بناء مشروع الجسر البري بين مصر والسعودية، قال سفير السعودية في مصر، أسامة بن أحمد نقلي، إن «الحديث عن الجسر البري بين المملكة ومصر يتناول مشروعا ضخما يربط بين قارتين، ويحمل معه الكثير من التفاصيل الفنية والبيئية والجغرافية التي تستدعي عمل دراسات شاملة ودقيقة، بهدف تحقيق الأهداف المأمولة من الجسر».

ورداً على سؤال عن مشروع الربط الكهربائي بين البلدين، قال نقلي إن «المشروع هو الأكبر من نوعه في المنطقة العربية بتكلفة إجمالية تبلغ 1.8 مليار دولار، لكونه يمتد إلى أكثر من 1350 كم بين محطتي شرق المدينة المنورة وتبوك بالمملكة، ومحطة بدر بالأراضي المصرية، ومن المأمول أن يبدأ تشغيله بعد 36 شهراً من التوقيع الذي تم في أكتوبر الماضي، على أن يكتمل تشغيل جميع الأجزاء بعد 52 شهراً، ليعمل على تبادل نحو 3000 ميغاوات من الكهرباء، والاستفادة من فروقات التوقيت في ذروة أحمال الشبكات الكهربائية في البلدين، وتمكينهما من توظيف مصادر الطاقة المتجددة ضمن خطط إنتاج الكهرباء، وغيرها من المنافع التي ترفع المردود الاقتصادي للمشروع».

** ينشر بالتزامن مع جريدة الأهرام المصرية، وجريدة الجزيرة السعودية

• بدور المطيري – صحافية كويتية - رئيس تحرير جريدة برواز الإلكترونية

بدور المطيري

تجربتي في واشنطن وضعتني أمام أول كمبيوتر... والدبلوماسية في نهاية المطاف فكر لا عضلات

حضور المرأة السعودية اليوم في المشهد التنموي لم يأت من فراغ بل نتاج سياسات أبرزها الاهتمام بتعليمها في جميع التخصصات

سعود الفيصل استشرف مسار ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات ورأى ضرورة تطوير جهاز الإعلام بوزارة الخارجية فكراً وشكلاً

مصر والسعودية بلدان جاران يربط بينهما ولا يفصل البحر الأحمر وأبرمنا 17 اتفاقية وبروتوكولاً ومذكرة تفاهم جديدة
back to top