باسم الزعبي: الترجمة من «الروسية» في تراجع

صدر له أكثر من 50 كتاباً... وأخيراً «أبناء غورباتشوف»

نشر في 16-02-2022
آخر تحديث 16-02-2022 | 00:00
المترجم الأردني د. باسم الزعبي
المترجم الأردني د. باسم الزعبي
رسم المترجم الأردني الكبير د. باسم الزعبي صورة أدبية كاملة ومعاصرة للأدب الروسي، عبر حواره التالي لـ "الجريدة"، تناول فيها الأدب الكلاسيكي، ومرحلة ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وصولا إلى الكتابات المعاصرة، موثقا علاقة الذائقة العربية بالإبداع الروسي، حيث أصدر الزعبي أكثر من 50 عملا تنوّعت بين الدراسات والترجمات، وقدّم نماذجَ قصصية زاهية في تاريخ الأدب الروسي، منهم أنطون تشيخوف، وأركادي أفيرتشينكو، وناديجدا لوخفيتسكايا (تيفي)، وألكسندر كوبرين، وألكسندر تشيخوف، والكاتب العالمي فلاديمير نابوكوف، وأندريه بلاتونوف، وغيرهم. وإلى نَصّ الحوار.
● صدرت لك أخيرا الرواية المترجمة "أبناء غورباتشوف" للروائي ومؤسس الأدب الروسي ألكسندر بوشكين، ما أبرز ملامحها؟

- بالنسبة لرواية أبناء غورباتشوف لبوشكين، وهو كاتب عاش الحقبتين السوفياتية وما بعد السوفياتية، فهي تتحدث عن مرحلة مهمة من التاريخ الروسي المعاصر، وهي مرحلة حكم ميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس سوفياتي، والذي بدأ معه تفكك الاتحاد السوفياتي. إذ مرت الدولة والناس بحالة من التشتت والضياع الفكري، وبدت الدولة ساحة مستباحة لكل القوى المناهضة للحكم السوفياتي والفكر الشيوعي، دون أن يجد الإنسان الروسي هويته الأصلية: هل هي هوية أرثوذكسية أم كاثوليكية أم إسلامية، أم هي خليط من كل ذلك؟

وهل الفكر الديني قادر على ملء الفراغ الذي تركته الأيديولوجيا الشيوعية؟ فالرواية تزخر بالعديد من الحوارات والمواقف المعبّرة.

● لماذا اخترت هذا العمل؟

- اختياري لهذا العمل كان اختيارا واعيا، فأنا بخلفيتي السياسية والفكرية بقيت مهتما لفهم ما حدث لدولة عظمى انهارت في أوج قوتها، ذلك الانهيار الذي يعد أكبر كارثة على المستوى الجيوسياسي، رغم أن غورباتشوف ليس شخصية رئيسية في الرواية، ولا يظهر إلّا مرة واحدة، إلا أن شخصيات الرواية هي إفرازات تلك المرحلة الغورباتشوفية، الإفرازات الشائهة لمرحلة مشوهة.

مترجم وقاص

● أنت قاص ومترجم، من الذي بدأ قبل الآخر لديك، القصة أم الترجمة، وهل لأحدهما أثر مباشر على الآخر؟ وهذا يقودني إلى التساؤل حول ثقافة القاص وثقافة المترجم.

- طبعا علاقتي بالكتابة أسبق من علاقتي بالترجمة، فأنا أكتب منذ كنت طالبا في المدرسة، وفزت وأنا طالب بجائزة القصة على مستوى المملكة، وقد صدرت لي 8 مجموعات قصصية... طبعا أن تكون كاتبا ومترجما يحدث فرقا في الترجمة، فأنت تفهم المعنى وتعرف كيف تصوغه بلغتك بشكل سليم ومعبّر. وربما كان هذا أحد أسباب فوز ترجمتي لكتاب دكتاتورية المستنيرين للكاتبة الروسية أولغا تشيتفيريكوفا. وقد حظيت ترجماتي العديدة باهتمام لافت، إذ أعيد نشرها في أكثر من طبعة في الأردن ومصر.

● هل اختيارك للموضوع ينبع من الواقع المحيط والتزامك الأخلاقي، وإيمانك بدور الكاتب في السعي إلى الكشف عن تأثيرات العولمة وامتدادات مختلف ذلك إلى الأنساق الحياتية للشعوب؟

- بدأت الترجمة في بداية تسعينيات القرن الماضي، إذ كان ما زال للصحف والمجلات الورقية حضورها وألقها، فكنت أترجم القصص والمقالات الأدبية والفلسفية وأنشرها في الصحف والمجلات في الأردن والبلدان العربية الأخرى. وقد ترجمت عشرات القصص لعشرات الكتّاب الذين يمثّلون حقبا متعددة وأساليب متنوعة، بما في ذلك قصص الأطفال.

وقد تمكنت من جمع معظمها وأصدرتها في 8 كتب، كان أولها للمفارقة مجموعة قصصية من الأدب الإفريقي لا الروسي. لقد كان العائق الأكبر أمامي وما زال هو الوصول إلى المؤلفين لأخذ موافقتهم على الترجمة وفقا لقانون حماية حق المؤلف، لذلك كانت ترجماتي الأولى لكتب قديمة سقطت حقوقها.

ترجمات شحيحة

● بالحديث عن بداياتك مع ترجمة الأدب الروسي، وأول مجموعة قصصية تم ترجمتها ماذا تقول؟

- روسيا تزخر بالعديد من الكتّاب المبدعين الحقيقيين، ونحن لا نعرف منهم إلا القليل من الكتّاب الكلاسيكيين؛ مثل تولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف وغوركي وغيرهم.

علما بأن الدولة السوفياتية كانت أهم الداعمين لترجمة الأدب الروسي إلى "العربية"، لكن هذا الدعم توقّف بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأصبحت الترجمات شحيحة وبجهود فردية.

كما أنني كنت مهتما بأن أعرّف القارئ العربي بأسماء جديدة من الكتاب الروس، الذين لم يسبق أن تُرجموا إلى "العربية"، مثل الكاتب أفيرتشينكو ولوخفيتسكايا (تيفي)، وسالتيكوف شيدرين، وغيرهم.

● ما الرؤى الفكرية والفلسفية التي خلصت إليها في كتابك: "دكتاتورية المستنيرين" للكاتبة الروسية أولغا تشيتفيريكوفا، والذي فاز بجائزة مجمع اللغة العربية الأردني لعام ٢٠٢١، وماذا يمثّل لك التكريم؟

- اختياري لكتاب دكتاتورية المستنيرين أيضا لم يكن بعيدا عن اهتماماتي الفكرية والثقافية، إذ إنني التقي مع مؤلفة الكتاب أولغا تشيتفيريكوفا أن هناك من يسعى إلى تقويض الإيمان بالخالق لتأسيس دين شيطاني يخلو من القيم والأخلاق. وقد تتبعت الكاتبة هذا المسعى عند علماء ومفكرين وجماعات وتيارات، وصولا إلى التيار الإنسانوي المعاصر وأطروحاته الهادفة إلى تغيير جوهر الإنسان ذاته، ليصبح مجرد واجهة لحاسوب يتحكم به ويديره من يملك الحاسوب ومن يشغله.

إشكاليات

● ما الإشكاليات التى تعترض المترجم من "العربية" إلى "الروسية"؟ وما علاقتها بدور النشر؟

- الترجمة من العربية إلى الروسية أيضا حدث فيها تراجع بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتخضع العملية لجهود فردية. الترجمة دائما بحاجة إلى دعم مؤسسي، وهذا غير متوافر حاليا في الفضاء الروسي العربي.

● إلى أى مدى استطاع د. الزعبى القول إنه أخلص للترجمة في خضم أنواء رحلته؟

- نعم أخلصت في ترجمتي، لكنني لم أصل إلى مرحلة يمكنني أن أقول فيها إنني مكرس كل جهدي لمشروع الترجمة، فأنا ما زلت أسعى لتأمين احتياجاتي العائلية الأساسية، والعمل في مجال الترجمة عمل مُضنٍ، ولا عائد مادي له، ولا يوجد مَن يدعم هذا العمل.

● برأيك، لماذا يعد الأدب الساخر سلاحا قويا في نقد الواقع؟

- كان اهتمامي بداية بالأدب الساخر، لإدراكي لإمكانات هذا الأدب في التأثير بوعي الناس. الأدب الساخر له قدرة هائلة في استثارة عقول الناس، فالكتاب عندما يقدّم الوقع بصورة ساخرة، فإنه ينزع القدسية، سواء عن الشخصيات او الواقع ذاته.

تأخر

● هناك أقلام تؤكد أن النقد الأدبي العربي المعاصر لا يقوم بواجبه كما ينبغي، وأن النقاد العرب المعاصرين لم يستطيعوا أن يبلوروا نظرية خاصة بالمدونة الأدبية العربية، كيف ترى النقد في العالم العربي مقارنة بنظيره الروسي؟

- نعم النقد الأدبي متأخر عن الإيداع، والناقد العربي لم يساهم كثيرا في النظرية النقدية الأدبية. فجُلّ الأعمال النقدية هي أعمال نقدية انطباعية، وما زلنا ندور في فلك النظريات النقدية التي أنتجت في الغرب.

مناصب ثقافية

يعد الكاتب والمترجم د. باسم الزعبي من المترجمين القلائل في الأردن الذين يعنون بترجمة الأدب الروسي، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وأصدر قرابة الـ 50 كتابا، وقد شغل مناصب عدة في وزارة الثقافة، منها: مدير الهيئات الثقافية، ومدير ثقافة المحافظات، ومدير الدراسات والنشر، ومدير الفنون والمسرح، ومدير مهرجان المسرح الأردني، ورئيس لجنة النشر، ومساعد الأمين العام للشؤون الثقافية والفنية، وشغل عضوية العديد من اللجان العليا لمشاريع وزارة الثقافة، مثل: مهرجان المسرح الأردني، ومخيم الإبداع الثقافي، ومكتبة الأسرة الأردنية، والتفرغ الإبداعي الثقافي. كما كان عضواً في هيئة التحرير لكلٍّ من: مجلة صوت الجيل، التي كانت تصدرها وزارة الثقافة، و"أفكار" التي تُصدرها الوزارة، إضافة إلى مجلة جرش الثقافية التي تُصدرها جامعة جرش الأهليّة. وهو عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين، وعضو مؤسِّس في الجمعية الفلسفية الأردنية، ونادي ابن سينا لخريجي الاتحاد السوفياتي، ومنتدى الفكر والدراسات الاستراتيجية.

محمد الصادق

النقد الأدبي متأخر عن الإبداع والناقد العربي لم يساهم كثيراً في النظرية النقدية

العمل في مجال الترجمة مضنٍ ولا عائد مادي له
back to top