رحم الله أحمد الهارون

نشر في 15-02-2022
آخر تحديث 15-02-2022 | 00:10
 قيس الأسطى بتاريخ 2020/7/28 وفي ذروة انشغالنا في التفتيش عن عدد الإصابات اليومية ونسبتها مقارنة بعدد المسحات والحالات داخل غرف العناية المركزة وعدد الوفيات وجنسياتهم، رحل عنا بهدوء يلامس الصمت إنسان محترم ورجل فاضل هو أحمد راشد الهارون "بوحمد".

كالعادة في مثل هذه الحالات قمت بالاتصال بأشقائه الأفاضل وابنه فيصل لأقوم بواجب العزاء، كما أذكر أنني ألححت على فيصل بنقل عزائي للأخت الفاضلة "أم حمد"، وحسب ما أذكر أيضا أنني سطرت بعض الحروف المتواضعة في عمودي المتواضع في صحيفة (القبس) آنذاك.

لكن وبعد مرور عام ونصف على رحيله أدركت أنني فقدت الشيء الكثير، فبوحمد لمن لا يعلم تنقل بين وظائف كبيرة في الشأن العام إلى أن انتهى به الأمر وزيراً للتجارة في إحدى حكومات سمو رئيس الوزراء الأسبق الشيخ ناصر المحمد الصباح، ومع هذا فإن الرجل بقي متواضعاً مرحباً بأي إنسان يدخل ديوانه غير آبه بأن يكون هذا الداخل مواطناً أو مقيماً أو فقيراً أو غنياً فاحش الثراء، من الحاضرة أو البادية أو إن كان من طائفته نفسها أو من غيرها.

وكان كل يوم أحد يلزم جميع الحضور بالصمت لمدة لا تقل عن ربع ساعة كي أستطيع أن أشرح آخر مستجدات الوضع الإقليمي، وخصوصاً الوضع في لبنان البلد الذي أجمعنا معا على حبه، وإصرارنا على أن نقضي فيه وقتا طويلاً، رحمه الله كان يعتقد أنني مؤهل جداً للحديث في عالم السياسة وعن لبنان تحديداً، ومع أنني في ذاك الوقت كنت كثير الظهور على شاشات التلفزة، فإنني أعترف أن الحديث في ديوانه كان له لذة خاصة تفوق لذة الحديث على شاشات التلفزة، فبعد حديثي الموجز والمتواضع كان يبدأ هو بنفسه نقاشاً مستفيضاً يشترك فيه معظم الحضور، مع إدارة حكيمة ومتوازنة للنقاش من قبله، كما كان الاحترام وسعة الصدر للمختلفين معه قبل المتفقين.

يوم الأحد الجميل وكل أيام الله كذلك فقد الجزء الأكبر من رونقه، لأنني أدركت ومع اقتراب انتهاء هذه الجائحة بإذن الله تعالى أنني لن أعود لرؤيته، ولن أقوم مرة أخرى بتحليل الوضع الإقليمي، خصوصاً اللبناني على مسامعه، ويعلم الله أنني أكنّ كل الاحترام لأشقائه عبدالوهاب وخالد ومساعد وعبدالرحمن وإبراهيم ولعائلة الهارون الكريمة بشكل عام، إلا أن غيابه عنا سيفقدني حماسة الحديث في الديوان، سواء أكان في السياسة أم في غيرها.

بوحمد اشتقنالك، اشتقنا لأحاديثنا عن الاكتشافات للمطاعم والمقاهي بلبنان، اشتقت للرسائل التي كنت ترسلها لي وأنت جالس في بلكونة سكنك ببلدة عيتيت بالقرب من عاليه، الله يرحمك ويغفر لك، ويرزقك الجنة إن شاء الله.

فهل وصلت الرسالة؟ آمل ذلك!

● قيس الأسطى

back to top