أنقذوا التعليم

نشر في 13-02-2022
آخر تحديث 13-02-2022 | 00:09
 د. إقبال العثيمين في الأسبوع الماضي أصدرت 37 جمعية نفع عام بيانا يمثل جرس إنذار إزاء التدهور المتواصل في القطاع التعليمي والتربوي في الكويت، مؤكدة أن الواقع مرير جدا، وتقارير مؤشرات التعليم الدولية صنفت التعليم بالكويت في مراتب متدنية عالميا وخليجيا. هذا الأمر ليس بمستغرب؛ فنحن، أعضاء هيئة التدريس، نلاحظ عن قرب مخرجات التعليم العام التي تفد إلينا سنويا بالكلية، وهي تزداد سوءا عاما بعد عام، فقد صادف معي في الفصل الماضي أن درست 3 شعب لطلاب وطالبات مستجدين (أي طلبة للتو تم تخرجهم من الثانوية، وفي أول فصل دراسي لهم بالكلية)، وهالني المستوى التعليمي والثقافي المتدني لهم؛ فهم يفتقرون لمهارات كثيرة أهمها الكتابة باللغة العربية والإنكليزية والتفكير المنطقي، لدرجة أنه، ولأول مرة تحصل معي، كانت درجة الرسوب في إحدى الشعب 100%! وبالرغم من كل الوساطات من أولياء الأمور ومن مسؤولين كثر، فإنني أبقيت النتيجة مثلما هي؛ لتكون ناقوسا يدق في المنظومة التعليمية!

علينا تفصيل بعض الأسباب التي قد تكون خطوة قيمة لحل سبب تدهور التعليم لدينا، وهو، بلا أدنى شك، الفساد في قطاع التعليم الذي هز الثقة الاجتماعية بالمنظومة التعليمية، وفاقم عدم المساواة، ودمر التنمية، أما أنواع الفساد في التعليم العام فتتراوح بين الغش الأكاديمي، والرشوة، والغش في تعيينات التدريس من وضع معلمين غير مؤهلين في الفصول الدراسية، والتلاعب بالعطاءات والترقيات.

يعمل الفساد كحاجز عائق أمام التعليم؛ إما لأنه يجعل تكلفة الحصول على التعليم باهظة، أو لأن فعل التعليم ببساطة لا يحدث في المكان المخصص له، ويترتب على ذلك أنه في حالة غياب المعلمين المؤهلين، يُحرم الأفراد من الحق الأساسي في التعليم، وعندما يتم الحصول على المؤهلات، ليس عن طريق الجدارة ولكن من خلال الغش أو الرشا، يتم خرق العقد الضمني بين متلقي التعليم والمؤسسات أو المعلمين، مما يؤدي إلى تآكل الثقة بالأشخاص والمؤسسات، والنتيجة الخطيرة الأخرى هي الافتقار إلى الحافز الذي يسببه الفساد بين الطلاب، فعلى سبيل المثال، يمكن للطلاب البدء بالتساؤل عن الهدف من الدراسة لمدة أسبوعين لامتحان في حين أنه يمكنهم النجاح على أي حال، علاوة على ذلك، تنمو عند الطلاب قناعة بأن النظام يعمل بطرق فاسدة، وأن الرشا ضرورية لإنجاز الأمور، وهي طريقة عمل ينقلها الطلاب لاحقا إلى أنشطتهم المهنية واليومية في المجتمع.

إن للفساد في التعليم آثاراً جمة، اقتصادية واجتماعية، فمن الناحية الاقتصادية تتمثل إحدى النتائج المباشرة في الحصول على درجات علمية ومؤهلات على أساس الغش والمحسوبية، وليس على أساس القدرة؛ فالمحصلة تعيين أشخاص غير مناسبين للوظائف لكنهم يملكون السلطة.

للمعلمين التأثير الأقوى على جودة التعليم، وما يفعله المعلمون في عملية التدريس والتعلم أمر بالغ الأهمية لنجاح الطلاب، والطلاب يثقون بالمعلمين كثيراً لدرجة أنهم يرون أنهم أحد المصادر الأكثر موثوقية لما يحتاجون لمعرفته، لذا، يجب وقف توظيف المعلمين غير الأكفاء وترقية المعلمين غير المهرة، ويجب تطبيق المعايير الصحيحة في الترقيات وتأهيلهم بدقة؛ حتى لا تُهدر المواهب وتصبح إمكانات التنمية غير محققة، ويتم تكبد الخسائر المالية وتدمير الأرواح وسبل العيش، فانخفاض جودة التعليم نفسه يخلق أرضا خصبة لمزيد من الفساد ونقص في رأس المال البشري بشكل عام.

بعد تحديد المشكلات ذات الأولوية يمكن للحكومة وجمعيات المجتمع المدني والقوى السياسية التعامل الجدي لإنقاذ المنظومة التعليمية باستخدام أدوات تعزيز الشفافية والمساءلة لمعالجة السلوكيات الفاسدة والحوافز الكامنة وراءها.

● د. إقبال العثيمين

back to top