شوشرة: بئر ريان

نشر في 11-02-2022
آخر تحديث 11-02-2022 | 00:10
 د. مبارك العبدالهادي خمسة أيام متواصلة كان فيها نبض العالم يتسارع وهو يتابع قصة طفل بطل وقع في بئر عمقها 32 متراً تحت الأرض، وهو يصارع من أجل البقاء، إنه المغفور له الطفل ريان، الذي يعرف الجميع قصته، والذي قاده القدر للسقوط في هذه البئر والوفاة قبل إنقاذه بساعات.

عند متابعة هذا الحدث الجلل ثمة سؤال طرح نفسه: هل تمت الاستفادة من هذه الحادثة التي جعلت جميع من تابع المأساة يتعايش مع المغفور له ريان وكأنهم في هذه البئر التي عانى وحشتها وحصارها ومرارتها طفل بريء؟

رغم قسوة ما عاناه ريان فإنه حقق ما لم تحققه العديد من الأنظمة والحكومات من تكاتف وتلاحم عربي وإسلامي وتعاطف ومتابعة لهذا الحدث العظيم. شكراً ريان لقد علمتهم درسا في الإنسانية، وصعوبة العيش في بئر لأيام دون طعام أو شراب، وبقيت صامدا رغم صغر سنك، إلى أن حان موعد وداع هذا العالم، تاركاً بصمة لم يضعها العديد ممن يجلسون خلف المكاتب العاجية، وأحيا ضمائر ماتت بعد أن اجتمع العالم على حزن رحيله.

كم من ريان قد وقع في بئر لكنها بئر من التعذيب والتنكيل والتجريح والإهانات لأطفال يعانون دون أن يشعر بهم الآخرون بسبب أب أو أم تجردا من الإنسانية أو الأبوة! وكم من أطفال فقدوا الحنان وواجهوا الاضطهاد وأصبح الخدم أقرب من الأبوين المنشغلين في متاهات الحياة! وكم من أطفال في هذا العالم يعذبون!

ولكن لنصمت جميعا عن هذه المآسي ولننتقل بمشاهد أكثر معاناة وأسى لأطفال ودعوا الحياة لأنهم لا يملكون رداء يدفئ أجسادهم من قسوة البرد، أو طعاما يملأ بطونهم من جوع الأيام العجاف، أو حليبا يسد رمقهم، فكم من صغير مات تحت الحصار بسبب نظام ظالم ونيران لم ترحم طفولتهم، وكم من معاناة تلد معاناة أخرى تكون ضحيتها البراءة التي وقعت تحت وطأة اللا إنسانية والطغيان!

والطامة الكبرى أن غالبية مشاعر هذا العالم لا تتحرك إلا كردة فعل، كالعادة بعد أن يلعب الإعلام دوراً كبيراً في تسليط الضوء على هذه المآسي، فلو لم تسارع وسائل الإعلام والمبدعون في وسائل التواصل الاجتماعي لتبني قضية المغفور له ريان لما وجدنا هذا الكم من التعاطف والمتابعة والتدافع لإنقاذه.

فلتتجه عدسات الكاميرات إلى معاناة أطفال آخرين ولتفعّل القوانين ضد الانتهاكات التي تمارس ضدهم، ولتحاسب أنظمة استباحت أجسادهم وأزهقت أرواحهم.

آخر السطر:

واقعة ريان ستكون درسا، ولكن هل سنستفيد منه أم أنه كالعادة يتلاشى مع الأيام؟ وهل سننتظر حوادث مماثلة حتى تعاد القيم الإسلامية والإنسانية لأصحابها لتصحو الضمائر والتلاحم بين الشعوب المسلمة والعربية؟

● د. مبارك العبدالهادي

back to top