التحرر من سطوة الغريزة

نشر في 04-02-2022
آخر تحديث 04-02-2022 | 00:08
 ناجي الملا خلقنا الله أحراراً وحملنا بهذا مسؤولية خلافته لإدارة مصيرنا على ظهر الأرض ومخالفة غريزة الفساد والإجرام وسفك الدماء، وأودع فينا قوة الوعي والإدراك التي تقهر قوة الغريزة التي يحب أن تقودها إرادة ومشيئة الإنسان الذي يملك فعل ما يقتنع به عقله بعد سطوع الحجة والدليل، وهذا التصور أعني حرية الإرادة الإنسانية لم يتحطم بالرغم من قساوة معاول الهدم التي هوت بها الفلسفات والتوجهات المادية الجبرية في العلوم الاجتماعية وبالأخص علم النفس وعلم الاجتماع، إلا أن أهم لغم يفجر كل هذه الضراوة المادية الجبرية التي تريد قتل حرية الإنسان وإلحاقه بالجمادات والحيوانات يتمثل في ذلك التمرد والخروج من كل أشكال القيود التي تحكم الإنسان المعاصر حتى في عالم الحضارة المادية، فغدا التمرد أبرز شعار القرن.

ولكن قوى الفساد لن تَعْدَم وسائل التخييل والوسوسة لتدمير مبدأ أو مسخ فكرة جميلة، فلا يوجد أقوى من إلصاق المبدأ أو الفكرة بشخص يتقمص دور المؤمن بهذه الفكرة باحترافية عالية، ثم بعد ذلك يتصرف بعكس المبدأ وعلى النقيض من الفكرة، ويخوض في مستنقع الفساد، فيلوِّث المبدأ والفكرة في وعي الناس حتى يكره الناس المبدأ والفكرة أو تتخلخل ثقتهم بالمصلحين فيستقر ويتمكن الفساد في المجتمع، وكأنه قَدَر لا يتزحزح، والأخطر أن يتكيف الناس مع هذا الفساد بعد اليأس من التغيير.

أساس المشكلة أن أغلبية الناس تتحكم فيهم غريزة الاستجابة الشرطية حسب تجربة أجراها العالم الروسي الشهير بافلوف على الكلب، فعندما ربط الطعام بصوت جرس وجد الكلب يسيل لعابه عند سماع صوت الجرس فارتبط الجرس وانشرط مع الطعام في إدراك الكلب غريزياً، وهكذا يستثمر أرباب الفساد هذه الآلية الغريزية في الربط بين مؤثر طبيعي ومؤثر مصنوع لتشويه الأفكار الجميلة بربطها بأشخاص خبثاء.

بطبيعة الحال إرادتنا حرة لا توجد قوة تقهر إرادتنا حتى التهديد بالقتل فإنه يدفع الإنسان إلى فعل ما لا يريد وقلبه مؤمن بالمبدأ وأحيانا يتحدى الموت ويموت في سبيل الفكرة، بل إن الغرائز مهما شرست يملك الإنسان الانعتاق من سطوتها فلا يخضع للسيف والمنسف ولا تستعبده كل الإغراءات حتى سلطة الشياطين من الإنس والجن لا تتعدى حدود الوسوسة والتزيين والتخييل المُغري، يقول المولى عزَّ وجل حاكيا عن حجة إبليس المفحمة للكفار والفاسدين: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُم فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم"، فلسنا معذورين في وجوب التمسك بالحق والثقة بالإصلاح مهما انحرف وانصرف أي كان عن جادة الإصلاح، والمهم أن نملك المقياس الموضوعي الذكي الذي يفرز لنا الممثلين الدجاجلة من المصلحين في البرلمان وغير البرلمان ممن لا تحركهم إلا ضمائرهم وإيمانهم بالمبدأ، وألا يخدعنا الممثلون والانتهازيون سواء من ذوي اللِّحى المرسلة أو من ذوي الأصداغ الملساء، المهم أن نكون خارج أقفاص مختبرات تجارب التأثير والاستحابة الشَّرطية لبافلوف... ابتسم أنت حر.

● ناجي الملا

back to top