القصور التشريعي لـ «غسل الأموال» يبرِّئ 6 متهمين من تمويل «داعش» في سورية

«التمييز» أيدت رفض «الاستئناف» لطعن النيابة في قضية جمع أموال لدعم 12 ألف مقاتل بسورية

نشر في 01-02-2022
آخر تحديث 01-02-2022 | 00:06
No Image Caption
أيدت محكمة التمييز الجزائية، أمس، برئاسة المستشار عبدالله جاسم العبدالله، حكم محكمة الاستئناف الجزائية، برئاسة المستشار صلاح الحوطي، ببراءة 6 متهمين من تمويل تنظيم داعش في سورية، لعدم وجود أدلة بإدانة 5 منهم، ولفراغ تشريعي في إدانة المتهم السادس، باعتبار أن قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لا يعاقب الموظفين في الشركات المالية بل رؤساءها وأعضاء مجلس الإدارة، والإشرافيين فيها.

وكانت «الاستئناف» دعت السلطة التشريعية إلى الإسراع نحو تعديل القانون الحالي، والنظر إلى قانون غسل الأموال الإماراتي، الذي عالج القصور المتضمن العديد من الثغرات التي تحول دون عقاب من يقوم ببعض الأعمال أو التصرفات التي تصب في مصلحة الكيانات الإرهابية ومن ينتمي إليها، كما هي الحال في الواقعة موضوع الدعوى.

وقالت المحكمة بعدما رفضت الطعن المقام من النيابة العامة: إنه إذا كان الحكم المطعون عليه قد بنى قضاءه ببراءة المطعون ضده تأسسياً على أن المخاطب بالتجريم والعقاب بالمادتين 9 و33 من القانون هو المؤسسات المالية، وهي من الأشخاص الاعتبارية، فإنه لا تجريم لفعل شخص طبيعي يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، مما يؤذن بتمييز الحكم المطعون فيه.

قالت محكمة التمييز إنه لما كان المطعون ضده المتهم السادس في جريمة تمويل تنظيم داعش في سورية، المسند إليه الجريمة المؤثمة بالمادتين 9 و33 من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، يعمل، وفق ما هو مبين في الأوراق، في مركز أبراج الكويت للصرافة، وهو ليس صاحب المؤسسة المالية، أو أحد أعضاء مجلس الإدارة التنفيذية أو الإشرافية أو المدير، وعليه فإنه ليس من الأشخاص الذين خصتهم المادة 33 على سبيل الحصر بالعقاب، ويصادف القضاء ببراءته محله، ويضحى طعن النيابة قائماً على غير أساس.

وكانت محكمة الاستئناف قالت إنه بشأن موضوع الاستئناف فإنه لما كانت المادة الثانية من القانون رقم 106 لسنة 2013 نصت على أن: يعد مرتكباً غسل أموال كل من علم أن الأموال متحصلة من جريمة وقام عمداً بما يلي: 

أ- تحويلها أو نقلها أو استبدالها، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الأموال، أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي التي تحصلت منه الأموال على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته. 

ب - إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للأموال أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها. 

ج - اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها. 

ومقتضى ذلك النص أنه يلزم لقيام جريمة غسل الأموال أن تكون محلها متحصلة من جريمة، وكان من المقرر أن الجريمة تستلزم، فضلا عن القصد الجنائي العام، قصداً خاصاً، وهو نية إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحب الحق فيه... إلى آخر ما ورد بنص المادة من صور. 

عمليات مالية

ولفتت المحكمة، في حكمها، الى أن مفاد ذلك أن جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة المذكورة هي عملية أو مجموعة من العمليات المالية أو غير المالية التي يتم من خلالها تحويل الأموال والعائدات المتحصلة من جريمة إلى أموال وعائدات لها مصدر قانونی ومشروع، بهدف إخفاء المال أو تمويه المصدر غير المشروع لهذه الأموال أو مصدره أو مكانه أو صاحب الحق فيه، أو إلى غير ذلك من الصور التي أوردتها تلك المادة، وتقدير توافر ذلك أو نفيه هو مما تستقل به محكمة الموضوع حسبما تستخلصه من ظروف الدعوى وعناصرها، مادام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر معها هذا الاستخلاص.

جريمة تمويل إرهاب

وأوضحت المحكمة أنه من المقرر وفقا للمادة الثالثة من القانون سالف الذكر أنه "يعد مرتكب الجريمة تمويل الإرهاب كل من قام بصورة مباشرة أو غير مباشرة بإرادته وبشكل غير مشروع بتقديم أو جميع الأموال بنيّة استخدامها لارتكاب عمل إرهابي، أو مع علمه بأنها ستستخدم كليا أو جزئيا لهذا العمل أو لمصلحة منظمة إرهابية أو لمصلحة شخص إرهابي.

ويعتبر أي من الأعمال الواردة في الفقرة السابقة جريمة تمويل إرهاب، حتى لو لم يقع العمل الإرهابي، أو لم يستخدم الأموال فعليا لتنفيذ أو محاولة القيام به، أو ترتبط الأموال بعمل إرهابي معيّن أيّا كان البلد الذي وقعت فيه محاولة العمل الإرهابي.

وأشارت إلى أنه من ثمّ فإن مناط التجريم هو ارتكاب المتهم إحدى الصورتين الواردتين في المادة آنفة البيان، وهما تقديم أو جمع الأموال دون أي نشاط آخر، على عكس بعض التشريعات المقارنة الأخرى، ومنها على - سبيل المثال - القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014 في شأن مكافحة الجرائم الإرهابية بدولة الإمارات، والذي جرّم تمويل الإرهاب في الفصل الرابع تحت عنوان جرائم تمويل الإرهاب ضمن المادتين 29 و30، إذ نصت المادة 29 علی أن يُعاقب بالحبس المؤبد أو المؤقت الذي لا تقل مدته عن 10 سنوات كل من:

1 - قدّم أموالاً أو جمعها أو أعدها أو حصّلها أو سهّل للغير الحصول عليها بقصد استخدامها، مع علمه بأنها ستستخدم كلها أو بعضها في ارتكاب جريمة إرهابية.

2 - قدّم أموالا لتنظيم إرهابي أو لشخص إرهابي أو جمعها أو أعدها له أو حصلها أو سهّل له الحصول عليها، مع علمه بحقيقة أو غرض التنظيم أو الشخص الإرهابي.

3 - اكتسب أموالا أو أخذها أو أدارها أو استثمرها أو حازها أو نقلها أو حوّلها أو أودعها أو حفظها أو استخدمها أو تصرَّف فيها، أو قام بأي عملية مصرفية أو مالية أو تجارية، مع علمه بأن تلك الأموال كلها أو بعضها متحصلة عن جريمة إرهابية أو مملوكة لتنظيم إرهابي، أو معدّة لتمويل تنظيم إرهابي أو شخص إرهابي أو جريمة إرهابية.

دليل يقيني

ويبين مما تقدم أن المشرّع الإماراتي أورد جميع الصور- ومن بينها صورة واقعة الدعوى الماثلة - المتصور وقوعها لتمويل الإرهاب، ومن ثمّ فإنّ توافر أي منها يكفي لتحقق جريمة تمويل الإرهاب في حق مَن يتهم بها، وهو ما يخالف ما أورده المشرّع الكويتي في القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حين حدد صورتين فقط هما تقديم أو جمع الأموال.

ولما كان ذلك وكانت الأوراق قد خلت من دليل يقينی تطمئن إليه المحكمة، يمكن من خلاله أن تستدل على أن المتهمين من الأول إلى الخامس قدّم أو جمع أموالا لمصلحة منظمة إرهابية أو شخص إرهابي بالمعنى الذي قصده المشرع، إذ إن صورة الواقعة حسبما وردت على لسان شاهد الإثبات الضابط بإدارة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بجهاز أمن الدولة، تخلّص في أنه علم من تحرياته السريّة أن المتهمين قاموا بدعم وتقديم الأموال لمصلحة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) المصنّف دوليا بأنه من التنظيمات الإرهابية، وذلك عن طريق دعم كل من المسؤول التنظيم في سورية ومسؤول التنظيم في العراق، حيث يقوم الأول بنقل أموال التنظيم المتحصلة من جرائم التنظيم من سورية إلى الكويت عن طريق مركز الأصيل للصرافة، وذلك بتسلّم الأموال من أشخاص حسَني النية لتحويلها إلى سورية، ثم يقوم المركز سالف الذكر بالتواصل مع المسؤول عن دفع تلك الأموال في سورية لمصلحة المستفيدين من الحوالات، ثم يطلب من المتهمين سالفي الذكر تسليم المال الذي في حيازتهم إلى مركز أبراج الكويت للصرافة تحت أسماء وهمية، أو تسليمها إلى شركة الذكير للتجارة العامة والمقاولات تحت أسماء وهمية، وتمكّن بذلك من إدخال الأموال إلى الكويت تحت غطاء قانوني، مع علمهم بأنه منتمٍ لتنظيم داعش وأمواله متحصلة من جرائم التنظيم الإرهابي، كما توصلت تحرياته أيضاً إلى قيام كل من المتهمين مالكي شركة بدولة الإمارات العربية المتحدة بممارسة ذات الفعل مع عبدالرحمن علي حسين الراوي مع علمهما بانتمائه للتنظيم، فإن ما استندت إليه النيابة العامة في إثبات توافر أركان جريمة تمويل الإرهاب لا يقوم على سند صحيح من الأوراق، إذ إن ما قرره لا يوفر أياً من الصورتين الواردتين بالنص التجريمي، إذ إن ما سلكه المتهمون لا يعد من قبيل تقديم المال أو جمعه لمصلحة إرهابي أو منظمة إرهابية، وهو ما ينفي عنهم الجريمة محل التهمة الأولى، ولما كان ذلك وكانت جريمة غسل الأموال تشترط لتجريم الفعل أن يكون المال متحصلاً عليه من جريمة، بالتالي انتفت أركان جريمة غسل الأموال في ظل هذا القصور التشريعي، الذي لا تملك المحكمة معه إلا أن تلتزم بصریح نص المادة، ولازم ذلك انتفاء أركان الجريمتين في حق المتهمين، ولا ينال من ذلك ما أوردته النيابة العامة في مذكرة أسباب استئنافها تدلي منها على توافر أركان الجريمتين وثبوت الإتهام قبل المتهمين إذ إن ما استندت إليه على نحو ما سلف سرده لا يوفر في حق المتهمين أياً من الصورتين اللتين تطلَّبهما المشرّع لتوافر اركان جريمة تمويل الإرهاب، لاسيما أن ما استندت إليه النيابة العامة في أسباب استئنافها من أقوال العقيد ناصر بدر محمد بإدارة مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب من أن المتهم الأول أعلن عن إقامة حملة بعنوان تجهیز 12 ألف مقاتل في سورية ضد النظام السوري بهدف جمع مبالغ مالية عبر التبرعات لتجهيز المقاتلين بالأسلحة لمكافحة النظام السوري وأن هدف الحملة تقديم المبالغ المالية لجماعة جبهة النصرة الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي والمدرجة بقوائم الإرهاب الدولية كجماعة إرهابية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم (2083/2012) وإيصالها للمنظمة الإرهابية سالفة البيان من خلال نقلها بطريقة غير مشروعة عبر الحدود إلی الجمهورية التركية ثم إلى مناطق الصراع في الجمهورية العربية السورية بهدف تمويل الجماعة الإرهابية سالفة البيان هو أمر لا وجود له في تحقيقات النيابة العامة التي جاءت خالية من ثمة أقوال للضابط سالف الذكر أو تحريات له بشأن الواقعة، ولازم ذلك براءتهم من الإتهام المسند إليهم.

وحيث انه عن التهمة الثالثة المسندة إلى المتهم السادس فإنه لما كانت النيابة العامة أسندت اليه أنه بصفته مسؤول مركز للصرافة في دولة الكويت التي تمارس نشاط التحويلات المالية الأخرى أجرى التحويلات المبينة بالتحقيقات دون التأكد من هوية العملاء والمستفيدين منها بالمخالفة للنشاط التجاري المرخص له ودون الالتزام بالتعليمات المحددة قانوناً وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.

المعلومات قبل التحويل

وكانت النيابة العامة لم تبين بمواد الاتهام النص العقابي الذي تطالب بتطبيقه على المتهم إلا أن نص المادة التاسعة من القانون سالف الذكر أوجبت على المؤسسات المالية التي تمارس نشاط التحويلات الإلكترونية الحصول على المعلومات المتعلقة بأمر التحويل ومتلقي التحويل لدى إجرائها المعاملات والتأكد من أن هذه المعلومات تبقى ضمن أوامر التحويل أو الرسائل ذات الصلة من خلال سلسلة الدفع ويحظر على المؤسسة المالية الآمرة بالتحويل الإلكتروني تنفيذه إذا تعذر عليها الحصول على هذه المعلومات.

وقد عاقبت المادة 33 من القانون المشار إليه المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المحددة أو أي من أعضاء مجلس الإدارة التنفيذية أو الإشرافية أو مديريها بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تجاوز خمسمئة ألف دينار عن كل مخالفة أو عدم الالتزام عن عمد أو إهمال جسيم بأحكام المادة التاسعة من هذا القانون.

من ثم فإن هاتين المادتين هما المنطبقتان على الواقعة وكان الثابت من استقرائهما أن هذا النص يخاطب المؤسسات آنفة البيان وهي من الأشخاص الاعتبارية ومن ثم فلا تجريم يقع على الشخص الطبيعي، ولو أراد المشرع ذلك لأورد في مادة العقاب عبارة (مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي) كما هو الحال في المادة 32 من القانون ومن ثم حق القضاء ببراءة المتهم.

لما كان ما تقدم وكانت هذه المحكمة قد ثبت لديها من استقراء مدونات وقائع وأسباب الحكم المستأنف أن محكمة أول درجة قد حصلت واقعات الدعوى وأحاطت بها بكل ظروفها على نحو سليم يتفق مع ما تنطق به أوراقها كما أحاطت بأدلة الثبوت التي ركنت إليها النيابة العامة من وجهة نظرها فى ثبوت الاتهام وأحالت بمقتضاها المتهمين – المستأنف ضدهم - إلى المحاكمة وألمت بدفاع الحاضر منهم فرجحت – وبحق – دفاع المتهمين وخلصت إلى القضاء ببراءتهم من الاتهام، الذي أسندته إليهم النيابة العامة - كسلطة إتهام - وكان مبنی قضاؤها هو خلو النص العقابي من تجريم لما قام به المتهمون من الأول إلى الخامس، وعدم تجريم الفعل المستند إلى المتهم السادس للشخص الطبيعي بما يفيد انتفاء المسؤولية الجزائية، وأوردت لذلك أسباباً كافية لحمل قضائه ببراءة المتهمين، وكانت هذه المحكمة تقر هذا القضاء وتحيل إلى أسبابه وتأخذ بها أسباباً مكملة لأسباب حكمها، ولما كان ما تقدم وكان استئناف النيابة العامة لم يأت بجديد من شأنه أن يتغير به وجه الرأي لدى هذه المحكمة فيما قضى به الحكم المستأنف من قضاء، فقد أضحى مرفوعاً على غير أساس يقدر على حمله بما لازمه القضاء برفضه وتأييد الحكم المطعون فيه عملاً بالحق المخول لهذه المحكمة بمقتضى نص المادة 208/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.

والمحكمة وقد انتهت من قضائها المتقدم لا يفوتها - من قبيل التعاون المحمود بين السلطات - أن تلفت نظر السلطة التشريعية إلى أنه آن الأوان لمراجعة شاملة لقانون غسل الأموال وعلی الأخص ما يتعلق بجريمة تمويل الإرهاب لتجريم مثل ما قام به المتهمون من أفعال وماقد يتصور وقوعه من أفعال آخری مسترشدة في ذلك إلى تجارب الدول الأخرى وتشريعاتها التي عالجت هذه الجريمة ومنها القانون الاتحادي في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة بدولة الإمارات حتى يمكن سد الثغرات التي تحول دون عقاب من يقوم ببعض الأعمال أو التصرفات التي تنصب فی مصلحة الكيانات الإرهابية ومن ينتمي اليها، كما هو الحال في الواقعة موضوع الدعوى.

● حسين العبدالله

الحكم تضمن دعوة السلطة التشريعية لسد ثغرات القانون لمنع دعم الكيانات الإرهابية

المحكمة أكدت أن القانون لا يعاقب موظفي الشركات المتهمين بالغسل بل أصحابها ومسؤوليها
back to top