«عسكرة المرأة»... كشف حقيقة النواب مناصري الحريات

نشر في 30-01-2022
آخر تحديث 30-01-2022 | 00:09
 يوسف الشايجي كان المحور الأول في استجواب نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسبوع قبل الماضي والمسمى (عسكرة المرأة) سبباً في كشف حقيقة العديد من النواب من مدعي مناصرة الحريات، والذين كانوا فرساناً حاملين راية الحريات والدفاع عنها في جلسة مجلس الأمة التي سبقت جلسة الاستجواب مباشرة والتي خصصت للتعديلات على قانوني المرئي والمسموع والمطبوعات والنشر، وكان التوجه الغالب في تلك الجلسة نحو تخفيف القيود حول حرية الرأي وحق التعبير عنه من خلال إلغاء أو تخفيف العقوبات المذكورة في القانونين، وتسابق النواب في ذلك حتى نجحوا في إلغاء بعض عقوبات الحبس وتخفيف مدة الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي الموجودة في القانونين.

فقد مرت تلك التعديلات بأغلبية مريحة جداً، واستبشرنا خيراً بالمزيد من مثل تلك القرارات الانفتاحية التي تصون حريات الأفراد وحقوقهم، لكننا فوجئنا في نهاية الجلسة القادمة 2022 /1/19التي خصصت لاستجواب وزير الدفاع بموقف غريب ومتناقض لعدد كبير من هـؤلاء النواب (22 نائباً) بدأ بتقديم عدد عشرة منهم بكتاب يطلب طرح الثقة بالوزير، ثم بعدها بساعات قليلة تقدم ثمانية آخرون بكتاب تأييد طرح الثقة مما يعني قناعتهم جميعاً الـ 18 نائباً بمحاور الاستجواب وبما تضمنتها من ملاحظات بما فيها، بل أولها المحور الأول والرئيس، أي أنهم يتفقون مع النائب المستجوب من حيث المبدأ بعدم السماح للمرأة بدخول الجيش.

ثم أعلن أربعة نواب آخرين ربط موافقتهم بتجديد الثقة بالوزير من عدمها، يتوقف ذلك على حل المشكلة الإسكانية كشرط أول، أي مساومة الوزير والحكومة بصورة علنية ومباشرة على حرية المرأة، مما يعني أن حرية المرأة بالنسبة إليهم ليست موقفاً مبدئياً إنما حسب ما تقتضيه المصلحة الانتخابية، وإلا كان بإمكانهم تثبيت موقفهم المبدئي من الحريات عامة بما فيها حقوق المرأة كاملة وتجديد الثقة بالوزير، ومن ثم طلب جلسة خاصة للقضية الإسكانية يضعون فيها ما يشاؤون من قوانين وتوصيات، ثم أتبعوا ذلك بشرط ثانوي بأن تكون موافقتهم أيضاً مرهونة بالفتوى الشرعية.

لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لهؤلاء النواب الـ 22 أن يحملوا كل هذا الكم من التناقض وخلال مدة 6 أيام فقط؟!! كيف يسمحون لمغرد للتعبير عن رأيه بكل حرية ويحمونه من ألا توجه له أي عقوبة، وفي الوقت نفسه يسمحون لأنفسهم بالتضييق على حرية المرأة بعدم السماح لها بالعمل في الجيش، ويتحكمون في مستقبلها ويتدخلون باختياراتها؟!! كيف يدافعون عن إبداء الرأي لكسب ود وإرضاء متابعيهم ومناصريهم في "تويتر" وباقي وسائل التواصل الاجتماعي لمصالح انتخابية، أما في القضايا العملية المرتبطة بالحقوق والحريات الشخصية فالموقف مختلف!!! رغم أن البعض منهم محرج ويبرر موقفه هذا، ويتحجج بأهمية المحاور الأخرى، وهذا غير صحيح لأن بإمكانه "الامتناع" عن الإدلاء بصوته فلا يمنح الوزير الثقة ولا يوافق على تقييد حرية المرأة، ولكن الحقيقة أنهم ما زالوا ملتزمين كمجموعة نواب بالشعار الكبير (لا للرئيسين).

ومن المشاهد المؤسفة أن جميع النواب لم يعترض أي منهم على إحالة قرار عسكرة المرأة لهيئة الفتوى، وربط المضي في القرار أو التراجع عنه بما تقضي به الفتوى، فهذا الإجراء يفترض أنه مخالف لإدارة الدولة.

قاعة عبدالله السالم في تلك الجلسة افتقدت صوت المرأة للدفاع عن حريتها وحقوقها، وافتقدت كذلك الصوت الوطني الحر المستقل المؤمن بحرية المرأة ومساواتها بالرجل في جميع الحقوق والواجبات والسعي إلى تمكينها وإتاحة الفرصة لها للعمل في كل المجالات، وتأييده المبدئي والصريح لعسكرة المرأة ورفضه لمحاولات منعها من دخول الجيش لأن فيه إهداراً لحق من حقوقها التي كفلها الدستور لها، وإلغاء كامل بل عدم اعتراف بتاريخ شهيدات الكويت في المقاومة الشعبية أثناء الغزو العراقي، هذا التاريخ الذي كتب بالدم والفداء بالروح شهادة استعداد وقدرة المرأة الكويتية على القيام بأصعب المهن وأخطر المهام من أجل وطنها، بل التضحية بالنفس من أجله، حالها حال أخيها الشهيد الكويتي.

والمؤمن كذلك بأن الكويت مجتمع مدني يحكمه الدستور والقوانين لا الفتاوى الشرعية التي لها احترامها وتقديرها، ولكن في موضعها الصحيح المحدد لها، فيما يخص أمور العبادة والشؤون الدينية.

في النهاية خرج الجميع من ذلك الاستجواب رابحين: الوزير جددت له الثقة ومن ساومه تكسب منه انتخابياً بالقضية الإسكانية وحتى من لم يمنحه الثقة من النواب لم يخرج خالي الوفاض بل وصل لمبتغاه بفرض القيود الشرعية على المرأة عند دخولها للجيش، فالمرأة ومناصرو المجتمع المدني هم وحدهم من خرجوا خاسرين.

على التنظيمات والتجمعات الوطنية الديموقراطية وجمعيات النفع العام، السعي لإزالة الآثار السيئة التي انتهى إليها هذا الاستجواب، وذلك وكما جاء في بيانات بعضهم باللجوء للمحكمة الدستورية للطعن في فتوى هيئة الأوقاف بخصوص دخول المرأة للجيش الكويتي وإلغاء تلك السابقة الخطيرة.

***

إضاءة:

عندما نأتي على ذكر اللجوء إلى المحكمة الدستورية للطعن على هذا القرار أو غيره من القرارات أو القوانين التي تتعارض مع مصالح شريحة من المواطنين والمواطنات يجب ألا يفوتنا التقدم بالتحية والشكر لكلا النائبين السابقين ممثلي (التحالف الوطني الديموقراطي) فيصل الشايع وراكان النصف، فلهما يرجع الفضل من بعد الله في هذا الإنجاز التاريخي، وكذلك لزملائهما نواب مجلس 2013 من خلال تبنيهم مقترح: حق المواطن بالتقدم مباشرة للمحكمة الدستورية للطعن في أي قانون يتعارض مع مصالحه الخاصة بعد أن كان ذلك الحق مقصوراً على الحكومة ومجلس الأمة، فهما في سبيل الوصول لهذا الإنجاز لم يبحثا عن التكسب الانتخابي أو السعي للبطولات الفارغة والزعامات الوهمية إنما عملا بجد وهدوء ونية صادقة لإنجاز استحقاق وطني تاريخي يستفيد منه الجميع، وليس مقترحاً انتقائياً مفصلاً على الأقارب والأحباب والأنصار كما فعل ويفعل نواب آخرون ممن سبقوهم وممن أتوا بعدهم، فتحية طيبة وتقدير كبير لهما: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ". صدق الله العظيم.

● يوسف الشايجي

back to top