هل انتهى عصر التحكيم في الوكالات التجارية؟
بالرغم من الاستقرار القضائي على جواز التحكيم في منازعات الوكالات التجارية وتصدي محكمة التمييز للعديد من أوجه الدفاع المطروحة عليها بشأن عدم جواز التحكيم في هذا النوع من العقود، استناداً إلى نص المادة 285 من قانون التجارة رقم 68/ 1980 التي نظمت استثناء خاصاً من قواعد الاختصاص الواردة في قانون المرافعات، بجعل نظر جميع المنازعات الناشئة عن وكالة العقود من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها محل تنفيذ العقد، فقد أكدت محكمة التمييز، في العديد من أحكامها الصادرة على مدار السنوات السابقة، أن الاستثناء المنصوص عليه ضمن المادة 285 السالفة الذكر لا يمنع من اتفاق الأطراف في عقد الوكالة التجارية (بجميع صورها) على حل النزاعات بينهم بواسطة التحكيم، وهو ما يتماشى مع ما جاء بنص المادة 8 من القانون 13 لسنة 2016 بتنظيم الوكالات التجارية، التي أجازت صراحة الاتفاق على التحكيم في عقود الوكالات التجارية.كما أكدت أيضاً حكمها الصادر في الطعنين رقمي (2175، 2191/ 2013 تجاري /3) بتاريخ 15/ 1/ 2015 قاعدة مهمة، مفادها أن الدعوى التي تقام من الوكيل السابق ضد الوكيل الجديد والموكل تأسيساً على قيام تواطؤ بينهما وبين الموكل لعزل الوكيل لا تمنع من اختصاص التحكيم بنظر النزاع بين الوكيل السابق والموكل، ومن ثم فإنّ الدعوى المقامة تأسيساً على وجود تواطؤ تكون غير مقبولة لرفعها قبل الأوان مادام النزاع الأساسي بين الوكيل السابق والموكل لا يزال منظورا أمام هيئة التحكيم.إلا أنه، وفي تعديل واضح للتوجه المستقر عليه من محكمة التمييز، أصدرت الدائرة التجارية الثانية حكمها في الطعن رقم 3963 لسنة 2019 تجاري/2 بتاريخ 7/ 2/ 2021، الذي أكدت خلاله أن دعوى الوكيل السابق ضد الموكل والوكيل الجديد تأسيساً على نص المادة 284 من قانون التجارة بطلب إلزامهما بالتعويض لوقوع تواطؤ بينهما، أدى الى عزل الوكيل السابق، هو نزاع لا يقبل التجزئة أو الانفصال عن النزاع الأصلي القائم بين الموكل والوكيل السابق للمطالبة بالتعويض بناء على نصوص المواد 281، 282 من قانون التجارة التي أجازت للوكيل الحصول على تعويض في حال إنهاء عقد الوكالة أو عدم تجديده، ومن ثم فإن المحكمة تختص بنظر هذا النزاع، حتى وإن كان هناك شرط تحكيم في العقد المبرم بين الموكل والوكيل السابق.وسوف يكون هذا التوجه باباً مفتوحاً على مصراعيه للتخلص من شرط التحكيم من قبل الوكيل السابق، حيث إن كل ما عليه - للتخلص من شرط التحكيم - أن يختصم الوكيل الجديد، ويدّعي وجود تواطؤ بينه وبين الموكل، وهذا الأمر، وفقاً للتوجه الجديد لمحكمة التمييز، سيجعل المحكمة تلتفت عن شرط التحكيم، وتمضي قدماً في نظر النزاع تأسيساً على أن النزاع لا يقبل التجزئة.
وقد يطول هذا التوجه أيضاً عقود المقاولات المبرمة بين المقاول الرئيسي والمقاول من الباطن، والتي غالباً ما تنطوي على شرط تحكيم، حيث إنه في حال نشوء نزاع بينهما يستطيع المقاول من الباطن إقامة دعوى أمام المحكمة ضد المقاول الرئيسي واختصام مالك المشروع (رب العمل) وفقاً لأحكام الدعوى المباشرة المنصوص عليها بالمادة 682 من القانون المدني، التي تمنح مقاولي الباطن الحق في مطالبة رب العمال مباشرة في حدود ما هو مدين به للمقاول الرئيسي، وكل ما على مقاول الباطن في هذه الحالة سوى أن يتمسك بأن النزاع بينه وبين المقاول الرئيسي ورب العمل لا يقبل التجزئة، وفي هذه الحالة سوف تمضي المحكمة قُدماً في نظر النزاع ملتفتة عن شرط التحكيم.وبالرغم من التوجه العالمي في التوسع بالاتفاق على التحكيم والثقة التي أصبحت تتمتع بها العديد من مراكز التحكيم الدولية لدى كبريات الشركات في العالم، فإن توجّه محكمة التمييز على هذا النحو سيؤدي إلى تزعزع ثقة الشركات العالمية بالقضاء المحلي، ولاسيما أن جميع الأنظمة القانونية في العالم تهتم بشكل كبير بإرادة الطرفين نحو تحديد الجهة المختصة بنظر النزاع القائم بينهما. ويشار إلى أن الدائرة التجارية الثانية عندما قررت تغيير القاعدة المستقر عليها لم تلجأ لدائرة توحيد المبادئ وفقاً لنص المادة 4 من القانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن تنظيم القضاء.وختاماً يبقى تساؤلنا، هل تعدل محكمة التمييز عن التوجه الأخير المدون بحكمها السالف الذكر، أم أن عصر التحكيم في الوكالات التجارية انتهى؟* طارق دياب* مستشار قانوني