«برنامج الحكومة» يخالف تصريحات رئيسها!

• جاء بعيداً عما أعلنه الخالد خلال الصيف من مشاريع وتوجهات وسياسات
• التورية وإحلال الملتبس مكان الواضح عند اختيار المصطلحات لا يليقان بسلطة تنفيذية

نشر في 07-01-2022
آخر تحديث 07-01-2022 | 00:05
No Image Caption
لم يكن برنامج عمل الحكومة، الذي تقدمت به هذا الأسبوع لمجلس الأمة، مجرد برنامج - كسابقيه - خاوياً من أي قيمة تنموية، بل عاكسٌ لحالة إدارية عامة تتحاشى الأخذ بأي عمل أو مبادرة اقتصادية يمكن أن تؤدي إلى صِدام سياسي تكون نتيجته سقوط الحكومة أو حل مجلس الأمة.

واستكمالاً لهدف التشكيل الوزاري، الأسبوع الماضي، في استمرار الحكومة أطول فترة ممكنة من خلال المحافظة على مقتضيات المحاصصة والولاء مع توزير نواب الخدمات ولو على حساب إدارة البلد ومؤسساته واقتصاده، جاء برنامج عمل الحكومة "ماسخاً" بلا قيمة أو معنى، خالياً من الصيغ التنفيذية، ناهيك عن المتطلبات التشريعية، بل معظم ما ورد فيما يعرف ببرنامج عمل الحكومة كان بعيداً حتى عن المشاريع والتوجهات والسياسات التي أعلنها رئيس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد في مؤتمراته الصحافية خلال فترة الصيف!

غياب المشاريع

فخلال العطلة البرلمانية، تحدث الخالد للجمهور في مناسبتين، الأولى أمام الطلبة المتفوقين في جامعة الكويت، والثانية مع قياديي الدولة في مختلف الوزارات والمؤسسات، تعهد خلالهما بإنجاز مجموعة من المشاريع التنموية المهمة والخطط ذات الاستدامة، كمشاريع مدينة الحرير، وميناء مبارك، والوقود البيئي، والمطار الجديد، وتشكيل لجنة وزارية معنية بمتابعة التنفيذ في المشاريع والمحاسبة، ناهيك عن الاستثمار برأس المال البشري من خلال استكشاف الطلبة الفائقين وتطويرهم من خلال العمل بالشركات التنموية، فضلاً عن دور تطبيق "سهل" الحكومي الموحد في إلغاء المعاملات الورقية، لكن برنامج عمل الحكومة لم يشر إلى معظمها، في حين تطرق إلى أقلها كنقطة عامة بلا تفاصيل.

تناقض السياسات

بل ان ما ورد في البرنامج ناقضَ سياسات سبق لمجلس الوزراء اتخاذها رسمياً، فالبرنامج يتطرق إلى تحسين ميزانية المصروفات، التي تشهد سنوياً تضخماً ما بين 6 و8 في المئة، ويدعو إلى رفع نسبة إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، في حين أن مجلس الوزراء، نفسه، سبق أن ألغى مشروع إنشاء محطة "الدبدبة" لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، أما تطرّق برنامج العمل الحكومي لمسألة أن "كلفة الإصلاح المالي والاقتصادي ستتفاقم في حالة التأخر في المعالجة" فالأجدر أن توضع ضمن خطاب حزب أو جماعة معارضة، لا ضمن برنامج سلطة تنفيذية تتولى كل أوجه الإدارة والقيادة.

خلو الأهداف والتشريعات

اللافت على الصعيد التنفيذي في برنامج عمل الحكومة، أمران يجعلان مجرد التفاؤل بنجاح البرنامج أمراً أشبه بالمستحيل، الأول أنه وضع مجموعة من المستهدفات خلال سنوات الخطة حتى 2024-2025 كإصلاح منظومة التعليم، وتطوير الهيكل الإداري في الدولة، وتنمية سوق العمل، وتحسين بيئة الأعمال وغيرها، دون عرض أو تطرق للخطط التي تبين كيفية تحقيق هذه المستهدفات، والثاني أن البرنامج خلا من المتطلبات التشريعية، التي تحدد القوانين التي تحتاجها الحكومة لتنفيذ أعمالها، وتمت الاستعاضة عن القوانين المحددة في البرامج الحكومية السابقة ببند فيه قدر عالٍ من العمومية تضمن العبارة التالية دون تفضيل: "أي تشريعات أو قوانين خاصة لأي محور من محاور البرنامج تتم مناقشتها مع اللجان المعنية في مجلس الأمة وتقديمها بعد اعتمادها من لجنة متابعة برنامج عمل الحكومة"، وهنا يتبين أن برنامج العمل الحكومي لا يمكن وصفه أصلاً بالبرنامج؛ لأنه خلا من آليات التنفيذ ومتطلبات التشريع.

«تورية»

صحيح أن البرامج الحكومية السابقة لم تكن مثالية من حيث المنطلقات أو الأهداف، ولا حتى الإنجاز، لكنها على الأقل كانت أكثر صراحة من البرنامج الحالي، الذي استخدم التورية بما لا يليق بسلطة تنفيذية في اختيار المصطلحات، فاستبدل الواضحات بالملتبسات، وتحولت ضريبتا القيمة المضافة والانتقائية إلى "تعزيز قدرات إدارة الضرائب"، ومشروع البديل الاستراتيجي للرواتب إلى "تعديل نظام الوظائف والرواتب"، ومراجعة الدعومات وتقنينها أصبحت "تطوير النموذج الوطني للدعومات"، وغير ذلك الكثير من المصطلحات، التي تشوبها المواربة والتورية، مما يشير إلى حالة من عدم الجدية الحكومية في تنفيذ برنامجها، أو أنها قدمته فقط لتجاوز استحقاق دستوري كي تتخطى المحاسبة البرلمانية.

تكرار بلا تنفيذ

اللافت في برنامج عمل الحكومة أنه جاء كجزء من الخطة الإنمائية الثالثة التي لم تصدر بقانون حتى الآن، وهي بالأصل أقل من الطموح التنموي الذي تحتاجه الكويت وتعاني انحرافاً لافتاً، خصوصاً بالنواحي المتعلقة بمفهوم التنمية أو إنجاز المشاريع أو حتى متابعة أعمال الجهاز الحكومي، ناهيك عن تكرار البرنامج لأدبيات لم تتمكن الحكومات السابقة منذ بداية الألفية من تحقيقها إلى اليوم، ابتداءً بلجنة إصلاح المسار الاقتصادي، إلى لجنة "بلير"، وصولاً إلى خطط التنمية، فوثيقتا الإصلاح المالي والاقتصادي ثم استدامة وغير ذلك العديد من التقارير الخاصة التي أصدرها المجلس الأعلى للتخطيط أو بنك الكويت المركزي، مما يجعل الأجدر في الكويت اليوم أن يكون برنامج عمل الحكومة مرتكزاً على أمر واحد أساسي وهو إصلاح السلطة التنفيذية كي تتمكن من تأدية أعمالها كمهيمنة على إدارة الدولة ورعاية مصالحها.

محمد البغلي

الأجدر أن يكون البرنامج مرتكزاً على أمر واحد أساسي وهو إصلاح السلطة التنفيذية

مجتزأ من الخطة الإنمائية بكل انحرافاتها من حيث المفهوم أو الإنجاز أو المتابعة

خلوه من آليات التنفيذ ومتطلبات التشريع يجعله بعيداً عن وصف البرنامج
back to top