وجهة نظر: اليمين المتشدد واليمين شمال الكويتي

نشر في 31-12-2021
آخر تحديث 31-12-2021 | 00:00
 صالح غزال العنزي من يتابع الفكر السياسي في المئة عام الأخيرة وارتباط حركة الأحزاب به، يلاحظ أن الأحزاب اليمينية المتشددة حول العالم هي أكثر الأحزاب عجزاً في تشكيل الحكومات لسببين، أحدهما الخطاب العاطفي الذي تعتمد عليه في تحقيق شعبيتها والذي لا يخدمها في إدارة دولة، والثاني عدم جرأة أحزاب يمين الوسط على مشاركتها بائتلاف حاكم يحقق الأغلبية البرلمانية خوفاً على جماهيريتها من التراجع في مشاركة المتشددين.

والأمر مختلف في الكويت تماماً، فلا يمكن اعتبار التوجه العنصري في الكويت ضمن تيارات اليمين المتطرف رغم أنه أكثر ثباتاً والتزاماً بالأفكار العنصرية، ولكن منطلقات الثبات والالتزام عنده مصلحية بحتة، إذ لا يعتمد الالتزام على قواعد اللون أو الإثنية أو العرق أو أية قاعدة عنصرية أخرى كما هو قائم في الغرب، وإنما يقوم على مصالح ثابتة أو توجيه خفي، فيستخدم لغة خطابية تثير التوتر الاجتماعي وتسهم في عدم الاستقرار السياسي من خلال فوضى أفكار ليس لها جذور، ولذلك يمكننا تسمية اليمين المتشدد عندنا باليمين شمال أي أنه يُقاد ولا يقود، ويتبع توجهات الشارع ولا يوجه الشارع، فاليمين شمال الكويتي وجد بعض النفس العنصري العام في بعض الأفراد من بعض فئات المجتمع دون أن يتبناه أحد في العلن، فتطوع البعض ليكونوا واجهةً لهذا النفس من خلال ممارسة التعنصر العلني مقابل الاستفادة من الاستثمار في البيئة الاجتماعية الحاضنة، وهو ما يعتقدون أنهم سيفوزون من خلاله بإحدى الحسنيين، إما أن يحققوا الشعبية التي تقودهم إلى النجاح في المجالس الانتخابية مثل مجلس الأمة، أو أن يستفيدوا من الحظوة التجارية والسياسية لدى بعض رجال الأعمال ذوي الميول العنصرية وبعض رجال السياسة الذين يخدعهم أحياناً التقدير الخطأ للأحجام بسبب عمى الألوان الذي يعانونه.

والمتابع لتاريخ الأحزاب اليمينية عموماً يلاحظ أن مصطلح حزب لا يتناسب معها أبداً، وإنما هي مجرد أفكار تظهر في فترة ما لأسباب ما ثم تختفي باختلاف الفترات وتراجع الأسباب، ولأن الحكومات في الدول المتقدمة تستشعر أضرار هذه الأفكار في فترات مبكرة، فإنها غالباً ما تواجهها بقوة لمنع الأضرار بشتى الطرق، ولذا فحين تتراجع هذه التوجهات لا تترك آثاراً ضارة في كيان الدولة والمجتمع لاحقاً، أما بعض التوجهات العنصرية في الكويت فإنها غالباً ما تكون تحت مرأى ومسمع الحكومة التي تتجاهلها أو تجاملها مما يوفر لها بيئة تشجع المتردد من العنصريين على عدم التردد (والمستحي أن يصير جليل الحيا)، ولأن قادة هذه التوجهات خاضعون لعامل الظرف الزمني والسببي مثلهم مثل اليمين المتشدد الأوروبي، فإنهم مثلما ظهروا فجأة فجأة سيختفون فجأة أيضاً، فالأفكار العاطفية الساذجة لا تترك أثراً في العقول إنما تتلاعب بالعواطف فقط، لكن تساهل الحكومة في مواجهتهم إما عجزاً أو جهلاً يجعل الآثار السلبية التي يتركونها باقية في المجتمع لفترات ليست قصيرة، وتتسبب بأضرار اجتماعية ووطنية بالغة الشدة، ولو تم تطبيق أفكار هؤلاء العنصريين حول الأصل والفصل والنقاء والأقدمية على جميع الفئات بدون انتقائية لكانوا هم أول ضحاياها، لأن هذه الأفكار شكلية غير قابلة للقياس.

● صالح غزال العنزي

back to top