محمد جمال عمرو: دور الكاتب راهناً بث الوعي الصحي

«من أراد الكتابة للأطفال فعليه أن يقرأ كثيراً ويكتب قليلاً»

نشر في 20-12-2021
آخر تحديث 20-12-2021 | 00:01
أثرى الشاعر الأردني محمد جمال عمرو - الملقب بـ"أمير شعراء الطفولة" - خيال الأطفال واليافعة في الأردن والعالم العربي، بما يربو على 250 كتاباً، ويقف الآن في مرحلته "الستينية" متأملاً مسيرته الإبداعية، ناقداً ما فات، وحالماً بمشروعات جديدة يلاحق الزمن لإنجازها كي ترى النور.
وفي حواره مع "الجريدة" من القاهرة، قال عمرو: " في أبريل المقبل أطفئ الشمعة الـ 63 من عمري، لذلك جلست إلى نفسي أتأمل عناوين الكتب التي ألفتها وطبعتها، وشرعت في تنظيم ما لديّ من أعمال، فوجدت بعضها قد نفد ولا بد من إعادة طبعه، وسوف يكون شغلي الشاغل في هذه المرحلة نشر كل ما يمكن نشره، وأحلم بمشروعات تنهض بثقافة الطفل، وتعبر به إلى بر الأمان، وسط ما نشهده من صراعات وأوبئة ومتحورات كورونا". وإلى نص الحوار:

● لك العديد من الأعمال الإبداعية، وقمت بتأسيس وتحرير أكثرمن مجلة موجهة للأطفال، واليافعة... ماذا عن بدايات هذه الرحلة، وكيف جاء توجهك لكتابة الطفل؟

- بداية احترافي لأدب الأطفال كانت في ميدان صحافة الطفل سنة 1983، وتحديداً مع مجلة "أروى" التي كانت تصدر بترخيص من فرنسا؛ لصعوبة استصدار ترخيص مجلة في الأردن آنذاك، وكنا نجهزها للطبع تحريراً ورسماً وتصميماً في الأردن، وتطبع في بيروت لتوزع لأطفال الوطن العربي وأطفال الجاليات العربية في دول أجنبية، بعددٍ وصل إلى 45 ألف نسخة.

في مجلة "أروى" كنت أكتب قصائد للأطفال، وأكتب قصصاً مصورة (كوميكس) عن الأنبياء والرسل، وموضوعات متنوعة أخرى، وأتاح لي عملي في هذه المجلة الخروج لميدان صحافة الطفل عربياً، إذ شاركت بورقة عمل في ندوة (إصدار مجلة للأطفال على مستوى الوطن العربي/ المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة أبريل 1987)، وفي ختام الندوة تم تشكيل هيئة تحرير لمجلة الأطفال العربية التي تقرر إصدارها برئاسة المرحومة نتيلة راشد رئيس تحرير مجلة "سمير" آنذاك، وانتخبت أنا نائباً لرئيس التحرير.

من هناك كانت انطلاقتي في صحافة الطفل العربي بين رئيس تحرير ومدير تحرير في صحف منها: مجلة فراس- لندن، مجلة براعم عمان- الأردن، مجلة وسام- الأردن، مجلة حكيم- الأردن، مجلة عرفان اليوم- تونس،... إلى جانب نشر قصائدي وقصصي في معظم مجلات الأطفال العربية.

● الكتابة للأطفال تتطلب مهارات وأدوات سردية تفوق ما يحتاجها الكاتب في كتاباته للكبار مارأيك؟

- في الجنس الأدبي الواحد لا بد من تفاوت المهارات والأدوات بين الكتابة في الحالتين، وهي مسألة يتقنها من تمرس في تقديم الأدب للأطفال، وعرف كيف يسلك مسالك التشويق والإمتاع للطفل القارىء الذكي، وعرف كيف يشكل السرد على نحو يجذب الطفل القارئ إليه دون تكلف أو اصطناع، لذلك لا بد لمن أراد كتابة الأدب للأطفال أن يقرأ كثيراً قبل أن يكتب قليلاً، ولا بأس من الاطلاع على ما كتبه الأدباء الغربيون للطفل، فقد سبقونا إليه بعشرات السنوات، وأسسوا له الأسس ووضعوا له المعايير.

الوسائط الإلكترونية

● لكن كيف يمكن النهوض بثقافة الطفل العربي وسط هيمنة الوسائط الإلكترونية؟

- الوسيط الإلكتروني في ثقافة الطفل يشكل منافساً قوياً للوسائط الأخرى والمطبوعة منها على وجه الخصوص، ذلك أنه في الوسيط الإلكتروني يستخدم الطفل حاسة السمع والبصر، وربما تفاعل مع الوسيط إن توفرت فيه خاصية (interactive)، وكلها عوامل لافتة لنظر الطفل جاذبة لاهتمامه، تفرض علينا تجويد الكتب الورقية شكلاً ومضموناً حتى تستطيع الصمود أمام هذا الوسيط المنافس.

● وسط الصراعات والحروب والأوبئة ما التحديات التي تواجه أدب الأطفال في العالم العربي؟

- ما من شك في أن الكوارث من صراعات وحروب وأوبئة لها أثرها في مسيرة أدب الطفل العربي بجميع أطرافه من الأديب المنتج له إلى الطفل المتلقي مروراً بمؤسسات الطباعة والنشر، وما إلى ذلك مما يلقي بظلاله على ميدان أدب الطفل، ويفرض علينا جميعاً إعادة تنظيم الصفوف، وإعادة النظر في المعادلات والآليات المتبعة في هذا الميدان، فعلى الكاتب مثلاً أن يسعى فيما يكتب إلى بث الوعي الصحي والوقائي في جمهور الأطفال، وتوعيتهم بما يجري حولهم، وتسليحهم بالقوة والعزيمة لمواجهة الصعاب، ثم بث الأمل في نفوسهم لاستكمال مسيرة الحياة. وعلى الجميع الإسهام في تقليل الآثار الناجمة عن ذلك كله، وصولاً بثقافة المجتمع عموماً والأطفال خصوصاً إلى بر الأمان بزوال تلك الطوارئ.

● هناك تهميش تجاه الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم العربي، مارأيك؟

- ربما من الإنصاف أن نبحث عن صفة غير التهميش لهذه القضية المهمة، ذلك أن الكتابة للطفل عموماً أمر صعب ومرتقى لا يبلغه إلا من هو أهل له، فكيف بالكتابة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أو ذوي الهمم كما يحلو للبعض تسميتهم، فالكتابة لهم تتطلب معرفة تامة بنوع إعاقتهم، ومراعاة الحالة النفسية لهؤلاء، والحذر الشديد في طرح الأفكار في قصصهم والأعمال الموجعة لهم، وأذكر أن من أنجح قصصي لفئة من هؤلاء (فئة المعوقين حركياً)، هي قصتي: نزهة سلوى، التي تتحدث عن الطفلة سلوى حين وقفت على شباكها تستند على عكازاتها، فأطل القمر واصطحبها (بنظرها فقط) في نزهة في الدنيا وعادت إلى شباكها مسرورة، ولم أذكر في القصة إعاقتها، ولم أعمد إلى إثارة الشفقة عليها بسبب الإعاقة، وأتبعت القصة في نهايتها بقصيدة قلت في ختامها: فرحَت ومشت عكّازاتي/ حملتني للفرح الآتي/ عدت ونفسي مسرورة/ ما أحلى تلك الصورة!

● حصلت على عدة جوائز عربية عن ديوان: (نُسيمات الطّفولة)، وديوان (همس البلابل)، والجائزتين الذّهبيّة والفضيّة في مهرجان الأردن الثّاني للإعلام العربيّ عن أغنيتين: (في مِخبري الصّغير- ذهبيّة)، و(إنترنت- فضيّة)... ما الذي تضيفه الجوائز للمبدع؟

- إلى جانب القيمة المادية، فالجوائز في نظري مؤشر على أن الأديب يسير في الاتجاه الصحيح، وهي إلى جانب ذلك حافز معنوي يمنح كاتب أدب الطفل الثقة في مسيرته الأدبية، وتضعه في المكانة التي يستحقها بين أقرانه من أدباء الطفل، وهي دافع قوي للاستمرار وزيادة الإنتاج الإبداعي.

● مسيرة احترافية حافلة مع صحافة الطفل ورئاستكم وإدارة تحرير العديد من المجلات منها: (فراس) و(براعم عمّان) و(فرسان) التي صدرت في أبوظبي، ومجلّة (القمر الصغير) التي صدرت في سوريّة، ومجلّة (أدهم) ومجلّة (وسام) في الأردن، هل أسهمت في إزالة الحدود وفتح قنوات تواصل أطفال الوطن العربي؟

- هذه حقيقة مؤكدة، لمستها بنفسي خلال مسيرتي في صحافة الطفل العربي، فمثلا حين كتبت قصيدة (القمر الصغير) للمجلة السورية التي تحمل الاسم ذاته، أنشدها أطفال الأردن الذين يدرسون كتاب اللغة العربية في السنة الثانية ابتدائي، وكذلك كتبت قصيدة (القبطان الصغير) في مجلة "أروى"، فأنشدها أطفال الجزائر في كتابهم، وهكذا كان في مناهج اللغة العربية في: الإمارات، قطر، العراق، المغرب، البحرين، زنجبار، وغيرها.

إن سعة انتشار المجلات ووصولها إلى الطفل العربي تمدني بالفرح من حين إلى حين، إذ يرسل لي الأطفال من مختلف الأقطار العربية قصائدي مغناة بأصواتهم مع عبارات المحبة والإعجاب، وحسبي هذه المكافأة العظيمة.

● الانتقال بالحديث عن تأسيسكم "الفرقة الأردنيّة لمسرح الطّفل" التي توليتم رئاستها، ماذا أضافت لك هذه التجربة؟

- بدأت قصتي مع مسرح الطفل منذ سنوات الدراسة الإعدادية سنة 1975، تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً، ونما عشقي لمسرح الطفل فألفت مسرحيات وأخرجت أخرى، وشاركت بأعمال عرض بعضها في مهرجان جرش- الأردن، ومهرجان طيبة- أسوان، مهرجان الشارقة، والمغرب... ووجدت بعدها أن مشاركة الزملاء بتأسيس فرقة يتيح لنا مأسسة عملنا في هذا الميدان، والانطلاق بحرية أكبر في عالم مسرح الطفل، فكانت الفرقة الأردنية لمسرح الطفل، التي وضعنا لها خطة عمل شاملة تتضمن العروض المسرحية والورشات والأنشطة المختلفة، إلا أن جائحة كورونا أعاقت المسيرة في بعض محطاتها، فاكتفينا بالأنشطة التي يمكن فيها مراعاة الشروط الصحية لتجنب الوباء، وأقمنا أنشطة في المدارس، وورشات تدريبية من بعد عبر زوم، والأمل معقود على أعمال قادمة مميزة تنفذها الفرقة.

● إلى أي مدى تستطيع أن تقول إنك أخلصت لأدب الأطفال في خضم أنواء رحلتكم الصعبة؟

- بعد رحلتي الطويلة في درب ثقافة الطفل وأدبه التي زادت على أربعين عاماً، وعلى ضوء تخصصي في هذا المجال، وبالنظر إلى الكم الهائل من الإصدارات، أحسب أنني أخلصت لهذا الأدب الذي أحب وأعشق، والذي أخذني من دراستي في الهندسة المعمارية، إلى بساتين وروده أقطف هذه وأزرع تلك، وما خلا عملي في حقل أدب الطفل من أشواك ومتاعب وعقبات كنت أجتازها بعون الله وبمحبة الأطفال الصغار الذين كانت محبتهم لي حافزاً للنهوض بعد كل سقوط، ومحفزا للإبداع في كل خطوة أخطوها.

محمد الصادق

الوسيط الإلكتروني يفرض علينا تجويد الكتب الورقية شكلاً ومضموناً
back to top