أياديهم نظيفة لكنهم فاسدون

نشر في 17-12-2021
آخر تحديث 17-12-2021 | 00:08
 د. نبيلة شهاب في كل وقت وزمان إلى جانب النزهاء هناك الكثير من الفاسدين الذين يتفاوتون من حيث أساليب ودرجات هذا الفساد وأنواعه، فهناك فساد يضر الدولة ككل وبمن فيها، وهناك فساد يضر الأفراد والذي بالطبع تنعكس نتيجته على تصرفاتهم وعملهم وعلى من يتعامل معهم.

لا نبالغ حين نقول وعلى استحياء أن بعض الآباء قد يكونون فاسدين في تعاملهم مع أبنائهم ويغرسون ذلك في نفوسهم، منهم الآباء الذين يحرّمون على أبنائهم ما يحللونه على أنفسهم، الى جانب التمييز في التعامل وفي أساليب التنشئة، فقد يكون في الأسرة "ديك البرابر" وبقية الإخوة تابعين له، والكثير من أشكال التحيز والمحاباة والتفرقة والظلم وغيره من أنواع الفساد.

يحضرني موقف لا أنسى فيه وجه طفلة تبكي حرمانها من شيء كانت تتمناه، فبعد أن كانوا يستعدون للمشاركة في احتفالات العيد الوطني تم اختيار "مدرسة أخرى" وإلغاء مشاركة مدرستهم!! قد يعتبر البعض ذلك شيئاً بسيطاً ولا يستحق ولكن كسر الخواطر عمل كبير الى جانب أن تلك التصرفات السلبية تبني في داخل الطفل الشعور بالغبن والظلم ويرى أن انعدام العدالة الاجتماعية على أوضح وجوهها مفهوم عادي.

من المضحك أن يعتقد البعض أن الفساد هو سرقة الأموال أو أخذ الرشا أو إبرام الصفقات غير القانونية فقط، ويتناسوا أو لا يلقون بالاً للغش والخداع والاحتيال والمحاباة وغيرها من أشكال الفساد، فيمدحون فلاناً أو فلانة بأن "أياديهم نظيفة" لم يسرقوا كما فعل غيرهم، وفي حقيقة الأمر قد يكون الكثير من هؤلاء ممن سعى الى توظيف معارف أو أقارب بلا وجه حق أو أعطاهم ما لا يحق لهم أو أبرم صفقات غير قانونية لمصالح شخصية.

ومن أشكال المحاباة وعدم الإنصاف والظلم ما يجري في حالة الترقيات، والذهاب للمؤتمرات، والمشاركة في ورش العمل والدورات، فبعض المسؤولين يخبئ جدول المؤتمرات والدورات والورش حتى يتم توزيعها بينه وبين الأحبة والأقارب وما يتبقى يتم طرحه لباقي الموظفين!! أما التفرقة في الغياب والتأخير فحدث ولا حرج، فما يعتبر مقبولا للبعض يكون سيفاً مصلتا على رقاب البقية، ومن المؤسف أن كثيراً ما تفاجأ الموظفون بأسماء زملاء لهم في الكشوف لا يعرفونهم، لا يحضرون إلى العمل ولكن راتبهم يصلهم كاملاً، عكس ذلك الموظف البسيط الذي إن تأخر لسبب خاص بأسرته مثلاً ينتظر كماً من التعنيف من مسؤوليه وخصم تأخير أو غياب!! ألا نتوقع أن الكثير من الموظفين الجادين المجتهدين يثبط عزمهم وتقل الدافعية داخلهم فيصبحون لا مبالين ومستهترين بالعمل نتيجة ذلك؟

حدثني حزيناً أحد طلبتي الذين تخرجوا بتفوق ومرتبة الشرف حيث كان متوقعاً أن يتم تعيينه في مجال تخصصه الذي تحتاجه الدولة بشدة، إلا أنه وجد نفسه في إدارة كل ما يقوم به هو ترتيب الفايلات وتصنيفها!! شعر بالإحباط والحزن وانطفأ ذلك التوهج العلمي والإبداعي والتميز بداخله.

تُرى كم شاباً وشابة أصيبوا بالإحباط وشعروا بالظلم نتيجة هذا الفساد وخسرهم الوطن؟

● د. نبيلة شهاب

back to top