وجهة نظر: علاج الضمير الميت بالبنادول

نشر في 10-12-2021
آخر تحديث 10-12-2021 | 00:08
 صالح غزال العنزي الخطايا التي يرتكبها بعض البشر تبقى واضحة المعالم في ضمائرهم ويعلمون حجم أثرها وضررها، وإن كابروا أو أظهروا البلاهة أو الجهل والإصرار على صواب ما فعلوا، ولذلك فإن العمل اللاحق المناقض للفعل عند بعض المخطئين هو دليل واضح على الانكسار الداخلي والشعور بالذنب والاعتراف الضمني بحجم الخطيئة، ولذلك يحاول بعض العتاة تقديم بعض الخدمات التي قد يبدو ظاهرها إنسانياً لكن باطنها محاولة للتخارج من الخطيئة والدخول في الصفات السويّة التي ليست فيهم لتخفيف الأثر الداخلي للذنب.

فتحاول بعض الشركات التي يتسبب عملها بتلويث البيئة كالشركات النفطية مثلاً التخارج من خطاياها عبر اهتمامها بالتشجير، ولعل مدينة الأحمدي شاهد على ثقافة التعادل الأخلاقي التي كان البريطانيون يعملون بها، وهي ثقافة تراكمية تحولت إلى منهج عمل لا علاقة له بالسياسة أو الجوانب الاجتماعية أو الضمير وتأنيبه، حيث اشتهرت كل الشركات النفطية العالمية بالاهتمام بالتشجير لإخفاء خطيئة التلوث.

وما المستشفيات والمراكز الطبية التي يبنيها أباطرة المخدرات في أميركا اللاتينية إلا نوع من إعادة التوازن الاجتماعي للتاجر الذي يبيع الموت من جهة، ويبني مراكز علاج للمرضى الذين تسبب في مرضهم من جهة أخرى، كما أن موائد الرحمن التي تنتشر في بعض الدول العربية والإسلامية في رمضان أيضاً محاولة فاضلة من مقيميها لتغيير صورهم السيئة شعبياً.

وأذكر أني كنت في إحدى الديوانيات قبل سنوات فذكرنا أحد رجالات التجارة والسياسة والمجتمع المعروفين وقتها (بتاع كله)، فما كان من أحد الحضور، وكان مدير لجنة خيرية، إلا أن قاطعني قائلاً: "إن هذا الشخص (جزاه الله خيراً) يتصل بنفسه شهرياً فيطلب إرسال المندوب لاستلام شيك التبرع"، وذكر رقماً كبيراً.

والحقيقة أن هؤلاء الخطاؤون لا يتوبون من خطاياهم كما لا يتوقفون عن أعمالهم الخيرية، فلو تابوا عن الاثنين معاً لكان أصلح لهم وللبلاد والعباد، إذ لا حاجة للمستشفى لو لم ينشروا المخدرات، ولا حاجة للتبرع بالمال لو لم يمارسوا الظلم وسلب الحقوق، ولا حاجة للتشجير لو سلمت البيئة من ملوثاتهم.

وفي السياسة يُكثر السياسي (الكاذب) عندنا من الحلف بالله دون أن يطلب منه أحد أن يحلف، محاولاً إقناع المتلقي أنه صادق، وقد تعودت شخصياً أن أعتقد بكذب أي سياسي يقسم بالله دون أن يطلب منه أحد، لأن الصادق لا يحتاج إلى قسم والعاقل لا يقسم إلا إن قيل له قل (والله).

ولأن الكذب منبوذ حتى لدى الأطفال، فإن السياسي يحاول صنع التوازن للكذب بالحلف، ولو امتنع عن الكذب لما احتاج الى اليمين، لكن الناس الذين تعودوا أن يسمعوا كذب الساسة وتعودوا أن يعتقدوا أن السياسي الصادق (غشيم) هم الذين يشجعون السياسي الكاذب على الحلف بالله كذباً، ولذلك فإن العرف السائد أن السياسي الذي يعد بما لا يستطيع ويتفاهم مع الآخرين على ما لا يلتزم به هو السياسي الذكي والكيّس، وأن الحلف الكاذب نوع من السياسة والكياسة.

● صالح غزال العنزي

back to top