محمد الخياري يتأمل الرواية العربية بأسلوب السهل الممتنع

أصدر كتاباً يمارس فيه النقد من فوق «كرسي في البلكونة»

نشر في 25-11-2021
آخر تحديث 25-11-2021 | 00:01
باحترافية أكاديمي متخصص، يواصل الناقد المصري، د.محمد أبو السعود الخياري، قَنص مواطن الإبداع في الأعمال الأدبية، التي تستحوذ على اهتمام القارئ العربي، عبر دراسات نقدية وازنة، تفتش فيما بين السطور عن التفاصيل والمُنمنمات، قبل أن يُصدِر حصيلة رؤيته بشأن موضوعات دراساته في كتبٍ تحظى دائماً باهتمامٍ ومتابعةٍ كبيرين، وربما تلك هي حال أحدث كتاب صدر له أخيراً تحت عنوان "كرسي في البلكونة... تأملات في الرواية العربية".
يبدو عنوان الكتاب الجديد الصادر عن "دار غراب للنشر والتوزيع" بالقاهرة للناقد محمد الخياري، مثيراً للدهشة، لكن المتابع لتجربته ودراساته ومقالاته النقدية المتوزعة على عدد كبير من الصحف والمجلات المصرية والعربية، يكتشف بسهولة أن الرجل لا يكتفي فيما يكتب دائماً بممارسة النقد الأدبي فقط، بل يتجاوز ذلك إلى منطقة الإبداع في قراءة النص بشكل مختلف، ومعه لا يخرج عنوان الدراسة تقليدياً كحال كتب النقد عموماً، بل نجده باستمرار يضع عناوين جاذبة للقارئ العادي قبل الباحث أو الأكاديمي المتخصص.

تبسيط النقد

وقع اختيار الخياري على "كرسي في البلكونة" ليكون عنواناً لكتابه، وكأنه يريد أن يقول إن ممارسة النقد صعبة، لكن متعتها، في الوقت ذاته، سواء للناقد أو المتلقي (قارئ الدراسة)، تشبه الاسترخاء في شرفة المنزل! وهي نظرية تبسيط النقد على طريقة السهل الممتنع، التي ينتهجها في كل كتاباته تقريباً.

يبدأ الناقد كتابه مؤكداً وجود خط نقدي يحاول الالتزام به ويؤمن به؛ ينهض بالأساس على اعتبار الناقد ممتلكاً لمخيلة فنان وضمير قاض ودهشة طفل، إذ يقول إن النقد الجاد الشريف لا يجتمع مع حاجة الناقد لخدمات المبدعين أو اهتمام الصحافيين أو رضا وانتباه الناشرين... لا تغريه جائزة كبيرة، ولا يضعفه نشر مقالة بمجلة شهيرة، ولا يهتز لديه الوقار إذا حل ضيفاً في حوار. وما إن يتخلص الناقد من ذلك كله، مكتفياً بأصدقاء ثلاثة: ضميره وعقله وقلمه، حتى يصير ناقداً حقيقياً، يكتب ما يشاء من دون تردد أو اهتزاز، يُطبِّق المعايير بدقةٍ وحكمة، يطرد المجاملة من عالمه ويُجلِس مكانها العدالة، يفضل المباشرة والوضوح على المجاز، ويصف الظواهر ويذكر الأسماء.

الظواهر الروائية

الكتاب الواقع في 180 صفحة ينقسم إلى جزأين، الأول خاص بالدراسات حول الظواهر الروائية، والثاني يتوقف عند التجارب الروائية لعدد من الروائيين أو عند روايات بعينها من إنتاجهم المعاصر.

في القسم الأول، يعرض المؤلف للعلاقة بين السرد الروائي والمد الثوري، مسلطاً الضوء على علاقة التأثير والتأثر بينهما، وجاء بعنوان "الرواية والثورة.. علاقة تعجب لها التاريخ"، واستعرض خلاله بشكل بانورامي الثورات المعروفة في التاريخ البشري، فقد ظهرت الثورة الشعبية أو الاجتماعية للمرة الأولى في التاريخ قبل نحو 3195 عاماً، وهي ثورة المصريين القدماء على الملك بيبي الثاني، الذي حكم مصر 94 سنة. وكانت ثورة عنيفة جداً، ما دعا المؤرخ المصري سليم حسن إلى تشبيهها بالثورة البلشفية (1917 في روسيا)، حيث حطمت كل شيء، وتوحشت التماسيح في نهر النيل من كثرة الجثث الملقاة فيه، ثم خرج الناس بعدها لتأسيس الدولة الوسطى.

وتظهر الحكايات والسرود العظيمة، التي تأثر بها الأدباء على مدار التاريخ، بعد ذلك في الدولتين الوسطى والحديثة، حين خلت الدولة القديمة من ذلك النشاط الإنساني. ومن أهم هذه النصوص قصة "القروي الفصيح"، كما قدمت الدولة الوسطى القصة الواقعية الاجتماعية "سنوهي" وقصة "نجاة الملاح"، وفي الدولة الحديثة قصة "فتح يافا" عن الحربية والبطولة المصرية، والقصة الملحمية "ون آمون" التي أرّخّت لتدهور الإمبراطورية المصرية القديمة وغروب شمسها.

قوة الحنان

واستمرت الدراسة في رصد العلاقة بين الرواية والثورات في العالم، ففي أميركا لم تظهر الرواية إلا بعد نجاح الثورة الأميركية، فقد ظهرت رواية "قوة الحنان" من تأليف وليم هيل براون عام 1789، أي بعد نجاح الثورة الأميركية التي امتدت ثماني سنوات (1774-1782)، بسبع سنوات فقط، وكان لرواية "كوخ العم توم" (1851) دور كبير في نجاح ثورة الزنوج والتحريض عليها، وبالفعل قامت الثورة ونجحت عام 1961.

وتنتقل الدراسة إلى الثورة الفرنسية ورواياتها، والثورة البلشفية ورواياتها، وصولاً إلى ثورات ما يُسمى بـ"الربيع العربي"، وكيف ظهرت الروايات في تونس ومصر قبيل الثورة، مثل رواية "أجنحة الفراشة" لمحمد سلماوي في مصر، و"نساء البساتين" للحبيب السالمي في تونس.. وغيرها.

الرواية والعِمارة

ويضمّن الكتاب هناك دراسات أخرى عن الرواية العربية وتنوع العمارة من المحيط إلى الخليج، ثم دراسة عن الطب والرواية، تستعرض تاريخ الأطباء مع الرواية منذ محمد كامل حسين ومصطفى محمود ويوسف إدريس، وانتهاء بأحمد سمير سعد وسراج منير، مروراً بمحمد المنسي قنديل وأمير تاج السر وأحمد خالد توفيق.

وقد حفل الكتاب بعددٍ متنوع من الروائيين العرب، مثل نجيب محفوظ وبهاء طاهر وإبراهيم عبدالمجيد وعلاء الأسواني ومحمد الأشعري وسهير المصادفة وسعود السنعوسي وأحمد سعداوي وغيرهم، كما أولت الدراسة بعض الاهتمام بروايات جائزة البوكر مثل: "واحة الغروب" و"ساق البامبو" و"فرانكشتاين في بغداد".

واهتم الخياري أيضاً بظاهرة انتشار الرواية التاريخية بين الكتاب العرب، مؤكداً على التفريق بين التضحية بالفن لمصلحة التاريخ، وبين تحقيق الخلطة البارعة لاستعراض التاريخ عبر الفن، وذلك من خلال عرض تجربة الرواية التاريخية عبر مدرستي إبراهيم عيسى وبهاء طاهر.

يؤمن بأن الناقد يمتلك مخيلة فنانٍ وضمير قاضٍ ودهشة طفل

الكاتب تطرق للعلاقة بين السرد والعمارة ويرصد ظاهرة الرواية التاريخية
back to top